من الذي ذبح القطة؟
ما زال الممثل الوسيم خالد زكي على اعترافه بأنّ ميرفت أمين كانت حبّه الأول. والحقيقة أنّها كانت الحبّ الأول لجيل السبعينيات والثمانينيات من شباب القرن الماضي، وكانت تلقّب بقطة السينما المصرية. وملامح وجهها الرقيقة والبريئة كانت سبباً في أن تُحصر في أدوار معينة، لم تستطع تجاوزها حتى حين تقدّمت في العمر، وأصبحت تشارك في الدراما التلفزيونية، فهي دائماً المرأة التي يخطُب الرجال ودّها. لكنّ ميرفت أمين أطلّت اليوم، وقد نال منها العمر، وفعلت السنون بها فعلتها، وتعرّضت للتنمر والسخرية من الجماهير الذين اعتقدوا أنّ الزمن قد يتوقّف عند جمال قطّة السينما المصرية، وحين اكتشفوا أنّه قد دار دورته على جمالها ذبحوا القطّة من دون رحمة.
التقط أحدهم صورة لميرفت أمين، وهي من مواليد أربعينيات القرن العشرين مع شكوك حول السنة الأصلية لميلادها في ذلك العقد. وعموماً هي امرأة في السبعينيات من عمرها، وعلينا أن ننظر حولنا ونرى حال النساء العاديات اللواتي لا يعتنين ببشرتهن ولا رشاقتهن، وقد أصبحن في مثل عمرها، وسوف نكتشف أنّ ميرفت أمين ما زالت محافظة ومتمسكة بأهداب جمالها المنحدر من أصول إسكتلندية ومجسّدة المثل: "إن ذبل الورد، فرائحته لا تذبل".
ظهرت قطة السينما في بيت عزاء المخرج الراحل علي عبد الخالق من دون مساحيق خافية لعيوب البشرة، لكنّ ذلك لا يعني أنّها لم تكن جذّابة، ولافتة حتى بحضورها الحزين. وحين تلصّص أحدهم عليها، والتقط صورة لحزنها واحترامها المكان الذي كانت فيه، وحين نشر صورتها "المفزعة" على حد تعبير مستخدمي مواقع التواصل، والذين يحتفظون في مخيلاتهم بصورتها الشابّة النضرة، غفل ذلك المصوّر عن أنّ ميرفت أمين من الممثلات القلائل اللواتي احترمن أعمارهن، ولم يلجأن لعمليات التجميل، والتي تحوّل وجه الواحدة ممن هن من بنات جيلها إلى لوحةٍ بلا حياة، وحيث تفقد عضلات الوجه قدرتها على التعبير عن المشاعر بسبب تكرار عمليات الشدّ والحقن، وغيرها من مستحدثات التجميل التي تتفتق عنها أذهان العلماء، ويتبعها الأطباء من دون التفكير بعواقبها.
سمعنا كثيراً عن حوادث وقعت لممثلات ركضن خلف عمليات التجميل، إما لزيادة حسنهن أو لتأخير آثار الزمن على وجوههن، لكنّهن وقعن ضحايا أخطاء من مباضع الجرّاحين ذوي الأسماء اللامعة في هذا المجال، المستغلين مفاهيم خاطئة عن الجمال عند المجتمعات التنميطية، ودفعن ثمن عدم تسليمهن بأنّ الشيخوخة مرحلة طبيعية سنمرّ بها جميعاً، وركضن خلف المظهر المثالي الواقي من التنمّر أو الزواج الثاني للرجل.
يخطئ المجتمع الأبوي التنميطي المبتذل، حين يمارس التنمر والسخرية من النساء الموضوعات ضمن إطار رُسم مسبقاً لجمالهن ورشاقتهن، ومن دون احترامٍ لمشاعر أو خصوصية، مثلما فعل سائق سيارة أجرة منذ زمن، حين قال للراقصة سامية جمال، وهي تهم بركوب سيارته، وقد دار بها الزمن ففقدت بريقها وترهل جمالها اللافت "إنتي كبرتي كده ليه؟". وكانت هذه العبارة كافية لكي تقبع سامية جمال في بيتها حتى توفيت، وقد اعتزلت الحياة بسبب كلمة قيلت لها من دون حساب ومن دون مراعاة لمشاعر الأنثى داخلها. وربما حين تعرّضت سندريلا الشاشة سعاد حسني لمثل هذا التنمّر آثرت الانزواء ثم الهجرة من مصر، وذلك بعدما التقط أحدهم صورة لها وقد تغيرت ملامحها وزاد وزنها بصورة ملحوظة. وقد علقت الكاتبة ماجدة خير الله على القصة الرائجة هذ الأيام، عن تغير ملامح ميرفت أمين، بأنّ السندريلا الراحلة قد تعرّضت لمثل هذا التنمر الذي انتهى بوفاتها الغامضة.
ليس لنا أن نكون حكّاماً وجلّادين على الآخرين، مهما بلغت أخطاؤهم، ومهما كان منحى حياتهم، فالجميع يعرف ويدرك أنّ الزمن لا يرحم، وأنّ الجمال لا يدوم، وأنّ الموت والتراب نهاية لا يفرّ منها حتى الملوك، وفي موت الملكة إليزابيث الثانية بالمناسبة عن 96 عاماً أكبر مثال وموعظة.