19 أكتوبر 2019
فرنسا... ضرورة تدعيم قدرات الجيش
في سابقةٍ من نوعها، نشر قائد أركان الجيش الفرنسي، الجنرال بيار دو فيليي، مقالة في يومية "لاتريبيون" (20 ديسمبر/ كانون الأول 2016) مقالةً بعنوان "مجهود الحرب هو ثمن السلام". على الرغم من ارتياحه لميزانية الجيش الفرنسي الحالي (مقدّرة بـ 32.68 مليار يورو لعام 2017 أي 2.77% من إجمالي الناتج المحلي)، إلا أنه يطالب برفعها إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي (أكثر من 40 مليار يورو) قبل نهاية العهدة الرئاسية المقبلة (أبريل/ نيسان 2022). ويرى "أن هذا المجهود الذي يتوافق والالتزام الدولي لفرنسا حيال شركائها في الحل الأطلسي لا يمكن، لا تخفيفه، ولا تأجيله، على الرغم من تعقد معادلة الميزانية الدولتية المرتقبة".
يرمي هذا المجهود المطلوب، حسب قائد أركان الجيش الفرنسي، إلى تحقيق ثلاثة أهداف متكاملة، لتدعيم القوات الفرنسية وزيادة فعاليتها. أولها استرجاع القدرات السابقة للجيش الفرنسي التي توجب التخلي عن عنفها مؤقتاً، لأسباب تخص الميزانية، في وقت كان فيه الوضع الأمني مختلفاً. ثانيها التوفيق بين العقود العملياتية وحقيقة القدرات (من رجال، وعتاد، ودعم لوجستي وذخيرة...) التي تستخدم في العمليات. لا تستجيب هذه العقود لمقتضيات الالتزام الحقيقي والحالي للقوات الفرنسية. ولم يعد هذا الوضع محتملاً في سياق التدهور الأمني المستدام. ثالثها ضمان المصداقية الضرورية للردع النووي (الفرنسي) من خلال تحديث مكوّنيه البحري والجوي. انسجام المنظومة الدفاعية الفرنسية مرهون بذلك، في وقت تتسلح فيه دول كثيرة. ولتحقيق هذا الهدف، يتعين بذل المجهود العسكري الضروري، خلال الخمس عشرة سنة المقبلة، وأي تأجيل لهذا القرار يعني عدولاً حقيقاً.
واستباقاً لأي حجة مالية - اقتصادية ضد ما ذهب إليه، يذكر قائد الأركان أن تطوير قدرات الجيش تعود بالفائدة على البلاد، ذلك أن كل يورو يستثمر في الدفاع يمثل اثنين أورو عائدات بالنسبة للاقتصادي الفرنسي (تشغيل، بحث وتنمية، التصدير...)، فضلاً عن استفادة الصناعة الفرنسية من البحث التكنولوجي العسكري - المدني، موضحاً أن وجود قاعدة صناعية متينة ودائمة، يسمح لفرنسا بالحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية.
ويبرّر الجنرال بيار دوفيليي ضرورة رفع الميزانية العسكرية بالقول، إنه "مع "قطيعة" سنتي
2015 و2016 انتقلنا من عصرٍ إلى آخر، يتعين فيه العمل مجدّداً من أجل السلام، لأن ربح الحرب لم يعد يكفي لربح السلام، وذلك بسبب عدم الاستقرار والوضع الأمني. ويرى أن الجيش الفرنسي يواجه بحزم "ظاهرة الإرهاب الإسلاموي الراديكالي الذي حوَّل العنف إلى نظام. ويرى أن العدو الذي يحاربه الجيش الفرنسي مختلفٌ عن النماذج الكلاسيكية. لكن، يجب ألا يحجب هذا "التهديد الأقرب والحقيقي" الرؤية عن تحولات القوة الدولية، فعلى مشارف أوروبا، في آسيا وفي الشرقين الأدنى والأوسط، هناك مزيد من الدول التي تنفذ استراتيجيات تقوم على علاقة القوة، بل وحتى على الأمر الواقع، وتتسلح.
وفي تحليله لوضع الجيش الفرنسي في السياق الحالي، يقول بيار دو فيليي، إن الجيش الفرنسي الذي يؤدي المهام المنوطة به لحماية البلاد، وأداء مسؤوليته الدولية، وللتكيّف مع التداخل بين الأمنين، الداخلي والخارجي، يوجد تحت ضغطٍ كبيرٍ بسبب تسارع وتيرة الالتزامات (الدولية)، وتعدّد الأزمات، ما يجعله تحت توتر كبير يستنزفه. وعليه، فهو يرى أن أي هوة بين التهديدات من جهة والمهمات والوسائل من جهة ثانية ستضر بالمنظومة الدفاعية للبلاد، مضيفاً أن "الجميع فهم أننا لا نربح حرباً من دون مجهود حرب".
إذن، ما العمل، خصوصاً أن ضغط الوقت كبير، ورهان الميزانية ما زال قائماً؟ يقول الجنرال، إن المسألة في غاية من الوضوح: يجب الحفاظ على قدرات الجيش الفرنسي، حتى يبقى قادراً على حماية البلاد ومواطنيها ضد مختلف التهديدات، محذّراً من أن "الوقت يلعب ضد متانة النموذج (العسكري الفرنسي). ويرى أن 2017 يجب أن تكون سنة الشروع في عملية مراجعة استراتيجية شاملة، على أساسها يتم التصويت (في البرلمان) على قانون برمجة عسكرية جديد والتحضير لميزانية عسكرية لعام 2018، تكون متينةً ومتماسكةً، وخطوة نحو الصعود القوي الضروري للمنظومة الدفاعية للبلاد.
أثارت هذه المقالة ردود فعل كثيرة في فرنسا، مساندة، في أغلبيتها، إن لم تكن كلها، ما ذهب
إليه قائد أركان الجيش. ففي وقتٍ دانت فيها المعارضة عموماً محدودية الغلاف الإضافي المالي الذي خصصته الحكومة للجيش، لمواجهة الإرهاب في الخارج وفي الداخل، أكدت الأخيرة أهمية المخصصات المالية التي خصت بها القوات المسلحة في السنوات الثلاث الأخيرة. لكن، على الرغم من التراشق السياسي بين المعارضة والحكومة، فإن الجميع يتفق على ضرورة زيادة ميزانية الدفاع تدريجياً في السنوات المقبلة للمحافظة على قدرات الجيش الفرنسي وتدعيمها، حتى يؤدي المهام المكلف بها خارج البلاد وداخلها.
من الواضح أن الإرهاب حاز على نصيب الأسد في ردود فعل الطبقة السياسية، بينما ركّز قائد أركان الجيش الفرنسي، في مقالته، على نوعين من التهديدات: غير الدولتية المصدر وفي مقدمها الإرهاب؛ والدولتية التقليدية (التي تمثلها الدول). وهو بذلك يشاطر، ضمناً، الأوساط العسكرية الغربية تخوفها من العودة العسكرية لروسيا على الساحة الدولية، ومن تنامي القوة العسكرية الصينية، ومن الإنفاق العسكري المتزايد لبعض القوى الإقليمية. للتذكير، تطالب الولايات المتحدة، منذ سنوات، حلفاءها الأوروبيين برفع ميزانياتهم العسكرية، بعد تخفيضها بشكل كبير عقب نهاية الحرب الباردة.
يرمي هذا المجهود المطلوب، حسب قائد أركان الجيش الفرنسي، إلى تحقيق ثلاثة أهداف متكاملة، لتدعيم القوات الفرنسية وزيادة فعاليتها. أولها استرجاع القدرات السابقة للجيش الفرنسي التي توجب التخلي عن عنفها مؤقتاً، لأسباب تخص الميزانية، في وقت كان فيه الوضع الأمني مختلفاً. ثانيها التوفيق بين العقود العملياتية وحقيقة القدرات (من رجال، وعتاد، ودعم لوجستي وذخيرة...) التي تستخدم في العمليات. لا تستجيب هذه العقود لمقتضيات الالتزام الحقيقي والحالي للقوات الفرنسية. ولم يعد هذا الوضع محتملاً في سياق التدهور الأمني المستدام. ثالثها ضمان المصداقية الضرورية للردع النووي (الفرنسي) من خلال تحديث مكوّنيه البحري والجوي. انسجام المنظومة الدفاعية الفرنسية مرهون بذلك، في وقت تتسلح فيه دول كثيرة. ولتحقيق هذا الهدف، يتعين بذل المجهود العسكري الضروري، خلال الخمس عشرة سنة المقبلة، وأي تأجيل لهذا القرار يعني عدولاً حقيقاً.
واستباقاً لأي حجة مالية - اقتصادية ضد ما ذهب إليه، يذكر قائد الأركان أن تطوير قدرات الجيش تعود بالفائدة على البلاد، ذلك أن كل يورو يستثمر في الدفاع يمثل اثنين أورو عائدات بالنسبة للاقتصادي الفرنسي (تشغيل، بحث وتنمية، التصدير...)، فضلاً عن استفادة الصناعة الفرنسية من البحث التكنولوجي العسكري - المدني، موضحاً أن وجود قاعدة صناعية متينة ودائمة، يسمح لفرنسا بالحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية.
ويبرّر الجنرال بيار دوفيليي ضرورة رفع الميزانية العسكرية بالقول، إنه "مع "قطيعة" سنتي
وفي تحليله لوضع الجيش الفرنسي في السياق الحالي، يقول بيار دو فيليي، إن الجيش الفرنسي الذي يؤدي المهام المنوطة به لحماية البلاد، وأداء مسؤوليته الدولية، وللتكيّف مع التداخل بين الأمنين، الداخلي والخارجي، يوجد تحت ضغطٍ كبيرٍ بسبب تسارع وتيرة الالتزامات (الدولية)، وتعدّد الأزمات، ما يجعله تحت توتر كبير يستنزفه. وعليه، فهو يرى أن أي هوة بين التهديدات من جهة والمهمات والوسائل من جهة ثانية ستضر بالمنظومة الدفاعية للبلاد، مضيفاً أن "الجميع فهم أننا لا نربح حرباً من دون مجهود حرب".
إذن، ما العمل، خصوصاً أن ضغط الوقت كبير، ورهان الميزانية ما زال قائماً؟ يقول الجنرال، إن المسألة في غاية من الوضوح: يجب الحفاظ على قدرات الجيش الفرنسي، حتى يبقى قادراً على حماية البلاد ومواطنيها ضد مختلف التهديدات، محذّراً من أن "الوقت يلعب ضد متانة النموذج (العسكري الفرنسي). ويرى أن 2017 يجب أن تكون سنة الشروع في عملية مراجعة استراتيجية شاملة، على أساسها يتم التصويت (في البرلمان) على قانون برمجة عسكرية جديد والتحضير لميزانية عسكرية لعام 2018، تكون متينةً ومتماسكةً، وخطوة نحو الصعود القوي الضروري للمنظومة الدفاعية للبلاد.
أثارت هذه المقالة ردود فعل كثيرة في فرنسا، مساندة، في أغلبيتها، إن لم تكن كلها، ما ذهب
من الواضح أن الإرهاب حاز على نصيب الأسد في ردود فعل الطبقة السياسية، بينما ركّز قائد أركان الجيش الفرنسي، في مقالته، على نوعين من التهديدات: غير الدولتية المصدر وفي مقدمها الإرهاب؛ والدولتية التقليدية (التي تمثلها الدول). وهو بذلك يشاطر، ضمناً، الأوساط العسكرية الغربية تخوفها من العودة العسكرية لروسيا على الساحة الدولية، ومن تنامي القوة العسكرية الصينية، ومن الإنفاق العسكري المتزايد لبعض القوى الإقليمية. للتذكير، تطالب الولايات المتحدة، منذ سنوات، حلفاءها الأوروبيين برفع ميزانياتهم العسكرية، بعد تخفيضها بشكل كبير عقب نهاية الحرب الباردة.