رئيس خسرته سورية
أبو باسل قائـــــدنا يا بـــو الجبيــن العالي/ تسلم وتصون بلدنا من غدرات الليالي
وأصبحت القنواتُ التلفزيونية الأرضية والفضائية، والإذاعات التي تعمل على الموجات المتوسطة والقصيرة، تبث هذه الأغنيةَ آناء الليل وأطراف النهار. وقرر أساطينُ الإعلام السوري الأشاوسُ تمديد فترات الاحتفالات بالأعياد الوطنية، لكي يُتاح لهم بث الأغنية مرات عديدة، حتى يحفظها أفراد الرعية جيداً... فحرب تشرين الأول (أكتوبر) التحريرية؛ ومع أنها أدّت إلى تخلي نظام الأسد عن أراض جديدة لإسرائيل، غير التي أهداهم إياها حافظ الأسد سنة 1967! إلا أنها حررتْ (إرادة) القتال لدى جنودنا البواسل! وحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر! لهذا، أصبح الاحتفال بذكراها السنوية يبدأ في أواخر شهر سبتمبر/أيلول، ولا ينتهي حتى أواخر أكتوبر! وذكرى الحركة التصحيحية المجيدة التي فجّرها القائد الملهم، حافظ الأسد، أصبح الاحتفال بذكراها يمتد من أواخر أكتوبر وحتى الأسبوع الأول من ديسمبر!
هذا، ولم يقعد المرشح الرئاسي باسل الأسد، إبان هذه السنوات، مكتوف اليدين، بل إنه أجرى كل التحضيرات اللازمة لتحويله إلى قائد تاريخي مُلْهَم؛ فتسلم عدة ملفات سياسية، داخلية وخارجية، ونظم بطولة للفروسية وفاز بالميدالية الذهبية أوتوماتيكياً! ثم ضغط عليه هاجس التقى والورع، فذهب إلى الديار المقدسة، وتصَدَّرَتْ صورتُه، وهو بثياب العُمْرَة، واجهات المكاتب الحكومية، جنباً إلى جنب مع صور والده. وكانت صورته وهو يمتطي الحصان تقول بلسان حاله:
يدعون باسلَ والرماح كأنها/ أشطانُ بئر في لبان الأدهمِ
وإمعاناً من هذا الرفيق المناضل في العداء للاستعمار والإمبريالية والصهيونية العالمية، فقد سَكِرَ، في أحد أيام شتاء 1994، وركب سيارته الفارهة، وشرع يقودها بسرعة 280 كيلومتر في الساعة، فتدهورت به، وجعلته يستشهد على طريق دمشق الدولي، ومعه ابن خاله حافظ مخلوف الذي سلمه الله لنا ليكون من أكبر أعداء المؤامرة التي حيكت على النظام الممانع في مطلع سنة 2011.
حزنت الرعية السورية على رئيسها المستقبلي حزناً بالغاً، وأقيمت له مجالس العزاء، في طول البلاد وعرضها، وارتدى الوزراء وأعضاء مجلس الشعب وأعضاء القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي والمديرون العامون وأمناء فروع الحزب والمحافظون، الكرافات السوداء، وجلسوا في سرادق العزاء مطرقين، يصغون إلى تلاوة القرآن ويستقبلون المُعَزّين، ويعصرون وجوههم حتى يصلوا إلى حافة البكاء. وبعد ذلك، انطلقوا، كلٌّ إلى ميدان عمله، ليرتكبوا أكبر مجزرة بحق اللافتات والآرمات عبر التاريخ، فمدرسة أبي العلاء المعري صار اسمها مدرسة الشهيد باسل الأسد، وكذلك الحال بالنسبة لمعهد المتنبي، وصالة الخنساء، وشارع ابن رشد، وملعب أبي الفداء، وساحة هنانو، ومنتدى صالح العلي، وحَمَّام الزنكي، وليوان جرير، ومسبح الأعشى... ولقد همس أحد السوريين في أذن صديق له، يثق به ثقة تامة، بأن من يأتي إلى سورية في الفترة التي أعقبت استشهاد باسل الأسد، ويرى إلى هذا الكم من المنشآت والصروح العلمية والأدبية الحضارية التي تسمى باسمه، يستحيل أن يصدق أنه قتل في حادث سيارة أرعن، بل سيجزم بأنه، مثل جورج واشنطن، أو مصطفى كمال أتاتورك، وسوف يقول لنفسه:
- مؤكد أن هذا الفارس قد طرد المستعمرين من بلاده، ووَحَّدَها، ووضعها في سياق سيوصلها، خلال زمن قصير، إلى مصاف الدول المتقدمة!