03 يوليو 2019
دم النمر ودماء آكلي القطط
لا مسوّغات مقنعة يمكنها أن تُفنّد، وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، انتقادات تلقتها السعودية، لتنفيذها حكم الإعدام بحق 47 شخصاً من مواطنيها دفعة واحدة. وقد يصعب على المدافعين عن الفعل الذي جاء إعلانه مفاجئاً ومدوياً أن يزعموا خلوَّه من مضامين سياسية ترتبط بانتماء المحكومين إلى قوى مذهبية متطرفة في المعسكرين، السني والشيعي، كما قد يصعب، أيضاً، على المشككين بوجود شبهات كهذه، أن يدينوها، من دون أن يجدوا من يلفت انتباههم إلى أن رد الفعل الإيراني بدا كأنه يفسر غامضها، أو يبرّرها، على غير ما أراد أصحابه.
يختلف صوت ألمانيا، أو كندا، مثلاً، حيال هذه المسألة، عن صوت إيران. الأولى والثانية، ومعهما دول أخرى، انتقدت وندّدت انطلاقاً من موقف مبدئي يناهض عقوبة الإعدام، كانت لها خلفيات سياسية، أو لم تكن، بل حتى لو كان المحكومون من منفذي ما تسميها الهجمات الإرهابية، بينما الأخيرة تعرب بصراحة عن مباركة كل أعمال الموت في المنطقة، طالما أنها تقع على الأغيار الذين لا يصطفون إلى جانبها.
فمن ضمن قائمة ضحايا القصاص التي أعلنتها الرياض، تجاهلت طهران 46 اسماً، وانشغلت وحلفاؤها وقادة مليشياتها في المنطقة، من نوري المالكي إلى حسن نصر الله، بترديد اسم واحد فقط؛ نمر باقر النمر، رجل الدين الشيعي الذي اشتهر بمناهضة نظام الحكم السعودي، والذي تقول سيرته الذاتية، في أحد أهم فصولها، إنه غادر بلدته العوامية في محافظة القطيف، منذ مطلع شبابه، ليدرس العلوم الشرعية في حوزة قمّ الإيرانية، وأقام هناك نحو عشر سنوات، ثم رحل عنها ليقيم سنوات أخرى في دمشق، قبل أن يعود إلى بلاده.
لم يكن في وسع الجمهورية الإسلامية، بالطبع، أن تتصرّف على غرار الدول المتحضرة، فتدين أحكام الإعدام، من حيث المبدأ، لأن سجلها الراهن يزخر بمئات القصص المأساوية عن نصب المشانق لعرب الأحواز، في الساحات العامة، تنفيذاً لأحكام قضائية صورية. ولم يكن في وسعها، وهي الدولة الدينية الثانية في العالم، بعد إسرائيل، أن تكتفي بالحداد، وإقامة "اللطميات" حزناً على الشيخ النمر، لأن قيادتها الطامحة إلى توسيع نفوذها الإقليمي ما انفكت تقتفي خُطا الحركة الصهيونية في تحويل الدين، بل المذهب الديني، إلى قومية، تتيح لها التحكم بحشود الشيعة في دول الجوار العربي، لاستخدامهم وقوداً في مشروع الهيمنة الفارسية على أوطانهم، بكل ما يفرضه من حروب أهلية، وسفك دماء.
لذلك، بدا الصراخ المتعالي في إيران مؤشراً فورياً على شدة الوجع الذي أصابها بإعدام ربيب حوزتها الدينية، ثم جاء رجع الصدى ندباً ونواحاً ووعيداً بالانتقام في بعض العراق وبعض لبنان، ليعكس ما كان يُراد للنمر أن يكونه في بعض السعودية، على ضوء خُطَب قديمة له، قيل إنه هدّد فيها بانفصال المنطقة الشرقية عن المملكة، ما لم ينل أبناؤها الشيعة حقوقهم.
ومع تصاعد رد الفعل إلى حد الاعتداء على الهيئات الدبلوماسية السعودية، صار واضحاً أننا أمام جنون قومي فارسي، يلتحف بعباءة الإسلام ويعتمر عمامة الشيعة، فيجرؤ مرشده الأعلى، علي خامنئي، على إطلاق الوعيد بما سماه "الانتقام الإلهي الذي سيطاول الساسة السعوديين لإراقتهم دم شهيد مظلوم من دون وجه حق"، بحسب قوله، ولكأن الله عز وجل يُرضيه، مثلاً، إرسال إيران خبراء وعصابات الموت للمشاركة بقتل مئات ألوف البشر في سورية والعراق، أو لكأن دم نمر النمر أقدس عند خالقه من دماء أطفال مدينة مضايا ونسائها وشيوخها، وقد تدفقت، أخيراً، صور موتهم تحت وطأة جوع مفروض عليهم ببنادق الولي الفقيه، واضطروا بسببه إلى أكل لحم القطط والكلاب، دونما جدوى.
تُرى؛ إذا لم تكن تلك هي الفاشية الدينية، فماذا يمكن أن تكون؟
يختلف صوت ألمانيا، أو كندا، مثلاً، حيال هذه المسألة، عن صوت إيران. الأولى والثانية، ومعهما دول أخرى، انتقدت وندّدت انطلاقاً من موقف مبدئي يناهض عقوبة الإعدام، كانت لها خلفيات سياسية، أو لم تكن، بل حتى لو كان المحكومون من منفذي ما تسميها الهجمات الإرهابية، بينما الأخيرة تعرب بصراحة عن مباركة كل أعمال الموت في المنطقة، طالما أنها تقع على الأغيار الذين لا يصطفون إلى جانبها.
فمن ضمن قائمة ضحايا القصاص التي أعلنتها الرياض، تجاهلت طهران 46 اسماً، وانشغلت وحلفاؤها وقادة مليشياتها في المنطقة، من نوري المالكي إلى حسن نصر الله، بترديد اسم واحد فقط؛ نمر باقر النمر، رجل الدين الشيعي الذي اشتهر بمناهضة نظام الحكم السعودي، والذي تقول سيرته الذاتية، في أحد أهم فصولها، إنه غادر بلدته العوامية في محافظة القطيف، منذ مطلع شبابه، ليدرس العلوم الشرعية في حوزة قمّ الإيرانية، وأقام هناك نحو عشر سنوات، ثم رحل عنها ليقيم سنوات أخرى في دمشق، قبل أن يعود إلى بلاده.
لم يكن في وسع الجمهورية الإسلامية، بالطبع، أن تتصرّف على غرار الدول المتحضرة، فتدين أحكام الإعدام، من حيث المبدأ، لأن سجلها الراهن يزخر بمئات القصص المأساوية عن نصب المشانق لعرب الأحواز، في الساحات العامة، تنفيذاً لأحكام قضائية صورية. ولم يكن في وسعها، وهي الدولة الدينية الثانية في العالم، بعد إسرائيل، أن تكتفي بالحداد، وإقامة "اللطميات" حزناً على الشيخ النمر، لأن قيادتها الطامحة إلى توسيع نفوذها الإقليمي ما انفكت تقتفي خُطا الحركة الصهيونية في تحويل الدين، بل المذهب الديني، إلى قومية، تتيح لها التحكم بحشود الشيعة في دول الجوار العربي، لاستخدامهم وقوداً في مشروع الهيمنة الفارسية على أوطانهم، بكل ما يفرضه من حروب أهلية، وسفك دماء.
لذلك، بدا الصراخ المتعالي في إيران مؤشراً فورياً على شدة الوجع الذي أصابها بإعدام ربيب حوزتها الدينية، ثم جاء رجع الصدى ندباً ونواحاً ووعيداً بالانتقام في بعض العراق وبعض لبنان، ليعكس ما كان يُراد للنمر أن يكونه في بعض السعودية، على ضوء خُطَب قديمة له، قيل إنه هدّد فيها بانفصال المنطقة الشرقية عن المملكة، ما لم ينل أبناؤها الشيعة حقوقهم.
ومع تصاعد رد الفعل إلى حد الاعتداء على الهيئات الدبلوماسية السعودية، صار واضحاً أننا أمام جنون قومي فارسي، يلتحف بعباءة الإسلام ويعتمر عمامة الشيعة، فيجرؤ مرشده الأعلى، علي خامنئي، على إطلاق الوعيد بما سماه "الانتقام الإلهي الذي سيطاول الساسة السعوديين لإراقتهم دم شهيد مظلوم من دون وجه حق"، بحسب قوله، ولكأن الله عز وجل يُرضيه، مثلاً، إرسال إيران خبراء وعصابات الموت للمشاركة بقتل مئات ألوف البشر في سورية والعراق، أو لكأن دم نمر النمر أقدس عند خالقه من دماء أطفال مدينة مضايا ونسائها وشيوخها، وقد تدفقت، أخيراً، صور موتهم تحت وطأة جوع مفروض عليهم ببنادق الولي الفقيه، واضطروا بسببه إلى أكل لحم القطط والكلاب، دونما جدوى.
تُرى؛ إذا لم تكن تلك هي الفاشية الدينية، فماذا يمكن أن تكون؟