24 أكتوبر 2024
مدفعية سما المصري ومدفع رمضان
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
لم يكن في شهر رمضان ألعاب نارية، وهذا من الفضائل المحمودة، فهو في غنى وكفاية. أسفتُ بشدة، وكادت عيناي تبيضّان من الحزن على مهزلة الألعاب النارية في دمشق. وكان ذلك بمناسبة تسمية حلب عاصمةً للثقافة الإسلامية في حينه. ورحتُ أعدّ على أصابعي كلها، بما فيها أصابع الندم، أكلافها، وعدد السنين والحساب والكتب التي كان يمكن أن تطبع، والبيوت التي ترفع، والعقول التي تصنع، لكن الرؤساء بعامة يحبّون الحفلات، والأعراس، والألعاب النارية، وصناعة النجوم، فهم مثل الأطفال. وأشدّ ما يكون الاحتفال عندما يكون العريس "ميعرفش"، أو فائض الفحولة. إذا توقف الاحتفال في العواصم العربية التي فاز فيها الرؤساء بأصوات الموتى المبحوحين، سقط حكامها السعداء. يمكن صوغ هذا القانون الرياضي: يزداد الإعلام العربي احتفالاً وطرباً طرداً مع الهزائم والخسارات الوطنية. الطرب قناع أو نكاية.. والملك عقيم.
لم يكن من ألعابٍ نارية في رمضان، سوى ضربة مدفع يتيمة، وبهيجة، ولم يكن في بلدتي الصغيرة مدفع، بل كانت عبوةً بحجم برقة عجين الخبز، يفكّها ويخرجها رجل بدين، ويطلقها في الساحة قريباً من بيته، وهو بالزي الرسمي احتراماً ووقاراً، كان قد دفن أنبوباً في الأرض، يزقُّ العبوة فيه بمنقار حديدي. وكنا نجتمع حوله، نحن الأولاد، عند الغروب، فنشكل حلقةً قطرها ثلاثون متراً أو أكثر، وهو يحذِّرنا ويبعدنا. ونحن ننتظر رحيل الشمس، ولحظة نطق القنبلة ذلك الحرفين من وجع النار، تلك اللحظة التي تنتظرها الأمّة كلها، فتشرب وتأكل في إيقاعٍ واحد مع تكبيرات الأذان، ثم نسابق بنات الريح التي تجري على أربع، والريح من غير أجنحة، لنصل إلى سواحل المائدة، ونرفع أبصارنا إلى السماء، بعد الوصول، لنجد بقية دخانها ما زال يجرُّ ذيوله في السماء، فمن لم يسمع صوت المدفع، يرى دخانه. طلقة واحدة كان لها بهجة إحدى وعشرين طلقة احتفالا بيومٍ من أيام الشهر الرئيس.
لا ألعاب نارية في رمضان، لكن رمضان هو أطول احتفال عرفناه، كانت ألعاب الأطفال النارية القليلة تؤجل إلى يوم العيد، لكن رمضان كريم، وجميل، وسيدٌ بين الشهور، ليس كمثله، ولمثله يُشدُّ المئزر، وتُشمّر الأجنحة. وفي الطريق إلى البيت على جناح الريح، تخلو الشوارع، من غير طوارئ أو منع للتجول، ومنع التجول السعيد لن يدوم سوى نصف ساعة، فلا تسمع سوى همس الملاعق، بعدها ستغلي الشوارع بالحركة، كأنما استيقظت الأمة من جديد، ويبدأ نهارٌ آخر في الليل، بشموس صغيرة.
ضاق الرؤساء العرب بمدفع رمضان، إلا من رحم ربي، وعلى رأس المتضايقين إسرائيل "الشقيقة"، بل إن رؤساءنا الميامين المنتخبين بأصوات الموتى وولائهم الأبدي، باتوا يضيقون بالأذان نفسه، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ..، وكانت سورية قد بدأت تفكر في توحيد الأذان بصوت واحد، وجنّدت له عضواً في مجلس الشعب، ملتحياً بلحية نصف، ثم كان أن دمّرت نصف مساجد سورية. وفي مصر شيوخ أزهريون يهاجمون الأذان ليل نهار، من أجل "شويّة رز"، وقد يجعلون المؤذن إرهابياً. في عهد عبد الفتاح السيسي، حُظرتْ موائد الرحمن في محافظة بورسعيد، ومُنع الاعتكاف، ويخشى بعضهم أن يصير الإفطار إجبارياً علشان الإنتاج، كما وقع في تونس التي لم يزدد إنتاجها بعد إفطار بورقيبة الشهير في رمضان، ولا إنتاج سوى الرقص حتى الآن، أو قد تسنّ الحكومة الصوم، من غير ثواب، في كل السنة علشان مصر. وسينطلق البرنامج، الديني التلفزيوني "عقوق الوالدين" للداعية الراقصة سما المصري، ستحضُّ الناس على برِّ الوالد الكبير، الفرعون. وربما نجد دعاءً بصوتها رنةً للموبايل، بدلاً من صوت الشعراوي، ويكون متنه: يا رب تخليني أهزّ كويس.. والإنتاج ما يزال ينقص، كما تنقص الأرض من أطرافها.
الألعاب النارية إتلافٌ للمال، وأخطارٌ دائمة، ونجوم السماء أجمل، وهي تستيقظ، ضاحكةً، من نومها بتلك الطلقة الوحيدة.
لم يكن من ألعابٍ نارية في رمضان، سوى ضربة مدفع يتيمة، وبهيجة، ولم يكن في بلدتي الصغيرة مدفع، بل كانت عبوةً بحجم برقة عجين الخبز، يفكّها ويخرجها رجل بدين، ويطلقها في الساحة قريباً من بيته، وهو بالزي الرسمي احتراماً ووقاراً، كان قد دفن أنبوباً في الأرض، يزقُّ العبوة فيه بمنقار حديدي. وكنا نجتمع حوله، نحن الأولاد، عند الغروب، فنشكل حلقةً قطرها ثلاثون متراً أو أكثر، وهو يحذِّرنا ويبعدنا. ونحن ننتظر رحيل الشمس، ولحظة نطق القنبلة ذلك الحرفين من وجع النار، تلك اللحظة التي تنتظرها الأمّة كلها، فتشرب وتأكل في إيقاعٍ واحد مع تكبيرات الأذان، ثم نسابق بنات الريح التي تجري على أربع، والريح من غير أجنحة، لنصل إلى سواحل المائدة، ونرفع أبصارنا إلى السماء، بعد الوصول، لنجد بقية دخانها ما زال يجرُّ ذيوله في السماء، فمن لم يسمع صوت المدفع، يرى دخانه. طلقة واحدة كان لها بهجة إحدى وعشرين طلقة احتفالا بيومٍ من أيام الشهر الرئيس.
لا ألعاب نارية في رمضان، لكن رمضان هو أطول احتفال عرفناه، كانت ألعاب الأطفال النارية القليلة تؤجل إلى يوم العيد، لكن رمضان كريم، وجميل، وسيدٌ بين الشهور، ليس كمثله، ولمثله يُشدُّ المئزر، وتُشمّر الأجنحة. وفي الطريق إلى البيت على جناح الريح، تخلو الشوارع، من غير طوارئ أو منع للتجول، ومنع التجول السعيد لن يدوم سوى نصف ساعة، فلا تسمع سوى همس الملاعق، بعدها ستغلي الشوارع بالحركة، كأنما استيقظت الأمة من جديد، ويبدأ نهارٌ آخر في الليل، بشموس صغيرة.
ضاق الرؤساء العرب بمدفع رمضان، إلا من رحم ربي، وعلى رأس المتضايقين إسرائيل "الشقيقة"، بل إن رؤساءنا الميامين المنتخبين بأصوات الموتى وولائهم الأبدي، باتوا يضيقون بالأذان نفسه، يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ..، وكانت سورية قد بدأت تفكر في توحيد الأذان بصوت واحد، وجنّدت له عضواً في مجلس الشعب، ملتحياً بلحية نصف، ثم كان أن دمّرت نصف مساجد سورية. وفي مصر شيوخ أزهريون يهاجمون الأذان ليل نهار، من أجل "شويّة رز"، وقد يجعلون المؤذن إرهابياً. في عهد عبد الفتاح السيسي، حُظرتْ موائد الرحمن في محافظة بورسعيد، ومُنع الاعتكاف، ويخشى بعضهم أن يصير الإفطار إجبارياً علشان الإنتاج، كما وقع في تونس التي لم يزدد إنتاجها بعد إفطار بورقيبة الشهير في رمضان، ولا إنتاج سوى الرقص حتى الآن، أو قد تسنّ الحكومة الصوم، من غير ثواب، في كل السنة علشان مصر. وسينطلق البرنامج، الديني التلفزيوني "عقوق الوالدين" للداعية الراقصة سما المصري، ستحضُّ الناس على برِّ الوالد الكبير، الفرعون. وربما نجد دعاءً بصوتها رنةً للموبايل، بدلاً من صوت الشعراوي، ويكون متنه: يا رب تخليني أهزّ كويس.. والإنتاج ما يزال ينقص، كما تنقص الأرض من أطرافها.
الألعاب النارية إتلافٌ للمال، وأخطارٌ دائمة، ونجوم السماء أجمل، وهي تستيقظ، ضاحكةً، من نومها بتلك الطلقة الوحيدة.
دلالات
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
10 أكتوبر 2024
26 سبتمبر 2024
12 سبتمبر 2024