25 اغسطس 2024
محمد عبد الوهاب .. الزمن والعمل
مرّت ذكرى وفاة الموسيقار محمد عبد الوهاب (1901 - 1991) في الرابع من شهر مايو/ أيار الجاري. إنه واحد من صانعي العصر الذهبي للموسيقا والغناء العربيين الذي انطلق من مصر وأقام فيها. في ذلك العصر، كان كل مبدع متميز في الفن والأدب يكتسب لقباً يلازمه حتى ما بعد رحيله. أما عبد الوهاب فقد اكتسب ألقاباً عديدة، منها النهر الخالد، وموسيقار الأجيال، والهرم الرابع، والأستاذ.. وقد منحه الرئيس أنور السادات رتبة اللواء الفخرية بعدما أنجز صياغة جديدة للنشيد الوطني المصري الذي ألفه سيد درويش "بلادي .. بلادي"، فاكتسب كذلك لقب اللواء، وشوهد وهو يقود الفرقة التي عزفت النشيد بالبدلة العسكرية مع الرتبة.
استحقّ محمد عبد الوهاب ألقابه كلها، وبالأخص لقب الأستاذ، بموهبته الكبيرة، وبعمله الدؤوب، وبسيالة التفكير الإبداعي التي لا تتوقف عنده. قال ذات مرّة إن عقله، منذ أيام طفولته، يشتغل أكثر من أعضاء جسمه كلها. إن الله يعطي الموهبة لأناسٍ كثيرين، ولكن من يعمل تساعده موهبته على الارتقاء، ومن يكتفي بموهبته ينطفئ. والأستاذ، كما يقولون، رجل أفعال وليس رجل أقوال، وهناك قصة معروفة عن إقامته مع الشاعر أحمد فتحي زمناً طويلاً في أجواء معبد الكرنك، تمكّنا من خلالها من استيحاء العمق التاريخي لقصيدة الكرنك، قبل مباشرتهما إبداعها.
يتحدّث عبد الوهاب، في لقاء مع الإعلامي مفيد فوزي، عن أهمية العمل، وعن أهمية الزمن. يسأله مفيد: هل صحيحٌ أن عمر المبدع يبدأ بعد سن السبعين، كما قال إرنست همنغواي؟ يجيب: لا، أبداً، عمر المبدع يبدأ مع العمل، بالعمل يستطيع الإنسان أن يتقدّم، ويُمتع شعبه.
لا يحتفل عبد الوهاب بعيد ميلاده مثلما يفعل الآخرون، هل يعقل أن تفرح وتشعل الشموع بخسارتك سنة من عمرك؟ يبدو أن الأخوين الرحباني حينما بدءا التحضير للقاء القمة الأول بين عبد الوهاب وفيروز في سنة 1961، كانا يعرفان الكثير عن فلسفة محمد عبد الوهاب حيال الزمن، فأبدعا أغنية "سهار"، وكتبا في أحد أبياتها: شو هَمّ ليل وطار؟ وينقص العمر شي نهار، بس سهار. وبعد ثلاث سنوات، في سنة 1964، كتب أحمد شفيق كامل أغنية "إنت عمري"، تحضيراً للقاء القمة الأول مع أم كلثوم الذي عُرف باسم "لقاء السحاب"، وفيها قلقٌ كثير من ضياع العمر، (قد إيه من عمري قبلك ضاع وعدّى يا حبيبي. أخاف لا العمر يجري).
يعرف محمد عبد الوهاب قدر نفسه، ولا يتواضع إلا عندما يتطلب الأمر أن يتواضع. يستبعد أن يكون الفن نتيجة طبيعية للفقر والبؤس والشقاء، لا بل يجدر بالفنان، في رأيه، أن يعيش حياته مع شيءٍ من الرفاهية. أجمل لحظات الحياة عنده حينما يحسّ، فجأة، بصوتٍ يهمس في أذنه ويعطيه لحناً، فيسارع إلى تسجيله لئلا يفلت منه. في البداية، كان يحمل في جيبه ورقة وقلماً، وحينما اخترعوا جهاز التسجيل، أخذ يستعيض به عن الورقة والقلم. الأذن، عند هذا المبدع الكبير، أهم من العين، الإنسان يسمع ويرى بأذنيه. الأستاذ محقٌّ بذلك، فأنت تسمع من الإذاعة أغنيةً فتتخيل المطرب والعازفين وتتصوّر حركاتهم، وإذا استمعت إلى تمثيليةٍ تشعر وكأنك ترى الممثلين يتحرّكون ويتحاورون أمامك، ولكنك لا تستطيع أن تفهم شيئاً من صورةٍ تلفزيونيةٍ متحرّكةٍ إذا لم يرافقها صوت.
ماذا تقول عن أم كلثوم بعد رحيلها وغيابها عنا؟ سؤالٌ يوجّهه إليه سمير صبري في لقاء على محطة ماسبيرو، يرد عبد الوهاب: أقدر أقول بإيجاز إن صوت أم كلثوم لا يعرف المستحيل، مفيش حاجة بتأديها وبيخطر عَ بالها أثناء الأداء إنها تضيف من قدرات صوتها على الجمل والكلمات، وما تضيفوش.
رحم الله أستاذ الأجيال. عاش 90 سنة، لم يتوقف خلالها عن العمل، والإبداع، واكتساب الألقاب النبيلة.
يتحدّث عبد الوهاب، في لقاء مع الإعلامي مفيد فوزي، عن أهمية العمل، وعن أهمية الزمن. يسأله مفيد: هل صحيحٌ أن عمر المبدع يبدأ بعد سن السبعين، كما قال إرنست همنغواي؟ يجيب: لا، أبداً، عمر المبدع يبدأ مع العمل، بالعمل يستطيع الإنسان أن يتقدّم، ويُمتع شعبه.
لا يحتفل عبد الوهاب بعيد ميلاده مثلما يفعل الآخرون، هل يعقل أن تفرح وتشعل الشموع بخسارتك سنة من عمرك؟ يبدو أن الأخوين الرحباني حينما بدءا التحضير للقاء القمة الأول بين عبد الوهاب وفيروز في سنة 1961، كانا يعرفان الكثير عن فلسفة محمد عبد الوهاب حيال الزمن، فأبدعا أغنية "سهار"، وكتبا في أحد أبياتها: شو هَمّ ليل وطار؟ وينقص العمر شي نهار، بس سهار. وبعد ثلاث سنوات، في سنة 1964، كتب أحمد شفيق كامل أغنية "إنت عمري"، تحضيراً للقاء القمة الأول مع أم كلثوم الذي عُرف باسم "لقاء السحاب"، وفيها قلقٌ كثير من ضياع العمر، (قد إيه من عمري قبلك ضاع وعدّى يا حبيبي. أخاف لا العمر يجري).
يعرف محمد عبد الوهاب قدر نفسه، ولا يتواضع إلا عندما يتطلب الأمر أن يتواضع. يستبعد أن يكون الفن نتيجة طبيعية للفقر والبؤس والشقاء، لا بل يجدر بالفنان، في رأيه، أن يعيش حياته مع شيءٍ من الرفاهية. أجمل لحظات الحياة عنده حينما يحسّ، فجأة، بصوتٍ يهمس في أذنه ويعطيه لحناً، فيسارع إلى تسجيله لئلا يفلت منه. في البداية، كان يحمل في جيبه ورقة وقلماً، وحينما اخترعوا جهاز التسجيل، أخذ يستعيض به عن الورقة والقلم. الأذن، عند هذا المبدع الكبير، أهم من العين، الإنسان يسمع ويرى بأذنيه. الأستاذ محقٌّ بذلك، فأنت تسمع من الإذاعة أغنيةً فتتخيل المطرب والعازفين وتتصوّر حركاتهم، وإذا استمعت إلى تمثيليةٍ تشعر وكأنك ترى الممثلين يتحرّكون ويتحاورون أمامك، ولكنك لا تستطيع أن تفهم شيئاً من صورةٍ تلفزيونيةٍ متحرّكةٍ إذا لم يرافقها صوت.
ماذا تقول عن أم كلثوم بعد رحيلها وغيابها عنا؟ سؤالٌ يوجّهه إليه سمير صبري في لقاء على محطة ماسبيرو، يرد عبد الوهاب: أقدر أقول بإيجاز إن صوت أم كلثوم لا يعرف المستحيل، مفيش حاجة بتأديها وبيخطر عَ بالها أثناء الأداء إنها تضيف من قدرات صوتها على الجمل والكلمات، وما تضيفوش.
رحم الله أستاذ الأجيال. عاش 90 سنة، لم يتوقف خلالها عن العمل، والإبداع، واكتساب الألقاب النبيلة.