من يحمي الصحافيين في أوكرانيا؟
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عن اتخاذ تدابير طارئة جديدة لحماية الصحافيين في أوكرانيا، جراء ارتفاع عدد القتلى نتيجة احتدام المعارك على الأرض، وعن دعم نقابات الصحافيين، كي يتسنّى لها القيام بعملها، فضلا عن حماية حرية تدفق المعلومات بشأن مجريات الحرب. وأكدت المنظمة أنها "بصدد تقديم دفعة أولى من 125 حزمة من معدات الحماية الشخصية، بالإضافة إلى تدريب الصحافيين على كيفية التصرّف في البيئات العدائية". وقالت المديرة العامة لـ"اليونيسكو"، أودري أزولاي، "لا يمرّ يوم إلا ويضع فيه الصحافيون والعاملون في مجال الإعلام أرواحهم على أكفّهم"، معلنة التزام المنظمة، بالتعاون مع شركائها الدوليين، بعملية دعم الصحافيين وحمايتهم.
قُتل الصحافي الأميركي برينت رينو، وبعده المصوّر الفرنسي الأيرلندي، بيار زارزفسكي، والصحافية الأوكرانية، أولكسندرا كوفيشتنوفا، وأصيب نحو 35، مع ارتفاع وتيرة الحرب وأشكالها المدمرة، الأمر الذي أعاد طرح إشكالية دور الميديا وموقعها في الأزمات الدولية، لا سيما مع أشكال مختلفة من الحرب، لا تنفع معها الإجراءات الوقائية، من نوع الخوذ المضادّة للرصاص التي توزعها منظمة "مراسلون بلا حدود"، ولا تجدي أيضا مساعدة اتحادات الصحافيين الأوكرانيين النازحين. ويقدّر عدد المنضوين في تلك الاتحادات بنحو أربعة آلاف، إلى جانب ألفين في وسائل الإعلام المستقلة في أوكرانيا.
التمييز بين البروباغندا والمعلومة يمكن ملاحظته في الحرب الجارية، لأنها على حدود البلدان الديمقراطية، لكن المبادئ تصير ضعيفة في متابعة الجهود التي تُبذل دوليا لوقف الحرب
ماذا عن الصحافيين الأجانب؟ ليس حضور الصحافيين في النزاعات المسلّحة جديدا، فقد عرفت ساحات الحرب أقلام صحافيين كبار ومصوّرين لم تحمهم الخوذ الوقائية في أفغانستان والعراق وسورية وفي الأزمات الأفريقية، ومثلهم كثيرون من صحافيي الحرب الميدانيين. كأن الحرب الأوكرانية، بأسلحتها الجديدة، مختلفة عن مناطق النزاعات الأخرى، وتختلف في العلاقات التنسيقية، وفي حقل الاتصالات وآليات العمل التقليدية المتعارف عليها في الأزمات الحربية. تمثل هذه الحرب اختباراتٍ تنطوي على مخاطر في المدن خطيرة جدا، تفترض نوعا من وسائل الحماية المختلفة، وتغدو معها الاحتياطات غير ذات فعالية، سيما مع مخاطر الحرب الداخلية في المدن، والتي قد تتبع اثنيات مختلفة. ويجد الصحافيون أنفسهم في مواجهة الأخطار، وبعيدين عن عائلاتهم ومعرّضين للقتل وللخطف ولأشكال مختلفة من العنف.
تحظى الحرب الأوكرانية بتغطية الميديا العالمية، كما الحروب الحديثة، كالحرب في الكويت وفي أفغانستان وفي العراق وسورية، وتشهد تزايدا في عدد الصحافيين الميدانيين والأكثر حضورا على مسرح الأحداث، وهي معارك عسكرية واقتصادية وقانونية وسياسية. ولا يمكن التمييز فيها بين إعلاميْن، محلي ودولي. وهذا يستجيب لإعادة تعريف الأسس التي تقوم عليها العلاقة بين الميديا والعناصر الأخرى خلال الأزمة، حتى المبادئ لا تعود ثنائية. والتمييز بين البروباغندا والمعلومة يمكن ملاحظته في الحرب الجارية، لأنها على حدود البلدان الديمقراطية، لكن المبادئ تصير ضعيفة في متابعة الجهود التي تُبذل دوليا لوقف الحرب التي قد تستمر طويلا، ويرتفع معها عدد الضحايا من الصحافيين. ويؤكد قرار مجلس الأمن 1738 (ديسمبر/ كانون الأول 2006) على حماية الصحافيين خلال الأزمات المسلحة وحماية المجتمعات المدنية. ويفترض هذا القرار الدولي تضافر الجهود خلال الأزمة لإقرار الاستقلال في العمل الصحافي وتحييده عن الأفرقاء المتقاتلين، لكن مجلس الأمن، وهو أعلى سلطة أممية قانونية، يعاني من انقسامات داخلية تضع كل الممرّات الآمنة نفسها عرضةً للنيران الصديقة!
دخلت عناصر عديدة أدّت إلى تحولات في عمل الصحافة، وأدّت إلى التغيير في طبيعة الصحافي العملياتي، ومن تحول الموديل الحربي للصحافي إلى ميدان المواجهة المباشرة على الإنترنت، وتحول الصحافي نفسه إلى أزمة موازية، سيما مع شبكات التواصل الاجتماعي التي جعلت الصحافي قريبا جدا من الموت، ومن كل عناصر الأزمة بين روسيا الاتحادية والغرب. وعزّز هذا الأمر، من جهة، المرجعيات اللامركزية والهامشية مع إصرارالجانب الروسي على التعامل مع الإعلام بمعيار مرجعية الدولة المركزية. وينسحب الأمر نفسه على الأسباب التقنية والنقاش المعارض الذي يقوم على حل مبدأ الرقابة.
خشية من الدفع باتجاه غياب الميديا عن أرض النزاعات، بسبب غياب الحماية التجريبية في أوضاع صعبة
من الصعب الطلب من الإعلام الروسي أن يقدّم نظرات متعارضة مع الدولة الوطنية التي ينتمي إليها، من دون أن تفقد الأخيرة أهميتها المفهومية وأدبياتها التقليدية. وبالتأكيد، تخضع العلاقة بين عمل الميديا في الحرب الأوكرانية والأجزاء الأخرى لتأثير المواصفات الميدانية وطبيعة الأزمة التصعيدية. والثابت أن هذه الحرب الكلاسيكية تختزن، في وجهها الأفقي، عناصر غير متوازية وأكثر تعقيدا من نوع المدّة التي قد تطول. والشك في نيات الرئيس الروسي، وهو قد أعلن أنه لن يخرج من أوكرانيا خاسرا، ما يعني أن المغامرة ستكون دموية، وتنتفي معها قواعد حماية الصحافيين، ولا تعدّ محترمة ولا في موقع الأولوية، وغيرمغطّاة من المؤسسات القانونية الدولية. وهذا هو الوجه المظلم من تعقيدات الأزمة الأوكرانية، خصوصا مع مواجهات جماعات متشدّدة داخل المدن قد تجسّد نماذج مختلفة من الحرب.
هناك خشية من الدفع باتجاه غياب الميديا عن أرض النزاعات، بسبب غياب الحماية التجريبية في أوضاع صعبة، يجد فيها الصحافيون صعوبة التعامل مع الوهم السياسي الذي يتعرّض بدوره للعنف، فيصبح اللاعبون على الأرض من دون مرجعية حقوقية في عالمٍ يعيش نهاية السياسة، أو تحول السياسة إلى استعراض عسكري، والبديل هو العنف نفسه، الأمر الذي تصبح معه تغطية الأحداث التي تجتاح العالم بلا قيمة في ظل مجتمع دولي يشهد تذبذباتٍ وتزايدا هائلا من الأزمات، فيفقد الخطاب الإعلامي (ميشيل فوكو) العنصر الشفاف أو المحايد الذي يكتسب في السياسة طابعا سلميا. وتمثل أوكرانيا أحد المواقع المشتعلة التي تمارس فيها الحرب سلطتها الرهيبة في أنظمة العنف والسيطرة، ونوعا من الغربة التي بدل أن تقصّ حكاية التاريخ والإنسان، تصنعها مثل المدن المدمرة، كدمى متكسّرة وتتلاعب الحرب بها.
الأسباب كثيرة، إذ تتعلق بتكرار مأساة الصحافيين في البقاء على قيد الحياة، فالمعلومات التي ينقلونها لا تمنع الإحباط والكابة في الوقت المتاح لنقل ما يجري من أحداث.