لماذا لا يساعد العرب لبنان؟
لبنان يغرق، وليس هناك مبادراتٌ جادّة لمساعدته على مواجهة المدّ الجارف الزاحف في اتجاهه منذ عدة عقود. ويفقد البلد بسرعة أسس بقائه على قيد الحياة، ويخسر أهله ما يمكّنهم من مواجهة الأوضاع المعيشية، في وقت باتت مؤشّرات الانهيار العام ملموسة بقوة. ولا يقف الأمر فقط عند عدم وجود رئيس دولة، أو تهالك العملة الوطنية التي ضربت أرقاما قياسية في السوء، بل أيضا في إغلاق مؤسّساتٍ بأكملها، وأضرار كبيرة في قطاعات التعليم والصحافة وهجرة جماعية للشباب من أجل البحث عن حياة أخرى. ورغم أن هذا البلد، الذي بقي متماسكا رغم كل الظروف، لا يزال يتلقّى مساعداتٍ من بعض البلدان العربية وغير العربية، فإن عجلة الانهيار مستمرّة في الدوران، وهي تطحن كل ما في طريقها، وتهدّد بأن تدمّر آخر ما بقي من هذا البلد الصغير، الذي صمد أمام أهوال الماضي والحاضر، وما لم يحصل تحرّكٌ نوعيٌّ ومبادرةٌ من طرازٍ مختلف، فلن يطول الوقت حتى يفقد هذا الكيان آخر مقوّمات استمراره.
كان لبنان سبّاقا بين دول المنطقة في مواجهة المصير الصعب، وبقدر ما ساعده العرب، فهم نقلوا خلافاتِهم إليه، وحاولت عدة أطراف عربية تصفية حساباتها على أرضه. ومن بين أكبر التحدّيات التي واجهها البلد الضعيف مسألة الحرب بالوكالة، التي مارستها دول عربية وغير عربية، ولا يزال مفتوحا أمام تصفية الحسابات وجبهة للحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران. وقد أسهمت حروب العرب في إضعاف هذا البلد، وكان في وسعهم أن يجنّبوه ضررها ويبعدوها عن أرضه ومؤسّساته، لأنه كيان هشٌّ لا يحتمل الضغوط والأزمات المديدة، ولا يستطيع أن يواجِهها، والدليل على ذلك أنه دفع ثمنا عاليا من جرّاء ذلك كله.
ليس لبنان وحده من يواجه خطر الانهيار من بين بلدان المنطقة، فهناك دول أخرى يهدّدها هذا العارض الخطير، ومنها سورية التي سقطت فيها الدولة المركزية، وباتت مقسّمة بين عدة مناطق نفوذ، وليس هناك أفقٌ في المدى المنظور على إمكانية استعادة وحدتها، وبدء العمل على تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية، وبات حلّ الوضع السوري ليس أقلّ تعقيدا مما هو عليه في لبنان. وفي الحالين، يمكن للعرب أن يؤثروا كثيرا لتغيير مسار الأحداث بما يوقف التدهور، وتوحيد الجهد المحلي والعربي للنهوض من جديد. وحينما يصبح لبنان أولويةً عربيةً يمكن أن نقول إن العرب باتوا يفكّرون بمستقبل كياناتهم على نحو سليم، وهذا يعني أن الموقف في إطار المؤسّسات العربية المشتركة، وخصوصا القمّة المقرّرة في 19 مايو/ أيار المقبل في الرياض، يجب أن يتجاوز الحديث في الغرف المغلقة والوعود والبيانات التضامنية والمساعدات التي تسدّ بعض الرمق، إلى مشاريع ذات طبيعة استراتيجية، تقوم على وضع خططٍ كبيرةٍ مقرونةٍ بمسؤوليات محدّدة من أجل إعادة بناء الدولة، وهذا يتطلّب تصميما سياسيا واقتصاديا وإرادةً صادقةً تتكفّل النهوض بالوضع اللبناني، ومغادرة منطق الذرائع والتهرّب من المسؤولية بحجّة أن اللبنانيين منقسمون على بعضهم، وأن التدخلات الخارجية، مثل الإيرانية، تحول دون مشروعٍ عربيٍّ إنقاذي. وإذا صمّم العرب، واتخذوا مبادرة لمساعدة لبنان، لن يقف في طريقهم حاجز، وهم قادرون على ذلك، ولديهم كل الإمكانات. ومن شأن ذلك لو تم أن يشكّل مدخلا لإصلاح أوضاع عربية مشابهة، كما هو الحال في سورية، كما أنه يولّد عزيمة وروحية تمهدان الطريق لإيجاد حلول للأزمات العربية البينية، كما هو الحال بين المغرب والجزائر، أو تلك التي بين بعض العرب ودول الجوار، مثل قضية سد النهضة بين مصر وإثيوبيا. وفي نهاية المطاف، تعزيز صمود الشعب الفلسطيني بوجه مخطّط الاستيطان لتهويد الضفة الغربية.