05 نوفمبر 2024
الإسلاميون والديمقراطية
يعود الجدل اليوم بين النخب المثقفة والسياسية في مجتمعات ودول عربية عديدة عن الإسلاميين والديمقراطية، مع عودة المواسم الانتخابية في المغرب والأردن، ويتجاور هذا السجال مع مناظرات أخرى تتعلق بالدولة المدنية والدين والدولة والمناهج الدراسية.
في الفترات السابقة، بخاصة قبل ثورات الربيع العربي، توزعت الآراء والمواقف على زاويتين أو منظورين مختلفين؛ الأول الذي تبناه بعض العلمانيين عبر طرح مدى إيمان الإسلاميين بالديمقراطية، وتشعبت وتباينت الإجابات على ذلك بين اتجاهٍ يدعو إلى إعطائهم فرصةً، وآخر مشكك في مدى إيمانهم الحقيقي العميق بذلك. وتمثلت الزاوية الثانية في انقسام الإسلاميين أنفسهم بين من يرى أنّ الديمقراطية يمكن أن تكون مساراً حقيقياً للتغيير ومن يرى أنها مجرد لعبةٍ، لا يسمح فيها للإسلاميين بتحقيق مكاسب سياسية جوهرية، وفي أروقة السجال الإسلامي الداخلي من يقبل بالديمقراطية بوصفها نظاماً نهائياً للحكم، ومن يريدها فقط سلماً للوصول إلى السلطة، ومن يحاول التوفيق بين الديمقراطية والقيم الدينية عبر معادلةٍ تأخذ الآليات الديمقراطية، وتتخير من قيمها ما يوافق الشريعة الإسلامية.
لكن تجارب الربيع العربي التي أدت إلى وصول إسلاميين إلى الحكم، واختبار إيمانهم الديمقراطي، ووضع الفرضيات السابقة على المحكّ العملي، سواء في التجربة التي حدث انقلاب عليها، كما هي حالة الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، و"الإخوان" في الحكم، أو التي ما يزال الإسلاميون يصارعون فيها لحماية المسار الديمقراطي، كما الحال في المغرب وتونس، مثل هذه التجارب أحدثت زاوية أخرى للنظر، تتجاوز الزاويتين السابقتين إلى طرح السؤال، بما يتجاوز الإسلاميين أنفسهم، ورؤيتهم للديمقراطية إلى الأطراف والقوى السياسية والفكرية كافّة؛ فيما إذا كان هنالك إدراك حقيقي وعميق لبنية مفهوم الديمقراطية، ومضامينه وحيثياته المتعددة، بما يتجاوز سطح السجال السياسي والتراشق الإعلامي والتكيف الأيديولوجي الشكلي.
في الأعوام الخمسة الماضية، التي أعقبت أحداث الربيع العربي 2011، حدثت تطورات وتحولات هائلة في المجتمع العربي، تجلت عبر الانقسامات الداخلية الطولية والعرضية، على أساس طائفي وأيديولوجي وديني وعرقي، وصراعات داخلية مسلّحة، أعطت أهميةً عظمى للديمقراطية، وأثبتت أنّه لا بديل عنها للشعوب والمجتمعات العربية، بوصفها الأداة الوحيدة الكفيلة بضمان السلم الأهلي، وحماية التنوع المجتمعي، واحترام قيم التعددية، ليس على الصعيد الأيديولوجي فحسب، بل على الأصعدة الدينية والثقافية والسياسية والطائفية والعرقية، فهي الخيار الوحيد أداة سلمية لتداول السلطة.
انتهى عصر الاستبداد العربي بصورته السابقة، ولم تعد الدولة القطرية السلطوية التي تأسست في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونمت ديناميكياتها مع الحرب الباردة، واكتسبت سماتها الأساسية في تلك الحقبة التاريخية، قادرة على الاستمرار والبقاء، وتجاوزت الشعوب آليات الخضوع التي فرضتها الأنظمة السابقة التي تقوم على أسس ثورية واهية وتاريخية مفبركة، إذ فشلت تلك "الأنظمة" فشلاً عظيماً.
في ضوء ذلك كله، أصبحنا جميعاً، الشعوب والمجتمعات والنخب والحكومات، أمام مسارين لا ثالث لهما؛ الأول هو الراهن الانقسام والانشطار والحروب الداخلية والأزمات الطاحنة، الذي لن يؤدي إلا إلى ما هو أسوأ. الثاني هو حصرياً الديمقراطي الذي يعيد تشكيل وعي المجتمعات لإدراك عميق لمعنى الديمقراطية والبدائل الخطيرة لها، في حال قرّر أي طرف اجتماعي، أو أيديولوجي، أو طائفي، فرض إرادته على الآخرين، عبر الإقصاء أو الإهانة أو النفي خارج قواعد اللعبة السياسية.
الديمقراطية كخيار تاريخي استراتيجي، وليس فقط كلعبة سياسية، وهي كثقافة حاضنة للتعدّدية والتنوع، وليس فقط كقرار سياسي، بمعنى أنّها عقد مجتمعي ثقافي أخلاقي بين الجميع، يحتاج إلى تطوير وإنضاج داخلي، فهي ليست وصفةً جاهزة مستوردة.
كيف يمكن أن تكون الديمقراطية مظلة الإسلامي والعلماني، المسلم والمسيحي، العربي والكردي، السني والشيعي، أي بمعنى أنها عقد مجتمعي جديد، يؤسس لحقبة جديدة، ويتأسس عليه العقد الاجتماعي العربي الجديد الذي يمثل القاعدة الصلبة للعقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة، فهل يمكن أن نعيد صوغ رهاناتنا العربية على هذا الأساس، وخصوصاً النخب السياسية التي أعطتها الأعوام الخمسة الماضية درساً تاريخياً مريراً مؤلماً بمعنى الديمقراطية وفحواها الحقيقي والبدائل الكارثية لها؟
في الفترات السابقة، بخاصة قبل ثورات الربيع العربي، توزعت الآراء والمواقف على زاويتين أو منظورين مختلفين؛ الأول الذي تبناه بعض العلمانيين عبر طرح مدى إيمان الإسلاميين بالديمقراطية، وتشعبت وتباينت الإجابات على ذلك بين اتجاهٍ يدعو إلى إعطائهم فرصةً، وآخر مشكك في مدى إيمانهم الحقيقي العميق بذلك. وتمثلت الزاوية الثانية في انقسام الإسلاميين أنفسهم بين من يرى أنّ الديمقراطية يمكن أن تكون مساراً حقيقياً للتغيير ومن يرى أنها مجرد لعبةٍ، لا يسمح فيها للإسلاميين بتحقيق مكاسب سياسية جوهرية، وفي أروقة السجال الإسلامي الداخلي من يقبل بالديمقراطية بوصفها نظاماً نهائياً للحكم، ومن يريدها فقط سلماً للوصول إلى السلطة، ومن يحاول التوفيق بين الديمقراطية والقيم الدينية عبر معادلةٍ تأخذ الآليات الديمقراطية، وتتخير من قيمها ما يوافق الشريعة الإسلامية.
لكن تجارب الربيع العربي التي أدت إلى وصول إسلاميين إلى الحكم، واختبار إيمانهم الديمقراطي، ووضع الفرضيات السابقة على المحكّ العملي، سواء في التجربة التي حدث انقلاب عليها، كما هي حالة الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، و"الإخوان" في الحكم، أو التي ما يزال الإسلاميون يصارعون فيها لحماية المسار الديمقراطي، كما الحال في المغرب وتونس، مثل هذه التجارب أحدثت زاوية أخرى للنظر، تتجاوز الزاويتين السابقتين إلى طرح السؤال، بما يتجاوز الإسلاميين أنفسهم، ورؤيتهم للديمقراطية إلى الأطراف والقوى السياسية والفكرية كافّة؛ فيما إذا كان هنالك إدراك حقيقي وعميق لبنية مفهوم الديمقراطية، ومضامينه وحيثياته المتعددة، بما يتجاوز سطح السجال السياسي والتراشق الإعلامي والتكيف الأيديولوجي الشكلي.
في الأعوام الخمسة الماضية، التي أعقبت أحداث الربيع العربي 2011، حدثت تطورات وتحولات هائلة في المجتمع العربي، تجلت عبر الانقسامات الداخلية الطولية والعرضية، على أساس طائفي وأيديولوجي وديني وعرقي، وصراعات داخلية مسلّحة، أعطت أهميةً عظمى للديمقراطية، وأثبتت أنّه لا بديل عنها للشعوب والمجتمعات العربية، بوصفها الأداة الوحيدة الكفيلة بضمان السلم الأهلي، وحماية التنوع المجتمعي، واحترام قيم التعددية، ليس على الصعيد الأيديولوجي فحسب، بل على الأصعدة الدينية والثقافية والسياسية والطائفية والعرقية، فهي الخيار الوحيد أداة سلمية لتداول السلطة.
انتهى عصر الاستبداد العربي بصورته السابقة، ولم تعد الدولة القطرية السلطوية التي تأسست في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ونمت ديناميكياتها مع الحرب الباردة، واكتسبت سماتها الأساسية في تلك الحقبة التاريخية، قادرة على الاستمرار والبقاء، وتجاوزت الشعوب آليات الخضوع التي فرضتها الأنظمة السابقة التي تقوم على أسس ثورية واهية وتاريخية مفبركة، إذ فشلت تلك "الأنظمة" فشلاً عظيماً.
في ضوء ذلك كله، أصبحنا جميعاً، الشعوب والمجتمعات والنخب والحكومات، أمام مسارين لا ثالث لهما؛ الأول هو الراهن الانقسام والانشطار والحروب الداخلية والأزمات الطاحنة، الذي لن يؤدي إلا إلى ما هو أسوأ. الثاني هو حصرياً الديمقراطي الذي يعيد تشكيل وعي المجتمعات لإدراك عميق لمعنى الديمقراطية والبدائل الخطيرة لها، في حال قرّر أي طرف اجتماعي، أو أيديولوجي، أو طائفي، فرض إرادته على الآخرين، عبر الإقصاء أو الإهانة أو النفي خارج قواعد اللعبة السياسية.
الديمقراطية كخيار تاريخي استراتيجي، وليس فقط كلعبة سياسية، وهي كثقافة حاضنة للتعدّدية والتنوع، وليس فقط كقرار سياسي، بمعنى أنّها عقد مجتمعي ثقافي أخلاقي بين الجميع، يحتاج إلى تطوير وإنضاج داخلي، فهي ليست وصفةً جاهزة مستوردة.
كيف يمكن أن تكون الديمقراطية مظلة الإسلامي والعلماني، المسلم والمسيحي، العربي والكردي، السني والشيعي، أي بمعنى أنها عقد مجتمعي جديد، يؤسس لحقبة جديدة، ويتأسس عليه العقد الاجتماعي العربي الجديد الذي يمثل القاعدة الصلبة للعقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة، فهل يمكن أن نعيد صوغ رهاناتنا العربية على هذا الأساس، وخصوصاً النخب السياسية التي أعطتها الأعوام الخمسة الماضية درساً تاريخياً مريراً مؤلماً بمعنى الديمقراطية وفحواها الحقيقي والبدائل الكارثية لها؟