ماذا يعني الخوف عربياً؟
هل يمكن أن يتحوّل الجوع إلى أرقام نمرّ عليها من دون أن ندرك حقيقة ما تعنيه من تداعيات ودلالات مجتمعية وثقافية وإنسانية مقلقة؟ ما عليك إلّا أن تقرأ تقرير منظمة أوكسفام (اتحاد دولي لجمعيات خيرية) الذي صدر أخيراً "فيروس الجوع ينتشر"، والذي ذُكرت فيه ثلاث دول عربية تواجه خطر الجوع؛ اليمن وسورية والسودان. وفقاً للتقرير، يُعَدّ اليمن ثاني أسوأ دولة من ثاني أكبر أزمة غذاء بعد الكونغو الديمقراطية، إذ تفيد الأرقام بأنّ 70% من اليمنيين يحتاجون مساعدات غذائية عاجلة. وحجم الأضرار التي لحقت بالزراعة في اليمن، بالإضافة إلى سورية، بسبب الحروب الداخلية وأزمة كورونا، كبيرة جداً، وهنالك تفصيلات عديدة في التقرير عن حالة هذه البلاد، إذ يعيش ملايين البشر في حالة "خوف" حقيقي من تردّي الأوضاع اليومية.
في الأثناء، كان المحتجّون العراقيون يهجمون على شركات الكهرباء، احتجاجاً على الانقطاعات المستمرة والطويلة للكهرباء، في حرّ الصيف. والوضع لا يختلف في سورية، إذ تنقطع الكهرباء باستمرار، فيما يصطفّ اللبنانيون في طوابير طويلة بانتظار الوقود، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد.
الكهرباء والجوع ليسا مصدر الخوف الوحيد لدى السوريين واليمنيين، فهنالك ملايين المشرّدين الذين تركوا منازلهم تحت وطأة الحروب الداخلية هناك، فلا أمن ولا سلام ولا أفق واضحاً في المستقبل. ووفقاً لتقرير "أوكسفام" وتقارير دولية أخرى عن حالة اليمن وسورية، فإنّ النساء والأطفال هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذه الكوارث الإنسانية.
هل يقتصر الأمر على اليمن وسورية والسودان؟ ماذا عن العراق الذي يمتلك مصادر الثروة الزراعية والنفطية والأهم البشرية؟ إلى أين وصل تردّي الخدمات؟ وباقي الدول العربية التي تعاين ارتفاعاً غير مسبوق في أرقام البطالة والفقر وفشل التنمية، بينما يعيش ملايين البشر في حالة رعب يومي حقيقي من الأوضاع الأمنية، وتشهد دول أخرى انهياراً في المنظومات الصحيّة، ودول أخرى لا يزال عشرات الآلاف من المعتقلين في سجونها؟
الخوف عربياً كان خلال عقود سابقة مرتبطاً بالسطوة الأمنية على الحياة السياسية ومصادرة حقوق الإنسان المدنية والسياسية، ومنع الحريات العامة، كان يعني السجن والاعتقال والخشية من التعبير عن الرأي، وربما الاختفاء القسري في السجون والمعتقلات. أمّا الخوف.. عربياً، اليوم، فيعني أكثر من ذلك بكثير. حتى الإنسان البسيط، المبتعد عن السياسة ومصائبها، القانع بلقمة الخبز، والابتعاد عن العمل السياسي، والمؤمن بالخلاص الفردي، فلم يعد سالماً هو الآخر، لا في منزله ولا بين أهله. أمّا الشباب العربي الذي حلم بربيعٍ يخرج به من كهف الاستبداد والفساد، فينظر اليوم إلى أبسط حقوقه الإنسانية، بالعمل والكرامة الفردية والأمن اليومي، بوصفها طموحاً كبيراً، وتمثّل لدى ملايين السوريين والعراقيين واليمنيين حلماً بعيد المنال.
لم يعد الخوف سياسياً، مرتبطاً بالأمثال المتوارثة المعروفة، ولا بالتكيّف في أنظمة القمع الشمولية العربية، بل أصبح عاماً شاملاً، لا يكاد يخطئ فرداً واحداً في مجتمعات عربية كثيرة. منذ عام 2011 هنالك أجيال لا تعرف ماذا يعني الأمن أو السلام أو الحياة الطبيعية، وبات الجيل الجديد بأسره مهدّداً، في الحدّ الأدنى بحالة عدم اليقين، كما يرصد كتاب مهم صدر عن مؤسسة فريدريش إيبرت قبل أعوام قليلة دراسة مسحية عن حالة الشباب العربي في ثماني دول تقريباً، وكان عنوانه "عدم اليقين".
لدى الصديق حسن أبو هنية مقولة عميقة في نقاشه لأسباب صعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إذ الأصل أن نتساءل كيف لا يمكن أن يكون هذا التنظيم العدمي الدموي هو النتيجة المنطقية للأوضاع العربية؟!
الخوف عربياً اليوم يتخطى شخصيات روايات تيسير سبول ومؤنس الرزاز وسعدالله ونوس وممدوح عدوان ورواية مصطفى خليفة "القوقعة"، إنّه الشخصيات التي نراها في رواية "الموت عمل شاق" لخالد خليفة و"فرانكشتاين في بغداد" لأحمد السعداوي و"عازف الغيوم" لعلي بدر، و"حكاية العربي الأخير" لواسيني الأعرج.