09 نوفمبر 2024
من أحوالنا في "المؤشر العربي"
لتغتبط الحكومات العربية بأن 20% فقط من مواطنيها معنيون بأدائها أولوية لديهم. ولتغتبط أكثر طالما أن الثقة بها تتقدّم على الثقة بالبرلمانات، وإنْ بعد الجيش والأمن والقضاء. ولتفرح هذه الحكومات بأن 10% من مواطنيها أصلا مهتمون جدا بالسياسة، وأن 30% مهتمون. ولتفرح أكثر طالما أن 53% منهم لا يرون في أي حزبٍ في بلادهم ممثلا لهم، بل إنهم 10% فقط منتسبون إلى أحزاب. تسوّغ هذه المعطيات أن ترانا حكوماتنا نحن المواطنين عقلاء، منقطعين إلى ميادين البذل والعطاء للوطن، مطمئنين إلى من يتولون رعايتنا، ويواظبون، بسداد الرأي الذي يرفلون به، على ما يعفينا من إجهاد عقولنا بتسقّط الصحيح وغير الصحيح، في هذا المطرح أو ذاك، طالما أن حكوماتنا منصرفةٌ إلى ما يريحنا، فتنوب عنا في توفير ما فيه صلاح أحوالنا، فلا تجعلنا ننشغل بمتابعة ما تصنع، وما لا تصنع، من أجلنا، نحن أبناءها المواطنين، ولا سيما أننا قانعون مقتنعون، ولا نلقي بالاً للأحزاب على وفرتها.
في وسعك أن تخلص إلى ما سبق، إذا اجتزأت ما يناسب أقوالا كهذه، من نتائج المؤشر العربي لعام 2016، كما أعلنها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأسبوع الماضي، غير أنك لو أردت أن تعرف الحقائق كما هي، لا كما تريد، فإنك تحتاج إلى أن تتسع حدقتا عينيك، فتطالع المؤشر وتفاصيله جيداً، ولا سيما أنه الجهد الاستكشافي الأشمل والأضخم في مسح الرأي العام العربي. ويقدّم، منذ ست سنوات، مختلف المعطيات العلمية، على الصعد كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بشأن قناعات المواطن العربي بخصوص عيشه ومختلف قضاياه. وأول ما ستتأكد منه، إذا فعلت هذا، أن تلك الغبطة المتوّهمة لدى الحكومات العربية ليست سوى قشرةٍ رقيقة، لا يمكنها أن تغطّي على حقائق مقلقة، بل ومقلقة جداً، في الظرف العربي الراهن.
عندما يقول 44% إن الشأن المعيشي، الاقتصادي تحديداً، هو الأولوية الأهم لديهم، فيما 18% فقط يحدّدون أولوياتهم أنها الاستقرار السياسي والأمن والأمان، فهذا يبعث على التطيّر. أما عندما يقول 29% إنهم يعيشون في عوز، ومدخولاتهم لا تغطي احتياجاتهم الأساسية، فذلك يثير زوبعة من الأسئلة، ولا سيما أن 20% فقط يفيدون بأن دخول أسرهم تكفي نفقات حاجاتهم، وفي وسعهم أن يوفّروا منها، و44% لا يستطيعون التوفير، فإن هذا كله لا يصير مطمئناً، خصوصاً أن 57% يرون وضع بلادهم الاقتصادي سيئاً جداً. وتزداد بواعث القلق في أن تونس، وهي إحدى 12 دولة عربية جرى فيها مسح "المؤشر العربي"، هي الأخيرة من بين هذه الدول التي يرى مواطنوها جودة الوضع الاقتصادي بين ظهرانيهم، وهي الدولة التي حقق فيها الربيع العربي نجاحه الوحيد في العبور إلى الانتقال الديمقراطي.
لا يكترث المواطنون العرب بنوبات محاربة الفساد التي لا تتوقف في بلادنا العربية الزاهرة، إذ تصمد (تقريباً)، في استطلاعات المؤشر في السنوات الست الماضية، نسبة الـ 93% للذين يرون الفساد منتشراً بدرجات متفاوتة. وعندما يجتمع عناد الرأي العام العربي في عدم أخذه على محمل الجد الخطاب النشط الذي تشيعه الحكومات العربية عن محاربتها الفساد، مع الشعور العريض بسوء الأحوال الاقتصادية العامة، مع قلة الذين في وسعهم أن يوفروا من دخولهم، فإن هذه المؤشرات (وأخرى غيرها) إنما تعني أن منسوب عدم الرضى في الشارع العربي عن أحوال العيش العام كبير، ما يفسّر أن 24 % من المواطنين العرب يرغبون بالهجرة، في زيادة عنهم في استطلاع 2015. وما يساعد أيضا في شيوع التبرّم الظاهر، وكذا رغبة الشباب العربي بالهجرة، أن 39% يرون أنه لا يمكن انتقاد حكومات بلادهم من دون خوف، وأكثرهم في فلسطين والسودان، وأقلهم في تونس، الدولة الأدنى في رضا مواطنيها عن الحال الاقتصادي، ما يكشف أن الحريات العامة، أياً كان حضورها، ليس في وسعها أن تعني الاطمئنان إلى حال طيب، وإنما هو الاقتصاد المعيشي أولاً.. هو مصدر القلق، بل الخوف، بل الفزع، ما يجعل الحكومات العربية مدعوةً إلى التحسّب من أن 20% من مواطنيها معنيون بالاهتمام بأدائها أولويةً لديهم.. فللإنسان عينان وليست واحدة، عندما يريد أن يرى ما قدّامه.
في وسعك أن تخلص إلى ما سبق، إذا اجتزأت ما يناسب أقوالا كهذه، من نتائج المؤشر العربي لعام 2016، كما أعلنها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأسبوع الماضي، غير أنك لو أردت أن تعرف الحقائق كما هي، لا كما تريد، فإنك تحتاج إلى أن تتسع حدقتا عينيك، فتطالع المؤشر وتفاصيله جيداً، ولا سيما أنه الجهد الاستكشافي الأشمل والأضخم في مسح الرأي العام العربي. ويقدّم، منذ ست سنوات، مختلف المعطيات العلمية، على الصعد كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بشأن قناعات المواطن العربي بخصوص عيشه ومختلف قضاياه. وأول ما ستتأكد منه، إذا فعلت هذا، أن تلك الغبطة المتوّهمة لدى الحكومات العربية ليست سوى قشرةٍ رقيقة، لا يمكنها أن تغطّي على حقائق مقلقة، بل ومقلقة جداً، في الظرف العربي الراهن.
عندما يقول 44% إن الشأن المعيشي، الاقتصادي تحديداً، هو الأولوية الأهم لديهم، فيما 18% فقط يحدّدون أولوياتهم أنها الاستقرار السياسي والأمن والأمان، فهذا يبعث على التطيّر. أما عندما يقول 29% إنهم يعيشون في عوز، ومدخولاتهم لا تغطي احتياجاتهم الأساسية، فذلك يثير زوبعة من الأسئلة، ولا سيما أن 20% فقط يفيدون بأن دخول أسرهم تكفي نفقات حاجاتهم، وفي وسعهم أن يوفّروا منها، و44% لا يستطيعون التوفير، فإن هذا كله لا يصير مطمئناً، خصوصاً أن 57% يرون وضع بلادهم الاقتصادي سيئاً جداً. وتزداد بواعث القلق في أن تونس، وهي إحدى 12 دولة عربية جرى فيها مسح "المؤشر العربي"، هي الأخيرة من بين هذه الدول التي يرى مواطنوها جودة الوضع الاقتصادي بين ظهرانيهم، وهي الدولة التي حقق فيها الربيع العربي نجاحه الوحيد في العبور إلى الانتقال الديمقراطي.
لا يكترث المواطنون العرب بنوبات محاربة الفساد التي لا تتوقف في بلادنا العربية الزاهرة، إذ تصمد (تقريباً)، في استطلاعات المؤشر في السنوات الست الماضية، نسبة الـ 93% للذين يرون الفساد منتشراً بدرجات متفاوتة. وعندما يجتمع عناد الرأي العام العربي في عدم أخذه على محمل الجد الخطاب النشط الذي تشيعه الحكومات العربية عن محاربتها الفساد، مع الشعور العريض بسوء الأحوال الاقتصادية العامة، مع قلة الذين في وسعهم أن يوفروا من دخولهم، فإن هذه المؤشرات (وأخرى غيرها) إنما تعني أن منسوب عدم الرضى في الشارع العربي عن أحوال العيش العام كبير، ما يفسّر أن 24 % من المواطنين العرب يرغبون بالهجرة، في زيادة عنهم في استطلاع 2015. وما يساعد أيضا في شيوع التبرّم الظاهر، وكذا رغبة الشباب العربي بالهجرة، أن 39% يرون أنه لا يمكن انتقاد حكومات بلادهم من دون خوف، وأكثرهم في فلسطين والسودان، وأقلهم في تونس، الدولة الأدنى في رضا مواطنيها عن الحال الاقتصادي، ما يكشف أن الحريات العامة، أياً كان حضورها، ليس في وسعها أن تعني الاطمئنان إلى حال طيب، وإنما هو الاقتصاد المعيشي أولاً.. هو مصدر القلق، بل الخوف، بل الفزع، ما يجعل الحكومات العربية مدعوةً إلى التحسّب من أن 20% من مواطنيها معنيون بالاهتمام بأدائها أولويةً لديهم.. فللإنسان عينان وليست واحدة، عندما يريد أن يرى ما قدّامه.