هل الإصلاح السياسي ترف؟
تواصل معي رئيس مجلس الأعيان الأردني، فيصل الفايز، تعقيباً على مقالتي السابقة في "العربي الجديد" (13/2/2022)، وأشرت فيها إلى مقطع فيديو مصوّر يتحدث فيه عن الإصلاح السياسي بوصفه ترفاً لدى النخبة السياسية في عمّان. وفي اتصاله أكّد الفايز أن ما قاله لا يندرج في الموقف المضاد من مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ولا مشروع الإصلاح السياسي، بل من خلال استقراء الواقع في المحافظات والأولويات الحقيقية للشباب الأردني. وقد أرسل إلي فيديو النقاش كاملاً، بما يؤكد على أنّ سياق النقاش لم يكن اعتراضاً أو تحفظاً على مخرجات اللجنة.
وعلى الرغم من أنّ حديث الرئيس الفايز كان واضحاً في تفضيل الأولويات الاقتصادية، بخاصة مكافحة البطالة لدى الشباب، على القضايا السياسية، إلا أنّ اتصاله وتوضيحه مهم في سياق عدم الخلط بين ما يقوله والجبهة التي تشكّلت ضد مخرجات اللجنة، وتشكك في مشروع الإصلاح السياسي، أو تخوّف منه، أو تشك بجدّية الدولة في ذلك، ففي المحصلة، كان الرجل، وفقاً لسياق الحديث، يصف الواقع والاتجاهات العامة والشبابية فيه.
بالعودة إلى سؤال ما إذا كان الإصلاح السياسي بالفعل ترفاً، وتطالب فيه فقط النخب السياسية في عمّان، وما إذا كان الشباب الأردني في المحافظات غير معنيين به أو مكترثين به، بقدر ما هم معنيون بموضوع البطالة والحياة اليومية وتأمين أساسيات الحياة؟ الجواب مركب؛ فمن جهةٍ صحيح أنّ الغالبية العظمى من الشباب معنيون بالأوضاع الاقتصادية، وهذا ما تظهره بوضوح استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بصورة مستمرّة وقطعية، وهي ظاهرة ليست فقط في الأردن، ولا تتعلق بالشباب، فهي ظاهرة عربية، بل عالمية، وتتعلق بالأغلبية العظمى من الناس في كل العالم، المعنيين بإدارة حياتهم اليومية، وهي أمورٌ اقتصادية وخدماتية، وليست سياسية.
لكن، على الجهة المقابلة، هنالك ضرورة مزدوجة للدولة والشباب معاً في تنمية حياة سياسية وحزبية قادرة على إدماج نسبة كبيرة من الشباب في العمل العام، لأسبابٍ عديدة، منها ما يرتبط بالفجوة المقلقة بين جيل الشباب ودوائر صناعة القرار، وتصاعد الحركات الاحتجاجية الشبابية في الشارع خلال الأعوام السابقة، بعيداً عن أطر العمل السياسي العام، ومنها أنّ مشكلات اقتصادية عديدة مرتبطة بالتحوّلات المجتمعية والثقافية والاقتصادية، وهذه جميعاً تستدعي وجود نخب قيادية شبابية، تشارك في بناء الخيارات والسياسات الاقتصادية، في دوائر التشريع (مجلس النواب)، والحكومة، وحتى في الحكم المحلي المعني بتحسين شروط الخدمات والاستثمار في المحافظات.
يضاف إلى ذلك كلّه أنّ العزوف عن العمل العام والسياسي والحزبي لدى نسبة كبيرة من الشباب ظاهرة سلبية وليست إيجابية. ومن زاوية أخرى، يرتبط ذلك بعدم الشعور بجدوى هذا العمل على صعيد التغيير السياسي وتحسين شروط الحياة، لكن ذلك، في المقابل، لا ينفي أنّ هنالك تعطّشاً ملحوظاً لدى جيل الشباب للعمل السياسي والابتعاد عن مشاعر الإحباط والتهميش، لكنهم ينتظرون الفرصة المناسبة والبيئة السياسية الآمنة لذلك.
فوق هذا وذاك، من الضروري الإشارة هنا إلى أنّ عشرات آلاف من الشباب الأردني تلقوا خلال الأعوام الماضية تدريبات، ضمن أنشطة المجتمع المدني، على العمل العام والسياسي، ولديهم مهاراتٌ مرتبطة بذلك، لكنّ الملعب السياسي لم يكن جاهزاً. لذلك يجدون الخيار الأنسب لهم الشارع أو الاستنكاف عن النشاط السياسي، ومتى أتيحت فرص مناسبة وفاعلة لهم نجد أنّ هنالك طلباً جيداً، وهو أمرٌ يرتبط أيضاً بقدرة الأحزاب السياسية على تطوير قدراتهم وبرامجها وخطابها للاشتباك مع هذا الجيل، واستعداد الدولة الحاسم للانتقال إلى هذه المرحلة.
في الخلاصة، لا أحد يمتلك القدرة على إنكار أولوية الشأن الاقتصادي وأهميته، لكن النظرية التي سادت فترة طويلة أن هذه الأولوية تتعارض مع الأولوية السياسية كارثية وخطيرة، لأنّها تهمل دور الشباب وقدرتهم وإمكانية مساهمتهم الفعالة في الارتقاء بالنقاش العام، ونقل همومهم ومشكلاتهم والتعبير عن مصالحهم عبر الأطر القانونية، وفي داخل مؤسسات الدولة وليس خارجها!