ليبيا... طريق الحل الصعب

17 يناير 2020
+ الخط -
لم تنجح محادثات موسكو، في مطلع الأسبوع الحالي، في إقناع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في التوقيع على وقف إطلاق نار في ليبيا هندسته كل من روسيا وتركيا، بعد هدنةٍ بدأت على الأرض يوم الثاني عشر من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، تلتها مشاوراتٌ مع الأطراف الأساسية في الأزمة الليبية، واتصالات شملت القوى الإقليمية والدولية التي باركت الهدنة بين قوات حفتر وحكومة الوفاق حول مدينة طرابلس. وعلى عكس ما تسرّب من موسكو أن وقف إطلاق النار صار ناجزا، ولا ينتظر سوى توقيع حفتر ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، فإن مغادرة حفتر موسكو من دون أن يضع توقيعه على الاتفاق دليل على أن طريق الحل لا تزال طويلة وصعبة، وسيكون مؤتمر برلين، المقرر بعد غد الأحد، ميدان الامتحان لمساعي موسكو وأنقرة. 
وعلى الرغم من أن اجتماع موسكو لم يهدف إلى أكثر من تحويل الهدنة إلى وقف إطلاق نار يمهد لمفاوضات سياسية، فإن حفتر لم يستجب، ورفض حتى اللقاء مع وفد حكومة طرابلس، الأمر الذي أثار استغراب الطرفين، الروسي والتركي، قبل بقية الأطراف الإقليمية والدولية. ومصدر الاستغراب أن حفتر قبِل الهدنة والتزم بها، ولكنه حين وصل إلى موسكو بدأ يغيّر موقفه، وأول خطوة تعجيزية بدرت عنه رفضه التوقيع مع السرّاج على طاولة واحدة، وتلا ذلك عدم التوقيع كليا بعد أن تشاور مع حلفائه الإقليميين، وعلى نحو خاص الإمارات التي تسرّب عنها أنها ضد توقيع وقف إطلاق النار بسبب وجود دور تركي بارز ومؤثر في الأزمة، وساهم، في الآونة الأخيرة، في دفع الموقف نحو التهدئة، كون أنقرة قرّرت تعديل موازين القوى لصالح حكومة السراج، من خلال دعمها عسكريا، بناء على اتفاقية التعاون التي وقّعتها معها في الشهر الماضي (ديسمبر/كانون الأول)، وعلى أساسها طلب السرّاج إرسال مساعدات عسكرية لنجدته في طرابلس.
سبق لحفتر أن تراجع عن اتفاقات سابقة في باريس وباليرمو وأبوظبي، وهذه ليست المناورة الأولى التي يقوم بها من أجل حرف مسار حل الأزمة التي بلغت مستوى خطيرا جدا يهدّد وحدة التراب الليبي، وهو في كل محاولات التعطيل يأتي من موقفٍ مدروسٍ للأطراف التي تدعمه، وهذه ممثلة بالثلاثي، الإمارات والسعودية ومصر، التي استثمرت، منذ عام 2011، في الوضع الليبي، ولديها مشروع يقوم على العودة بالبلد إلى عهد معمر القذافي. ومن أجل هذا الغرض، كان هجوم حفتر في مطلع إبريل/ نيسان الماضي على العاصمة طرابلس، ولكنه باء بالفشل ولم يحقق أهدافه، إلا أنه تقدّم خطوات هامة، ووضع العاصمة تحت الحصار ومرمى النيران.
وجاء الاتفاق التركي، في الشهر الماضي، مع حكومة السراج، ليغيّر مجرى الأحداث، ويرسل إشارة واضحة من تركيا بأن طرابلس خط أحمر. وتحرّكت تركيا بقوة في مطلع العام الحالي، ونشطت الدبلوماسية التركية لدى موسكو التي تشكل داعما أساسيا لقوات حفتر بالسلاح والمقاتلين المرتزقة من فرقة فاغنر الذين يقاتلون في محيط العاصمة. وأعلنت تركيا أنها قبل أن تلبي طلب حكومة السراج، وترسل قواتٍ تساندها على الأرض، تفتح باب المساعي السلمية، وتوصلت مع روسيا إلى الهدنة التي قادت إلى مباحثات موسكو لوقف النار. ومن الواضح أن حفتر ما كان ليحضر إلى موسكو لو لم يتعرّض لضغط روسي، ولكن الملفت أن روسيا لم تكمل المهمة حتى النهاية، وهذا ما يفسّر تنصّل حفتر من توقيع اتفاق وقف النار، واستئناف قصف طرابلس من دون أن يلقى أي ردة فعل روسية، وهذه أيضا ليست المرة الأولى التي تتعرّض فيها تركيا لخديعة روسيا التي يبدو حفتر أقرب إليها بكل المقاييس. ولكن حفتر، كما هو معروف، ليس سيد قراره، فهو أسير حساباتٍ داخلية وخارجية.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر