من فيهم المحلل؟
قال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (المصري)، مدحت الزاهد، إن أحزاب الحركة المدنية لن تلعب دور "الدوبلير" أو المحلّل للرئيس، مشددًا لـ"مدى مصر" على أن أحزاب الحركة والشخصيات العامة المنضمّة لها لم تفوض أحدا للتفاوض بشأن أي ترتيبات خاصة بالانتخابات الرئاسية مع أي جهة بالسلطة.
حسنًا فعل الرجل، حين نفى عقد اجتماع لما تسمّى الحركة المدنية الديمقراطية مع رئيس المخابرات العامة للبحث عن ثلاثة مرشّحين يلعبون دور المنافس للجنرال عبد الفتاح السيسي في انتخابات العام 2024.
هذا لا ينفي بالطبع أن هذه الحركة المدنية جدًا والديمقراطية للغاية لا تجتمع مع رئيس المخابرات وتنسق مع قيادات أمنية أخرى بشأن مستقبل الديمقراطية في مصر، إذ ينشر الموقع ذاته الذي نشر خبر اجتماع "اختيار المرشّحين الثلاثة" تصريحات، لم يتم تكذيبها، على لسان القيادي في الحركة سمير عليش، يقول فيها إن "هناك تواصلا قائما حتى الآن بين الحركة والأجهزة الأمنية والمخابراتية، خاصة أن هناك لجنة جرى تشكيلها منذ فترة تضم مُمثلين من الطرفين". وأوضح أن "مُمثلي الحركة المدنية في هذه اللجنة هم: حمدين صباحي، وفريد زهران، وأكمل قرطام، ومدحت الزاهد، وآخرون، في حين تضم في المقابل 2 من رؤساء الأجهزة الأمنية، وفي بعض الأحيان يشارك اللواء عباس كامل بنفسه في تلك الاجتماعات التي تُعقد من وقت لآخر".
جيد أن تقول الحركة التي تسمّي نفسها مدنية ديمقراطية إنها لن تكون "الدوبلير"، أو المحلّل وفق تعبير بعض ناطقيها، وهو ما يطرح السؤال: من سيكون المحلل أو الدوبلير إذن؟. .. بحسب القيادي رئيس حزب التحالف الشعبي، مدحت الزاهد، ستجتمع "الحركة المدنية" خلال أسبوع أو اثنين على أقصى تقدير لمناقشة الاستعداد للانتخابات الرئاسية، مضيفًا إن تسمية مرشّحي "الحركة المدنية" للرئاسة هو أمرٌ لا بد أن تسبقه مناقشاتٌ كثيرةٌ جدًا حول الضمانات التي ينبغي توافرها لكي تجرى الانتخابات.
يلفت النظر في الخطاب الصادر عن ممثلي الحركة ذلك التلازم بين مبدأ المرشح المنافس وفكرة المحلّل والدوبلير، وكأنه قد استقرّ في أعماق الوعي أن أي مرشّح أو منافس في البيئة السياسية الراهنة لن يكون أكثر من عنصر إثارة درامية في عرض معروفة نهايته قبل أن يبدأ، وأن المسألة برمتها ليست أكثر من مشاركةٍ شكليةٍ لإسباغ أهميةٍ على أشياء بلا أهمية، وهو ما يجعل صورة المحلّل أو الدوبلير ترتسم في الفضاء المصري، معبّرة عن جوهر المسألة.
على أن الاقتراب من الكلام عن هذه الفكرة، أو هذه المفارقة الساخرة في السياسة المصرية، لا يمرّ من دون أن يجد صاحبه نفسه متهمًا بالعدمية والتشاؤم وغلق الطريق على أية محاولة لتحريك الراكد وإيقاظ الراقد، فيشهرون في وجهك السؤال المكرّر منذ سنوات: عندك بديل؟
الشاهد أن هذا السؤال بات من أدوات الابتزاز السياسي لا أكثر، من دون أن يكون لدى سائليه القدرة على امتلاك بديلٍ أولًا، وإقناعك به ثانيًا، وكأن القصة كلها صارت اجترارًا لأحاديث مستنسخة في مواقف معادة من دون أي تجديد.
عندك بديل؟ يطرحونه ليس بدافع الحصول على بدائل حقيقية ومحترمة، وإنما من أجل فرض بدائل سيئة وكارثية، سواء عند السلطة أو المعارضة، فالسلطة، مثلًا، تمضي في كل سياسات الاستدانة والتخريب الاقتصادي السفيه، وإذا ما اعترض أحدٌ يكون الرد ما هو بديلك؟ وبالتالي، عليك أن تسكت تمامًا على الارتهان الكامل لصندوق النقد الدولي والتعويم المتواصل للعملة وبيع الشركات الوطنية والموانئ وحتى الهوية الوطنية، والحجّة إنقاذ الوطن والمواطن.
لو انتقدت الزحف الرسمي في أزقّة التطبيع مع الكيان الصهيوني، يشهرون السؤال في وجهك: هل لديك البديل؟ تفضل اذهب وحارب إذا كنت تمتلك القدرة على مواجهة الاحتلال ونحن في انتظار عودتك بالنصر؟
في السلطة، كما في المعارضة، يستخدم سؤال: عندك البديل وسيلة إرهاب وإسكات، فالأمر يشبه أن شخصا سقط في بيارة للصرف الصحي، ويعافر لكي ينجو بنفسه من روائحها الكريهة، وعفنها المنتشر، طالبا العون للخروج، فيردون عليه: لماذا تريد الخروج، هل لديك بديل أفضل؟
الأمر ، كما قلت سابقًا، يدعو إلى الأسى على هذه الحالة من الاتحاد مع المستنقع، بثقافته وقيمه ورؤيته للحياة، يستوي في ذلك المتعايشون معه، وأولئك الذين ينشطون في ترويج سلعة البدائل الأكثر رداءة، والأبعد عن التحقّق في الواقع، وكأنهم توافقوا مع المعسكر الأول على تجميد هذا الوضع أطول فترة ممكنة، واقتلاع فكرة البديل من تربتها الأصلية، في الداخل، ونقلها إلى العرض فقط، في فاترينات الخارج.