واو عمرو: للتعجّب
ظهر تركي الشيخ في قناة "أم" بي سي (ذكر الأم هنا ليس شتيمة)، واضعًا نظّارة شمسية على عينيه في الاستديو، تحرّزًا من وهج الشمس، مع أنه لا شمس فيه، فكل نجومنا التي نهتدي بها، هذه الأيام في ظلمات البرّ والبحر، مصنوعة في علب الإعلام.
برز الرجل شاكي السلاح، متدرّعا بنظارة شمسية ومتخوذًا قبّعة شمسية أيضا في الليل البهيم! جالسًا على صدر الطاولة، وعلى العتبة، وهي عتبة قزاز والسلم نايلون، خمسة أشاوس مصفوفون مثل حبّات الخرز أمامه، لم أعرف منهم سوى عمرو أديب. ثمّة إعلان على قميص تركي الأسود اللون، لعله إعلان لمسرحية أو حفلة، إيذانًا بموعد زفافها.
يخطُب تركي الشيخ ويعظ عمرو أديب، وهو يشير له بسبّابته ويكاد يطعنه بها: يا عمرو أديب (لافظا الواو)، وكان عابد فهد ينادي، صائحًا قائد شرطته في مسلسل الحجاج: يا عمرو ووو، كأن الواو صدى صوته.
لقد اهتم مصريون كثيرون بفيديو عمرو أديب من لندن، فسرُّه باتع، ومصر مقبلةٌ على انتخاباتٍ مبكّرة، وقيل في التحليلات إنَّ عبد الفتاح السيسي يسابق الزمن كي يجري الانتخابات، قبل موعدها بنصف سنة، شوقًا إلى الديمقراطية وخوفًا من ثورة جياع وعطاش. الرجل يريد الإسراع بإقامة عرس انتخابي، سعيًا إلى بعض الفرح الذي تولى منذ تولى الرجل مقاليد مصر، وحقنًا للشعب بجرعة يأس، فاليأس إحدى الراحتين. وقيل إن غرضه البرّ، وخير البرّ عاجله، فهو يسعى إلى تعليم الجنيه العوم، خوفًا من سيول وعواصف مفاجئة مثل عاصفة دانيال.
إن تركي، وكان تركي اسمًا مستحبّا في عصر آفل، وبه سمّيت الأقراط "التراكي"، يدعو الفنانين والنجوم، من الهند ومن مصر ولبنان إلى البلاد المكرّمة، التي تجبى إليها ثمرات كل شيء، وقد أخفق في شراء اللاعب المصري محمد صلاح من سوق النخاسة الكروية البيضاء، فوجد أنَّ في عمرو أديب عزاء من خيبته، فخطب غير متعكّز على قوس: يا عمرو أديب، وأقولها على الملأ، أنت مجتهد، مدير، متفوّق، رائع، ناجح، شاطر (هذا ما كتبته لي معلمّتي في حاشية الجلاء المدرسي، عندما كنت تلميذًا في الصف الخامس). ثم تابع: لكن جزءًا من نجاحك وجزءًا من تاريخك صناعة سعودية... فوافق عمرو أديب، وقال: أغلب عمري "بشتغل" في محطّات سعودية.
تابع قاضي التحقيق مع المتهم البريء الجالس جلسة التشهّد في صلاة الكسيح، من غير أن يضع على كتفه سجادة: كم اشتغلت في أوربت؟
- 15 سنة. - وهي البدايات، صح؟. – نعم. - واللّي عرفت الناس فيك؟. - بالزبط. - بعدها فترة " GAP" (فجوة أو ثغرة، وأصلها عربي هو قاب) نتيجة بيع أوربت، ونتيجة الأحداث في مصر، وأنت داخل السنة الخامسة؟. – بالزبط. - أنت صناعة سعودية، جزء من الصناعة السعودية يا عمرو اللي نفتخر فيها ونعتز فيها ونحبّها. - وأنا لي الفخر إني بشتغل مع ... . - وأكيد رح تغطّي أشياء تهمّنا.
وكان سبق لعمرو أديب أن ظهر في فيديو ثوري من لندن، انتشر في مصر انتشار الكباري في قاهرتها، كأنه الخميني الذي قاد ثورة من باريس ضد الشاه، ولكن من غير لحية.
قرأت عن الفيديو كثيرًا، حتى استغنيت عنه، ووقع في ظنّي أنه توطئة لانقلابٍ من لندن، حتى أن ناشطًا مصريًا اسمه هيثم خليفة حُبس بسبب التعليق عليه. لا يجوز التعليق النقدي على عمرو أديب، ولا تعليق الغسيل على كابلات التوتر العالي، ولا الواطي.
سرُّ عمرو أديب باتع، فيديوهاته تحبس الناس كأنها منشوراتٌ سرّية، وظنَّ بعضهم أنه يقفز من الحنطور، وبعضهم كاد أن ينصّبه بطلًا ويغفر له كل ذنوبه. ونذكر أنَّ ذنوبه من أيام حسني مبارك غُفرت كلها، وهو يبكي ويقدّم مرافعة متينة وبليغة عن الذلِّ أيام مبارك فعزَّ. وظنَّ كاتب السطور أنه يقدّم مرافعته الثانية، انتبه نابهون إلى أنه يلعب نمرة جديدة حتى يقدّم معلمه مسرحية الانتخابات أمام الكاميرات التي يصفها المصريون بالليلة.
ما زلنا نخلط بين واو عمروٍ ودال زيد الذي ضرب عمْراً ذات مرّة على قفاه، فذهب به علم النحو مثلا، لكن من الجليِّ أن ثمّة حفلة ترفيه طويلة تموج مثل السراب.