25 اغسطس 2024
من ذكريات الحركة التصحيحية اللذيذة
قبل ربع قرن، اتُّخِذَ في سورية قرارٌ بأن تنطلقَ احتفالاتُ شَعْبِ محافظة إدلب بذكرى الحركة التصحيحية في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، أي بعد فوات تسعة أيام على موعد الذكرى الفعلية. ليس هذا التأخير ذا أهمية تُذْكَرُ، فالقيادة القُطرية لحزب البعث كانت تحرص دائماً على ضبط إيقاع الاحتفالات، لئلا تحصل فوضى تُعَكِّرُ على الجماهير فرحتَها بقائدها، وتُلهيها عن الالتفاف حول قيادته الحكيمة، وتضعُ جدولاً زمنياً لخروج الجماهير في المُسَيَّرَات، وتُبَلِّغُه لقيادات فروع الحزب في المحافظات، رسمياً، قبل شهرين من حلول الذكرى.. وفروع الحزب تعمّم الجدول على الشُعَب والفِرَق الحزبية وباقي مؤسسات الدولة بغية استكمال استعداداتها للاحتفال، وسَحْبِ الذرائع ممن يقولون إن الوقت دهمهم فلم يتمكّنوا من جعل ولائهم للقائد استثنائياً.
كاتبُ هذه الأسطر، وكثيرون مثلي، لم نكن "في السر" نشتري القائد التاريخي، والقيادتين القومية والقطرية، والفروعَ، والشُعَبَ، والفِرَق، والرفيقَ أبا تحسين الذي كان يراقب المُسَيَّرَات ويسجل أسماء الغائبين المتخاذلين ليضيفهم إلى "التقرير"، بنصف فرنك مبخوش! (أي ما يعادل اثنين ونصف بالمئة من قيمة الليرة السورية الواحدة). ومع ذلك، كنا نتعامل مع المُسَيَّرَات على أنها أمر واقع، مُقَدَّر، يشبه في حتميته وقوع البروق والصواعق.
من جهة أخرى؛ كان موظفو الدوائر الحكومية، وأساتذة المدارس، والطلاب، يفرحون بحلول هذه المناسبة، لأسباب لا علاقة لها بالحكي الذي يردده الرفيق أبو تحسين في أثناء التحقيق مع المواطنين الذين ضبطهم في لحظة التخاذُل، وهو أن الإمبريالية والصهيونية والرجعية وأذناب الاستعمار بمجرد خروج مُسَيَّرَة تأييدٍ في محافظة سورية نائية، مثل إدلب، يتبولون بضعَ نقاط في سراويلهم، على نحو لاإرادي، وحينما يرون هذه الجماهير وهي تحمل صورَ القائد والأعلام واللافتات، وتهدر بصوت واحد "بالروح، بالدم، نفديك يا حافظ"، يفقدون السيطرة على مثاناتهم بالكامل، ويتبوّلون بغزارة، ويسيل البول من أكمام بنطلوناتهم!
كان الموظفون والطلاب يفرحون لأن الشهرين رقم 10 و11 من السنة، اللذين عُرِفَا باسم "التشرينين"، استراحة طويلة من الشغل، فمنذ أواخر سبتمبر/ ايلول وأوائل أكتوبر/ تشرين الأول، يبدأ الاحتفال بذكرى انتصارنا الكبير في حرب تشرين (الانتصار الذي تجلى بخسارة أراضٍ جديدة غير التي خسرناها في حرب يونيو/ حزيران 1967، مقابل إغلاق الجبهة مع إسرائيل وتَفَرُّغِ أجهزة المخابرات للتنكيل بالشعب) ويصبح الدوام في الدوائر والمدارس شكلانياً، وتنعقد ألسنة مديري المدارس والجامعات والدوائر الحكومية فلا يجرؤون على سؤال الطلاب والموظفين (لوين رايحين؟ وين كنتوا؟ ليش غبتوا؟ ليش تأخرتوا؟) لئلا يُتَّهَمُوا بأنهم ينغصون على الشعب فرحته بقائده المُلهم.
ولعل أكبر "ضربة حظ" يحظى بها مديرو الشركات والمؤسسات ذات الطابع الإنتاجي أو الإداري في أيام الاحتفالات أنها تمنحهم فرصةً ذهبيةً لضبط ميزانية الإنفاق السنوية، والتستر على الهدر والسرقات، فالمدير الذي كان يسرق قسائم البنزين، ويبيعها في السوق السوداء يطلب من المحاسب أن يتدبّر الأمر بمعرفته، والمحاسب يحذف بند "المحروقات" من دفاتر الميزانية، ويكتب مكانه (قيمة أقمشة وعصيّ لصنع لافتات للاحتفال بالحركة التصحيحية المجيدة إضافة إلى أجور رسام وخطاط)، والمسؤول الذي كان يُعَلّم زوجتَه قيادة السيارة الحكومية فضربتها بالحائط، يحمد الله على أن الله تعالى رأف بأم عياله فلم تمت بالحادث، ويطلب من المحاسب أن يسجل أجور تصليح السيارة وتصويجها ودهانها في حقل (أجور طبالين وزمارين وذبح خراف وطبخ برغل وفريكة ومرقة لتأكل الجماهير في المسيرة الجماهيرية الحاشدة التي خرجت لتجدد البيعة للقائد التاريخي بطل الحرب والسلام، باني سورية الحديثة).. وعلى هذا فَقِسْ.
يقول المحللون السياسيون إن هاتيك الاحتفالات كانت تعطل الإنتاج في البلاد، وتضرّ بالاقتصاد الوطني، وهذا صحيح. ولكنهم ينظرون، مع الأسف، إلى النصف الفارغ من الكأس، ولا يرون المكاسب التي كانت تتحقق لبعض الناس، على كثرتها.
من جهة أخرى؛ كان موظفو الدوائر الحكومية، وأساتذة المدارس، والطلاب، يفرحون بحلول هذه المناسبة، لأسباب لا علاقة لها بالحكي الذي يردده الرفيق أبو تحسين في أثناء التحقيق مع المواطنين الذين ضبطهم في لحظة التخاذُل، وهو أن الإمبريالية والصهيونية والرجعية وأذناب الاستعمار بمجرد خروج مُسَيَّرَة تأييدٍ في محافظة سورية نائية، مثل إدلب، يتبولون بضعَ نقاط في سراويلهم، على نحو لاإرادي، وحينما يرون هذه الجماهير وهي تحمل صورَ القائد والأعلام واللافتات، وتهدر بصوت واحد "بالروح، بالدم، نفديك يا حافظ"، يفقدون السيطرة على مثاناتهم بالكامل، ويتبوّلون بغزارة، ويسيل البول من أكمام بنطلوناتهم!
كان الموظفون والطلاب يفرحون لأن الشهرين رقم 10 و11 من السنة، اللذين عُرِفَا باسم "التشرينين"، استراحة طويلة من الشغل، فمنذ أواخر سبتمبر/ ايلول وأوائل أكتوبر/ تشرين الأول، يبدأ الاحتفال بذكرى انتصارنا الكبير في حرب تشرين (الانتصار الذي تجلى بخسارة أراضٍ جديدة غير التي خسرناها في حرب يونيو/ حزيران 1967، مقابل إغلاق الجبهة مع إسرائيل وتَفَرُّغِ أجهزة المخابرات للتنكيل بالشعب) ويصبح الدوام في الدوائر والمدارس شكلانياً، وتنعقد ألسنة مديري المدارس والجامعات والدوائر الحكومية فلا يجرؤون على سؤال الطلاب والموظفين (لوين رايحين؟ وين كنتوا؟ ليش غبتوا؟ ليش تأخرتوا؟) لئلا يُتَّهَمُوا بأنهم ينغصون على الشعب فرحته بقائده المُلهم.
ولعل أكبر "ضربة حظ" يحظى بها مديرو الشركات والمؤسسات ذات الطابع الإنتاجي أو الإداري في أيام الاحتفالات أنها تمنحهم فرصةً ذهبيةً لضبط ميزانية الإنفاق السنوية، والتستر على الهدر والسرقات، فالمدير الذي كان يسرق قسائم البنزين، ويبيعها في السوق السوداء يطلب من المحاسب أن يتدبّر الأمر بمعرفته، والمحاسب يحذف بند "المحروقات" من دفاتر الميزانية، ويكتب مكانه (قيمة أقمشة وعصيّ لصنع لافتات للاحتفال بالحركة التصحيحية المجيدة إضافة إلى أجور رسام وخطاط)، والمسؤول الذي كان يُعَلّم زوجتَه قيادة السيارة الحكومية فضربتها بالحائط، يحمد الله على أن الله تعالى رأف بأم عياله فلم تمت بالحادث، ويطلب من المحاسب أن يسجل أجور تصليح السيارة وتصويجها ودهانها في حقل (أجور طبالين وزمارين وذبح خراف وطبخ برغل وفريكة ومرقة لتأكل الجماهير في المسيرة الجماهيرية الحاشدة التي خرجت لتجدد البيعة للقائد التاريخي بطل الحرب والسلام، باني سورية الحديثة).. وعلى هذا فَقِسْ.
يقول المحللون السياسيون إن هاتيك الاحتفالات كانت تعطل الإنتاج في البلاد، وتضرّ بالاقتصاد الوطني، وهذا صحيح. ولكنهم ينظرون، مع الأسف، إلى النصف الفارغ من الكأس، ولا يرون المكاسب التي كانت تتحقق لبعض الناس، على كثرتها.