موضوع عائلي
شدّني مسلسل عنوانه "موضوع عائلي"، لأني كنت أفتقد المسلسلات العائلية التي كنّا نتابعها في العصر الذهبي للدراما المصرية على وجه التحديد. وبسبب جماهيرية الدراما المصرية في كل الوطن العربي، لا عجب أن نلتفّ أمام مسلسلات عائلية ما زلنا نذكرها، مثل "أبنائي الأعزاء ... شكرا"، والذي يناقش قضية عقوق الأبناء من جانب وخطأ الأب في تربية أبنائه من جانب آخر. ولذلك شدّني هذا المسلسل الذي أعادني إلى تلك الموجة الغائبة من الدراما التلفزيونية عامة، ووجدت أنني أمام مسلسل اجتماعي وكوميدي من الدرجة الأولى.
تلتقي بنموذج الزوجة والأم البسيطة التي لا تضع المساحيق ولا تتجمّل، ولكنها بسيطة في ملبسها وزينتها، ولكنك لا تتردّد أن تصفها بالأنيقة، وهي متفانيةٌ وتعبّر عن حبها عائلتها الصغيرة والكبيرة بإعداد الطعام والوقوف الدائم في المطبخ. وذكّرني أولادي بالمناسبة بنفسي، حين ربطوا بين شخصيتها وشخصيتي، وحيث إنني كأم أرى أن حل كل المشكلات يكون بالطعام. وحين أريد أن أعبّر عن حبّي ابني الذي يمرّ بمشكلة أعدّ له وجبةً يحبّها مهما كانت مُرهقة. والحل السحري لديّ ولدى كل الأمهات، ولكل الأمراض والمشاكل النفسية التي تواجه أولادنا منذ نعومة أظفارهم وحتى يصلوا إلى سن الاستقلال (اختيار شريك الحياة) هو مغلي أوراق المريمية. أما الأم زينب فهي تقدّم مشروب الكاكاو دائما، ولا تخلو مائدة غرفة المعيشة من طبقٍ عامرٍ بالكيك المنزلي الذي دأبت أمهاتنا على إعداده بطرقٍ بسيطة، ولا زينة صناعية فوقه ترفع الضغط والسكّر، وتزيد من معدّلات الكوليسترول.
ونكتشف في هذا المسلسل علاقة ضائعة بين الأب وابنته، ونحن نعاني من صدمات مرعبة بهذا الجيل والتفكّك الأسري الذي أدّى إلى غياب القدوة والنصيحة للأبناء والبنات. وهنا يبرز دور الأب في حياة ابنته، خصوصا حتى لو ظهر هذا الأب متأخّرا، فغالبا ما يبدأ دور الأب الجدّي والحقيقي، حين تصبح الابنة في مرحلة اختيار شريك الحياة. ولأن البنت غالبا ما تبحث عن نموذج الأب في شريك حياتها، يكون دور الأب أن يوجّه ابنته إلى مسار الاختيار الصحيح والحيادي، بعيدا عن عواطفها، وإن كان هذا الأب قد اختفى من طفولة ابنته لظروفٍ خاصة مكرّرة، يتم تداولها في أعمال سينمائية وتلفزيونية كثيرة، ومنها رفض الجد العجوز الثري زواج ابنته من شاب فقير في مقتبل حياته، وإصراره على عوده ابنته إلى قصره المنيف، حتى وثمرة هذا الحب تترعرع في أحشائها. ولكن التناول الفني لشخصية الأب كان مميزا وفي وقتٍ نحن بحاجة لأعمالٍ فنية، تُبرز دور الأب العربي الأصيل المتمسّك بقيم (ومبادئ) المجتمع والأسرة التي قوامها الحب والتماسك والتضحية، وليس الأب الذي أصبحت تقدّمه أعمال فنية هابطة، ولا تمتّ بصلةٍ لما تربّينا عليه في بيوتنا. والملاحظ أن المنصّات الفضائية الخاصة قد دأبت على تغريب نموذج الأسرة العربية عموما، ولم تقدّم نموذجا حقيقيا إلا في أعمال قليلة.
وقدّم المسلسل شخصية الشاب البسيط الذي ترتبط به البنت من دون تردّد. ومثلما يحدث في معظم الزيجات التي يكتُب لها النجاح والاستمرار، فهذا زواجٌ مكلّلٌ بعلاقات وطيدة، أولها علاقة القرابة التي لم تتزعزع عواطفها أمام ميراثٍ أو ثروة، فابن العمة الشاب البسيط الذي لا زال يخطو خطواته الأولى لتكوين مستقبله، بمساعدة عائلته وتحت ظل توجيه والديه وحثهما له على حسن معاملة ابنة خاله، هو النموذج الغائب أيضا عن معظم الزيجات التي تنتهي بطلاق سريع في وقتنا الحالي، والتي تبدأ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتحت مظلة الكذب والادّعاء والتزييف، وفي غيابٍ تام لدور الأب والأم في توجيه أبنائهما وبناتهما في اختيار شريك الحياة، ولا ننسى خداع المظاهر ومحاولة التشبّث بمجتمعاتٍ واهية، لا تمثل إلا شريحة لا تُذكر من المجتمعات العربية الدائرة حاليا في ساقية تدبّر لقمة العيش وتأمين حياة آمنة وكريمة لأولادها، وسط تداعيات اقتصادية واجتماعية قاصمة.