10 نوفمبر 2024
أحداث الكرك صافرة نهاية أم انطلاق؟
انتهت المواجهات مع خليةٍ موالية لتنظيم داعش في مدينة الكرك، في جنوب الأردن، التي شغلت الرأي العام، في الأسبوع الماضي، وأدت إلى سقوط شهداء ومصابين، ومقتل خمسة أشخاصٍ من الخلية، ثم تلت ذلك اعتقالات بالجملة، لعشرات المؤيدين والمتعاطفين مع التنظيم في محافظات عديدة في المملكة.
ثمّة مشاعر غاضبة ومحتقنة من المزاج العام مما اعتُبر مستوىً ضعيفاً في إدارة الأزمة من الجهات الرسمية، لكن المشاعر الأكثر عمقاً، وربما بتعبيرٍ أدق الهواجس، تكمن في السؤال: ما إذا كان ما حدث في الكرك نهاية المواجهة مع "خلايا" التنظيم في الأردن، أم مجرد صافرة انطلاق لها؟
يقف وراء هذه الهواجس أكثر من عامل، في مقدمتها أنها المواجهات الثانية، تقريباً، خلال الشهور الأخيرة، بعد مواجهات إربد، مع خلية موالية لـ "داعش"، أسفرت عن شهداء ومصابين من قوات الأمن أيضاً، واستمرت ساعات. وما يعزّز تلك الهواجس الشعبية أّنّها المرة الأولى التي يتبنى فيها تنظيم داعش عملية تقع في داخل الأراضي الأردنية، رسمياً، عبر وكالة أنباء أعماق، وكان قد تبنى عملية الركبان على الحدود الشرقية- الشمالية، وكانت ضد الجيش الأردني، في نقطة حدودية، لكنها اعتُبرت عمليةً خارجية وليست داخلية، أما عمليتا إربد (مارس/ آذار 2016)، والهجوم على مكتب لجهاز المخابرات في مخيم البقعة (يونيو/ حزيران 2016) فلم يعلن التنظيم مسؤوليته عنهما، على الرغم من أنّ المؤشرات كافّة تؤكد أنّ المنفذين موالون للتنظيم، من خلايا و"ذئابٍ منفردة".
بالنتيجة، إعلان التنظيم مسؤوليته عن عملية داخلية، فيه رسالة عن مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع الدولة، ما يعني أنّ التيار الداعشي في الأردن أصبح محفّزاً للانضمام إلى خطوط المواجهة، بعد ما حدث في الكرك، وهو التيار الذي كان يكتفي سابقاً بالتعاطف والتأييد لعمليات التنظيم، والتأثر الأيديولوجي به، وكان أعضاؤه يفكرون بالسفر إلى الخارج للانضمام إلى التنظيم والقتال في صفوفه، أصبح اليوم أبناؤه مطالبين من التنظيم، بصورة أكبر مما سبق، بالتحرّك والعمل، فساحة المواجهة أصبحت في الداخل مع النظام الأردني.
خطورة تبني التنظيم أحداث الكرك أنّه بمثابة المحفّز لمؤيديه الآخرين إلى القيام بعمليات شبيهة، خصوصاً أنّهم بالفعل أصبحوا في حالة "حرب" مع الدولة، بعد الاعتقالات الأخيرة للعشرات منهم، والقضايا المنظورة أمام محكمة أمن الدولة، ومئات السجناء ومئات المقاتلين مع التنظيم في الخارج، فهؤلاء المؤيدون أصبحوا في وضعية الاستنفار، فإذا لم يتمكّنوا من السفر للالتحاق بالتنظيم والقتال إلى جانبه، فسيسعون إلى القيام بعملٍ ما في الداخل.
حسناً، يخوض الأردن معركةً أمنيةً مع السلفية الجهادية، ثم تنظيم القاعدة، منذ ربع قرن تقرييباً، فما الجديد؟
الجديد أنّ "داعش" أكثر شراسة وعنفاً، وقائمة أهدافه أوسع، فهو لا يكتفي بتكفير الجيش والمخابرات ورجال الأمن والعاملين في القضاء، بل ويعتبر كل واحد منهم هدفاً مشروعاً، كما هي حال السياح والديبلوماسيين، ولا يمكن لأي جهاز أمني توفير الحماية الكاملة لمثل هذه القائمة من الأهداف.
الأخطر من كل ما سبق أنّ حجم التيار شهد طفرة كبيرة، ويضم جيلاً جديداً من الشباب، وآلاف المتعاطفين، ما يجعل من عملية المراقبة لهم جميعاً أشبه بالمستحيلة، ما يفسّر أن من قاموا بعمليات الكرك وإربد والبقعة كانوا معروفين ومراقبين من الأجهزة الأمنية، لكننا نتحدّث عن آلاف، وعن تطورٍ في قدراتهم على التحايل على الأجهزة الأمنية، وعن قائمة أهداف واسعة.
المؤشر الأخير المقلق يتمثل في أنّ هنالك مجتمعاً جهادياً بدأ يتشكل بصورةٍ ملحوظة، لا يقتصر على الرجال، فأحداث الكرك تؤشر على علاقات النسب والمصاهرة، وحضور المرأة، والأطفال في المستقبل سيكون وارداً كما حدث في السعودية، وفي حالة الطبييات الداعشيات السودانيات، وفي مجتمعات أخرى.
لا يهدف ما سبق من مؤشرات إلى تخويف المواطنين الأردنيين، بل إلى محاولة إيقاظ المسؤولين لإعادة تقييم المقاربة الأمنية من جهة، وبناء المقاربة المدنية المطلوبة لمواجهة حالةٍ مجتمعيةٍ جديدة، من جهة ثانية، بعدما أثبتت الأحداث أن الداعشية الأردنية تحدٍ جديد مختلف في طبيعته وانتشاره عما سبق.
ثمّة مشاعر غاضبة ومحتقنة من المزاج العام مما اعتُبر مستوىً ضعيفاً في إدارة الأزمة من الجهات الرسمية، لكن المشاعر الأكثر عمقاً، وربما بتعبيرٍ أدق الهواجس، تكمن في السؤال: ما إذا كان ما حدث في الكرك نهاية المواجهة مع "خلايا" التنظيم في الأردن، أم مجرد صافرة انطلاق لها؟
يقف وراء هذه الهواجس أكثر من عامل، في مقدمتها أنها المواجهات الثانية، تقريباً، خلال الشهور الأخيرة، بعد مواجهات إربد، مع خلية موالية لـ "داعش"، أسفرت عن شهداء ومصابين من قوات الأمن أيضاً، واستمرت ساعات. وما يعزّز تلك الهواجس الشعبية أّنّها المرة الأولى التي يتبنى فيها تنظيم داعش عملية تقع في داخل الأراضي الأردنية، رسمياً، عبر وكالة أنباء أعماق، وكان قد تبنى عملية الركبان على الحدود الشرقية- الشمالية، وكانت ضد الجيش الأردني، في نقطة حدودية، لكنها اعتُبرت عمليةً خارجية وليست داخلية، أما عمليتا إربد (مارس/ آذار 2016)، والهجوم على مكتب لجهاز المخابرات في مخيم البقعة (يونيو/ حزيران 2016) فلم يعلن التنظيم مسؤوليته عنهما، على الرغم من أنّ المؤشرات كافّة تؤكد أنّ المنفذين موالون للتنظيم، من خلايا و"ذئابٍ منفردة".
بالنتيجة، إعلان التنظيم مسؤوليته عن عملية داخلية، فيه رسالة عن مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع الدولة، ما يعني أنّ التيار الداعشي في الأردن أصبح محفّزاً للانضمام إلى خطوط المواجهة، بعد ما حدث في الكرك، وهو التيار الذي كان يكتفي سابقاً بالتعاطف والتأييد لعمليات التنظيم، والتأثر الأيديولوجي به، وكان أعضاؤه يفكرون بالسفر إلى الخارج للانضمام إلى التنظيم والقتال في صفوفه، أصبح اليوم أبناؤه مطالبين من التنظيم، بصورة أكبر مما سبق، بالتحرّك والعمل، فساحة المواجهة أصبحت في الداخل مع النظام الأردني.
خطورة تبني التنظيم أحداث الكرك أنّه بمثابة المحفّز لمؤيديه الآخرين إلى القيام بعمليات شبيهة، خصوصاً أنّهم بالفعل أصبحوا في حالة "حرب" مع الدولة، بعد الاعتقالات الأخيرة للعشرات منهم، والقضايا المنظورة أمام محكمة أمن الدولة، ومئات السجناء ومئات المقاتلين مع التنظيم في الخارج، فهؤلاء المؤيدون أصبحوا في وضعية الاستنفار، فإذا لم يتمكّنوا من السفر للالتحاق بالتنظيم والقتال إلى جانبه، فسيسعون إلى القيام بعملٍ ما في الداخل.
حسناً، يخوض الأردن معركةً أمنيةً مع السلفية الجهادية، ثم تنظيم القاعدة، منذ ربع قرن تقرييباً، فما الجديد؟
الجديد أنّ "داعش" أكثر شراسة وعنفاً، وقائمة أهدافه أوسع، فهو لا يكتفي بتكفير الجيش والمخابرات ورجال الأمن والعاملين في القضاء، بل ويعتبر كل واحد منهم هدفاً مشروعاً، كما هي حال السياح والديبلوماسيين، ولا يمكن لأي جهاز أمني توفير الحماية الكاملة لمثل هذه القائمة من الأهداف.
الأخطر من كل ما سبق أنّ حجم التيار شهد طفرة كبيرة، ويضم جيلاً جديداً من الشباب، وآلاف المتعاطفين، ما يجعل من عملية المراقبة لهم جميعاً أشبه بالمستحيلة، ما يفسّر أن من قاموا بعمليات الكرك وإربد والبقعة كانوا معروفين ومراقبين من الأجهزة الأمنية، لكننا نتحدّث عن آلاف، وعن تطورٍ في قدراتهم على التحايل على الأجهزة الأمنية، وعن قائمة أهداف واسعة.
المؤشر الأخير المقلق يتمثل في أنّ هنالك مجتمعاً جهادياً بدأ يتشكل بصورةٍ ملحوظة، لا يقتصر على الرجال، فأحداث الكرك تؤشر على علاقات النسب والمصاهرة، وحضور المرأة، والأطفال في المستقبل سيكون وارداً كما حدث في السعودية، وفي حالة الطبييات الداعشيات السودانيات، وفي مجتمعات أخرى.
لا يهدف ما سبق من مؤشرات إلى تخويف المواطنين الأردنيين، بل إلى محاولة إيقاظ المسؤولين لإعادة تقييم المقاربة الأمنية من جهة، وبناء المقاربة المدنية المطلوبة لمواجهة حالةٍ مجتمعيةٍ جديدة، من جهة ثانية، بعدما أثبتت الأحداث أن الداعشية الأردنية تحدٍ جديد مختلف في طبيعته وانتشاره عما سبق.