06 نوفمبر 2024
فستان الزفاف الأبيض
حلم كل فتاة أن ترتديه، وإلى جوارها فارس الأحلام في ليلة العمر. ومهما تعدّدت مواصفاته وبلغت جودته وتكلفته، إلا أنه يبقى، بلونه الأبيض الذي تصرّ عليه كل مقبلةٍ على الزواج، مهما كانت الظروف، وحتى لو أدى عدم الحصول عليه والظفر به إلى عدم إتمام الزواج، فالصورة المعلقة في واجهة البيوت المتحرّرة، والتي تجمع بين العروسين، حيث ترتدي العروس فستان زفافها الأبيض، فيما يتأبط العريس ذراعها ببذلته السوداء، وربطة عنقه الحمراء، واجهة اجتماعية، تؤكّد على أن أهل هذا البيت ما زالوا يرفلون بسعادة ووفاء، تعاهدا عليهما، ويستمدانهما من هذه الصورة. أما البيوت المتحفظة قليلاً، فهي تعلق هذه الصورة في غرفة نوم الوالدين، ولا تتوقف حكايات الأم، على الرغم من مرور السنين عن ثوب زفافها الأبيض، فلموديله حكاية، واختياره حكاية أخرى، وثمنه الغالي بالنسبة لمهرها حكاية فريدة متفرّدة، خصوصاً أنه قد التهم الجزء الأكبر من مهرها.
أصل اختيار اللون الأبيض لفستان الزفاف، كما تفيد المراجع التاريخية، يرجع إلى الملكة فيكتوريا التي تزوجت من ألبيرت في العام 1840، لكي تستطيع أن تبرز فوق القماش الأبيض التطريزات والحجارة الكريمة التي تملكها، وأصبح هذا اللون هو خيار كثيراتٍ، اقتداء بالملكة فيكتوريا. وهكذا يتضح أن تاريخ هذا الفستان قد بدأ بحب المباهاة والظهور والاستعراض لدى حواء، والذي استمر.
لي ذكرى ليست طيبةً مع ثوب زفافي، حيث لم يكن يسمح للفتيات بحرية الاختيار في تسعينيات القرن الماضي، بدءاً بشريك الحياة. وحين قصدت محلاً لشراء ثوب الزفاف، كانت معي أمي وأم الشريك. وقع اختياري على ثوبٍ غريب التصميم، واستهجنت المرأتان ذوقي، واختارتا لي ثوباً تقليدياً من الأثواب التي ترتديها عرائس ذلك الزمن فرضخت. وبعد عام، أصبح الثوب الأبيض الذي أعجبني هو الموضة الدارجة، وبدأت المرأتان تبديان إعجابهما بتصميمه، كلما رأين عروساً جديدةً ترتدي مثله، وبقيت حسرتي في قلبي، وتأكّدت مما قرأته أن اختيار ثوب الزفاف قديماً كان يعني ارتباط العائلتين. ويعبر ثوب العروس عن عائلتها، خصوصاً إذا ما كانت من الأسر النبيلة في العصور الوسطى.
انتهى موسم حفلات الزواج هذا الصيف، وانتهت المآسي التي حدثت في ليلة الزفاف، والتي ارتبط أكثرها بفستان الزفاف، مثل الزوج الإماراتي الذي طلق عروسه بعد أن اكتشف أنها اقترضت باسمه مبلغاً كبيراً لشراء ثوب زفافٍ فاخر. أما الأمور الجميلة المرتبطة به، والتي قد تضخ دماءً جديدة في شرايين الحياة الزوجية الراكدة، فهو ما تفعله خبيرة العلاقات الزوجية، سامانثا بيرنز، حيث ترتدي فستان زفافها في ذكرى زواجها السنوية، مرجعةً ذلك لعدة أسباب، منها استرجاع قيمته المالية واستعادة الرومانسية. أما اللاجئ السوري الذي أنقذ عروساً كندية، في ليلة زفافها، حيث أصلح "السوستة" (السحاب)، حيث كادت أن تنهار، لولا تدخله، وقد كان خياطاً في حلب، ويحمل أدوات الخياطة معه أينما حلّ.
وثمة سيدة تركية قرّرت أن تحتفل بطلاقها بإقامة حفلٍ كبير، وارتداء ثوب زفافٍ أبيض، وكأنها تشير إلى أن هناك متسعاً لحياة جديدة، وأن الطلاق ليس نهاية المطاف. هكذا ينتهي الموسم الأكثر زخماً، فيما لم تقرّر إحداهن أن تتخلى عن ثوب الزفاف الأبيض الذي لن تنتفع به سوى ساعات قليلة، ثم تغيبه خزانتها، فيبهت لونه، ويعلوه الغبار، فالعالمة ماري كوري الحائزة نوبل في الفيزياء هي المرأة الاستثناء التي تخلت عن ثوب الزفاف، حين تزوجت بزميلها، وطلبت من شقيقتها أن تهديها فستاناً عملياً، يصلح للعمل في معملها، وليخلدها التاريخ الذي لم يخلد اسم امرأة اعتنت بثوب الزفاف الأبيض، ضاربةً بعرض الحائط كل المعايير والمشاعر، وإن كانت المرأة المستقبلية التي ستتخلى عنه، وتعتمد الزي الوطني لبلادها، مثلاً في يوم زفافها، مثل الثوب الفلاحي الفلسطيني، امرأة سيخلدها التاريخ.