27 أكتوبر 2024
في قراءة الدور التركي: صراع نيات؟
منذ بداية الحراك العربي، وتنوّع المواقف السياسية والعسكرية لما يُسمّى المجتمع الدولي، بشقيّه الإقليمي والأوسع، بدأت اصطفافات الرأي العام والخاص، وتمايز الكُتّاب والمُحلّلون، بانتقاء الحليف وتحديد العدو، حاسمين قاطعين في هذا الحقل، من دون أية نسبية، إلا لماماً. وتنوّعت المواقف وتناقضت من حالٍ إلى حال. فمن يؤيّد دور دولة ما في بلد ما، سرعان ما ينسى تأييده ويعود لينتقد دور البلد نفسه في بلد آخر. وهذا عموماً من طبع النزاعات والصراعات التي تحدد الاستقطابات، آخذة المنطق والمعقول رهينة للمشاعر والأحاسيس.
وفي الحالة السورية، بما تحمله من تسمياتٍ لم يتم الاتفاق عليها بعد، كل الدول، في المنطقة وخارجها، عدا ربما جزر القمر، نالت حصّتها من تحميل المسؤولية وتحليل الدور وتعظيم التأثير وترهيب الأثر. وقد كان لتركيا حصة الأسد في مسرح التحليلات العاطفية والإيديولوجية، بعيداً إلا فيما ندر، عن القراءة الهادئة والتعمّق المطلوب في ممارسة هذا النوع من المساهمة الفكرية، ولو المقتضبة، في تكوين تراكم معرفي.
فمن جهة، يرى كثيرون في الدور التركي الدور المُنقذ من الدمار والحامي من الغزاة والمُخلّص من العذاب الجاري على قدم وساق في بلدهم الجريح. وتتطوّر الكلمات والتعبيرات الإعجابية، بعيداً عن أية مسافة أمان، أو رؤية نقدية أو تحليل موضوعي. وبعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعية الحاملة جرعات عاطفية شتّى، يجدر التمعّن بحمولة المقالات الصحفية، الإخباري منها أو التحليلي، والتي تُعالج موقف الدول، وتركيا من بينها، من منظور المعادلة الصفرية العزيزة على بعض المحللين : أبيض أو أسود، معي أو ضدي، صديقي أو عدوي.
تُكتَب المعلّقات حول أخلاقية القادة الأتراك ونزاهتهم، ومدى ثقافتهم الواسعة والمُتَبحّرة في شؤون الهند والسند. ويجري تقديم إنجازاتهم في حقل الاقتصاد، كما في السياسة، وكأنها إعجازات القرن العشرين. وتستعرض الأقلام بعضاً من الحدوتات اليومية لتدعيم الحجج بالوقائع والأحداث. فنرى، تارة، مبالغةً هائلة في التعامل الإنساني مع اللاجئين السوريين، بعيداً عن لغة الأرقام، أو حتى مراجعة القوانين الناظمة. ويغلب على من يتناول الدور التركي بهذا الأسلوب التعاطف مع الإيديولوجية الدينية التي يظنّون أنها تقود العملية السياسية في الداخل التركي، كما في الخارج المهم استراتيجياً لتركيا. وتصل الأمور إلى تقديم الدور التركي، وكأنه أداءٌ لجمعية خيرية تُعني بالشأن الإنساني. وفي المحصلة، عبر هذه الممارسة التمجيدية ومن خلال هذه المبالغة غير المحسوبة، يُسيء "أصدقاء" السياسة التركية إلى السياسة نفسها، ويحمّلونها ما لا تحتمل، وما لا تريد أن تحتمل. ومن الحب ما قتل، أو أساء على أقل تقدير.
من جهة أخرى، يرى كثيرون آخرون، ومن الطرف المقابل، الشيطان الرجيم في السياسة
التركية، ويعزون كل مآسي الشرق والغرب إلى السياسة التركية، و"الأطماع" الأردوغانية، لاستعادة أمجاد امبراطورية بني عثمان. كما يتوسّعون في نقد السياسات الداخلية التركية، بناءً على موقفهم الديني أو الإثني أو العقائدي، من دون الأخذ بالاعتبارات العوامل المتداخلة والمتنوعة التي تحكم وتؤثّر بمثل هذه السياسات. وهم لا يجعلون فرصةً واحدةً تمرّ يتم فيها انتهاك ما لحقٍ ما لإنسانٍ ما، في تركيا طبعاً، ليقفزوا على جياد التحليل، ويطلقون لها العنان في تفسير الأمر، وكأنه مرتبط بمخططٍ يعود إلى زمنٍ غابرٍ، يقوم رعاة أنقرة بتنفيذه الآن بحق شعبهم وشعوب الأرض قاطبة. وتراهم يصيرون فجأة أكراداً مُنتهكي الحقوق في تركيا، ولو كانوا في مقلب آخر، متعصبين عروبياً وداعمين أنظمةً أقامت المذابح ولم تقعدها بحق الأكراد. وتجدهم أصبحوا معتنقين قضية المذبحة الأرمنية، وسابحين في بحرها، ليقتنصوا من قادة تركيا الجدد كل المسؤولية، ولو كانوا قد ساهموا، أو هم قد مالأوا أنظمة وحكومات عاملت قضية التنوع الاثني والديني بأسوأ ما يمكن له أن يكون. وفي المحصلة، يسدي أعداء تركيا المبتعدين عن موضوعية نقد السياسات وتحليل الاستراتيجيات، أيما خدمة، لأصحاب هذه السياسات، ومعتنقي هذه الاستراتيجيات. فمن البديهي أن يُدافع العاقل عمن يُهاجم بهذه الخفة الفكرية والضحالة التحليلية.
لا هؤلاء ولا أولئك راجعوا قليلاً موقفهم وتحليلاتهم، ليحاولوا، ولو قليلاً، الوقوف عند الموقف التركي لتحليل أبعاده ومعطياته ومنظورات تطوره وأسبابه ونتائجه. وبما أن الدور التركي هام للغاية، ويحوز على هذا القدر من التوبيخ أو الممالأة، صار حرياً بالمراكز البحثية العربية الجادة، وهي قليلة للأسف، أن تقوم بدراسة معمّقة، بعيداً عن العواطف والإنشاء، معتمدة على خبرات موجودة سورياً وعربياً ودولياً في الشأن التركي.
مرة أخرى، على من يريد الخوض في المسألة، أن يبتعد عن المشاعر الذاتية، وعن لغة "الوجبات السريعة" التي تفرضها صفحات "فيسبوك" أو عُجالات "تويتر". يحتاج الدور التركي، في جوانبه الإيجابية وجوانبه السلبية، قراءة مختلفة وغير متأثرة بالمواقف الرنانة والعبارات الطنانة. وهذا، بالتحديد، ما تنتجه مراكز الأبحاث التركية على تنوع ميولها السياسية وتبعياتها الفكرية. من المفيد إذاً ترجمتها إلى العربية، لعلّ في ذلك تحريضاً ذهنياً على إنتاج مماثل. وما يصحّ على الدور التركي يمكن أن يُعمّم على أدوار أخرى ولدول أخرى في الإقليم وخارجه.
وفي الحالة السورية، بما تحمله من تسمياتٍ لم يتم الاتفاق عليها بعد، كل الدول، في المنطقة وخارجها، عدا ربما جزر القمر، نالت حصّتها من تحميل المسؤولية وتحليل الدور وتعظيم التأثير وترهيب الأثر. وقد كان لتركيا حصة الأسد في مسرح التحليلات العاطفية والإيديولوجية، بعيداً إلا فيما ندر، عن القراءة الهادئة والتعمّق المطلوب في ممارسة هذا النوع من المساهمة الفكرية، ولو المقتضبة، في تكوين تراكم معرفي.
فمن جهة، يرى كثيرون في الدور التركي الدور المُنقذ من الدمار والحامي من الغزاة والمُخلّص من العذاب الجاري على قدم وساق في بلدهم الجريح. وتتطوّر الكلمات والتعبيرات الإعجابية، بعيداً عن أية مسافة أمان، أو رؤية نقدية أو تحليل موضوعي. وبعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعية الحاملة جرعات عاطفية شتّى، يجدر التمعّن بحمولة المقالات الصحفية، الإخباري منها أو التحليلي، والتي تُعالج موقف الدول، وتركيا من بينها، من منظور المعادلة الصفرية العزيزة على بعض المحللين : أبيض أو أسود، معي أو ضدي، صديقي أو عدوي.
تُكتَب المعلّقات حول أخلاقية القادة الأتراك ونزاهتهم، ومدى ثقافتهم الواسعة والمُتَبحّرة في شؤون الهند والسند. ويجري تقديم إنجازاتهم في حقل الاقتصاد، كما في السياسة، وكأنها إعجازات القرن العشرين. وتستعرض الأقلام بعضاً من الحدوتات اليومية لتدعيم الحجج بالوقائع والأحداث. فنرى، تارة، مبالغةً هائلة في التعامل الإنساني مع اللاجئين السوريين، بعيداً عن لغة الأرقام، أو حتى مراجعة القوانين الناظمة. ويغلب على من يتناول الدور التركي بهذا الأسلوب التعاطف مع الإيديولوجية الدينية التي يظنّون أنها تقود العملية السياسية في الداخل التركي، كما في الخارج المهم استراتيجياً لتركيا. وتصل الأمور إلى تقديم الدور التركي، وكأنه أداءٌ لجمعية خيرية تُعني بالشأن الإنساني. وفي المحصلة، عبر هذه الممارسة التمجيدية ومن خلال هذه المبالغة غير المحسوبة، يُسيء "أصدقاء" السياسة التركية إلى السياسة نفسها، ويحمّلونها ما لا تحتمل، وما لا تريد أن تحتمل. ومن الحب ما قتل، أو أساء على أقل تقدير.
من جهة أخرى، يرى كثيرون آخرون، ومن الطرف المقابل، الشيطان الرجيم في السياسة
لا هؤلاء ولا أولئك راجعوا قليلاً موقفهم وتحليلاتهم، ليحاولوا، ولو قليلاً، الوقوف عند الموقف التركي لتحليل أبعاده ومعطياته ومنظورات تطوره وأسبابه ونتائجه. وبما أن الدور التركي هام للغاية، ويحوز على هذا القدر من التوبيخ أو الممالأة، صار حرياً بالمراكز البحثية العربية الجادة، وهي قليلة للأسف، أن تقوم بدراسة معمّقة، بعيداً عن العواطف والإنشاء، معتمدة على خبرات موجودة سورياً وعربياً ودولياً في الشأن التركي.
مرة أخرى، على من يريد الخوض في المسألة، أن يبتعد عن المشاعر الذاتية، وعن لغة "الوجبات السريعة" التي تفرضها صفحات "فيسبوك" أو عُجالات "تويتر". يحتاج الدور التركي، في جوانبه الإيجابية وجوانبه السلبية، قراءة مختلفة وغير متأثرة بالمواقف الرنانة والعبارات الطنانة. وهذا، بالتحديد، ما تنتجه مراكز الأبحاث التركية على تنوع ميولها السياسية وتبعياتها الفكرية. من المفيد إذاً ترجمتها إلى العربية، لعلّ في ذلك تحريضاً ذهنياً على إنتاج مماثل. وما يصحّ على الدور التركي يمكن أن يُعمّم على أدوار أخرى ولدول أخرى في الإقليم وخارجه.