من أوباما إلى بثينة شعبان.. حَوِّلْ
عالم السياسة في الدول المتخلفة يُسَلّي الضجران، ويُمْتع الطفران، ويبعث على النوم الهانئ بالنسبة للأرقان. خذ، مثلاً، هذه الحكاية من عصر قريب جداً.
بينما كان الرئيس الأميركي، أوباما، ووزيرُهُ كيري، منهمكين بتشكيل تحالف دولي لضرب تنظيم داعش الإرهابي، أطلقت الدكتورة بثينة شعبان، مستشارةُ بشار الأسد للشؤون الإعلامية، تصريحاً قوياً، وموجعاً، ومربكاً، مفادُه بأن دفاعات الجيش العربي السوري ستتصدى لطائرات التحالف الدولي وتُسقطها، إذا لم يمتثل التحالف لدعوة الوزير المعلم بأن يكون "الضَرْبُ" برعاية النظام السوري، وإشرافه، وتوجيهاته.
أدخلنا هذا التصريح في حالة من تداعي الأفكار المُؤْنِسة والممتعة، ذات العلاقة بالموضوع ذاته. فالنظام السوري الممانع، حينما صدر القرار 2170 عن مجلس الأمن، وتناهى إلى سمعه أن الولايات المتحدة الأميركية تريد تشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق، مع وجود احتمال امتداد الحرب إلى الأراضي السورية، لم ينزل إلى ما تحت الطاولة، ليبعث (المكاتيب) بالحبر السري إلى الدول الاستعمارية والإمبريالية، عارضاً عليها استعداده للمشاركة في هذه الحرب؛ لكنه أرسل وزير خارجيته الفصيح، وليد المعلم، الذي يتكلم بهدوء، وكأنه يلفظ آخر جملة في مسلسل درامي طويل، ليعقدَ، في وضح نهار الخامس والعشرين من أغسطس/آب 2014، مؤتمراً صحافياً (عَزَمَ) فيه دول العالم العظمى على (حفلة ضَرْب) للأراضي السورية، من دون شفقة ومن دون (يا أمي ارحميني)!... وبسابقة فريدة من نوعها في عالم المؤتمرات الصحافية، قاطعه مندوب "بي بي سي"، الصحافي عساف عبود، متسائلاً:
- حتى أميركا وبريطانيا؟
فرد عليه المعلم، من دون أي اعتراض على المقاطعة: أهلاً وسهلاً بالجميع.
وأضاف عبارةً لو تأملتَها، عزيزي القارئ، لأصبتَ بحالة البُهُوت التي انتابَتْ الشاعرَ أبا صخر الهذلي، حينما رأى حبيبته فجاءةً، وأنشد (فَبُهِتُّ لا عُرْفٌ لديَّ ولا نُكْرُ)..
قال المعلم، حرفياً:
- مَن يريد العدوان على سورية ليس لديه مبرر إلا بالتنسيق معنا!
استخدم كلمة "العدوان"، من دون أن يُجهد نفسه باستبدالها بكلمة أقل صراحةً.
الإعلامي اللبناني الظريف، نديم قطيش، صاحب البرنامج الفكاهي (DNA)، وجد في مؤتمر وليد المعلم الصحافي منجماً كبيراً عامراً بالتحف الفكاهية المسلية، فقال متقمصاً شخصية المعلم:
- نحن جماعة السيادة الوطنية، جماعة سورية الأسد، سورية الصمود والتصدي، لا يوجد لدينا أي مانع في وقوع (العدوان) الإمبريالي على سورية، ولكن، بالتنسيق معنا، فنحن، كما تعلمون، لدينا خبرة واسعة في العدوان على سورية! ثلاث سنوات ونصف السنة، وقبلها أربعون سنة، ونحن نعتدي على سورية، وَلَو، شوبنا؟
كانت السيدة بثينة شعبان أول وجه يطلّ على الشعب السوري مع بداية الثورة التي اشتعلت في درعا، وأخذت تمتد إلى ريف درعا، وبعض المدن السورية، مثل دوما وبانياس وبنش وتلبيسة والرستن، لتذيع على الملأ، بلهجة مَنْ يزفُّ للناس بشرى سارَّة، محققة، هي أن رئيسها، بشار الأسد، سوف يقدم للشعب سلة من الإصلاحات التي سوف تسعده على نحو مؤكد.
وبعد حين من الزمان، حينما بدأت قذائف الطائرات والمدفعية وراجمات الصواريخ تنزل فوق المدن المأهولة، كان الناس يقفون أمام الأبنية المهدمة، ويشيرون بأيديهم نحو الدمار مثلما يشير المُدَرِّسُ بعصاه نحو الخريطة، أو وسيلة الإيضاح، ويقولون:
- هاي إصلاحاتك يا بشار؟
لم تكن هذه المرة الوحيدة التي تقول فيها بثينة شعبان كلاماً، ويأتي من ينقضه، أو يُسخِّفُهُ، أو يستخف به. فهي سيئة الحظ إلى درجة أن توقيت تصريحها الأخير المتعلق بالتصدي لطائرات التحالف تزامن مع معاناة الرئيس الأميركي نفسه من الفراغ، وكان رائقاً إلى درجة أنه رد عليها شخصياً بعبارة:
- ضرب دفاعاتكم الجوية أسهل علينا من ضرب داعش!
فبهتتْ، كأبي صخر الهذلي، لا عُرْفٌ لديها، ولا نُكْرُ.