03 يوليو 2019
إنصافاً للأسد
لا يقتل الرئيس السوري، بشار الأسد، قرابة نصف مليون من مواطنيه، ويشرّد نحو عشرة ملايين آخرين، فضلاً عن تدمير بلاده، في الحرب ضد الشعب المنادي بإسقاطه، منذ خمس سنوات، لكي يقبل، في الأخير، بأن يضع مصيره، ومستقبل نظام حكمه، بين أيدي نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فيتكرّم الأخير عليه بإبقائه في منصبه، أو يبيعه في سوق النخاسة الدولية.
واستدراكاً، تبدو التحالفات الدولية والإقليمية لنظام الأسد أعقد بكثير من الرؤى المسطّحة التي طالما رسمته ذيل كلبٍ اسمه بوتين، وصوّرته ألعوبة بيد الروس أو الإيرانيين، يحرّكونه، وفق ما يشاؤون، وإن اقتضت مصالحهم شطبه من المعادلة، يقولون له "هيا غادر المشهد"، فيغادر صاغراً.
لا. ليس الأمر على هذا النحو، في سورية، ولم يكن يوماً. ثمّة في هذي البلاد، وللإنصاف، طبقة سياسية حكمت نصف قرن، واستطاعت، على الرغم من جوهرها الطائفي، بل العائلي، أن تمدّ جذورها في بنى الدولة والمجتمع، وأن تسيطر على الاقتصاد، وأن تستخدم الجمل الثورية لتسوّق نفسها قيادة "مقاومة وممانعة"، وأن تحافظ، بفعل حنكة مشهودة، على هامش استقلالٍ واسعٍ نسبياً عن حلفائها الإقليميين والدوليين، خصوصاً في عهد الأسد الأب، وهي حتى وإن تغيّر حالها، أو تراجعت إمكاناتها في عهد الأسد الابن، وبعد الثورة عليه تحديداً، فإن التجربة المتكرّرة ما انفكّت تثبت، ولا تزال، قدرتها على الاستفادة من لعبة المصالح المتبادلة مع موسكو وطهران، وكثير من عواصم العرب والغرب، وصولاً إلى تل أبيب، أو بدءاً منها، بما ساعد نظام الحكم على البقاء، إلى الآن، شوكةً في حلق الشعب السوري، يصعب اقتلاعها.
وفق هذا المعنى، يمكن فهم إرسال روسيا طائراتها لحماية الأسد، بعدما أرسلت إيران حرسها الثوري، ومليشيات حزب الله، باعتبار ذلك أدلةً، لا على ارتهان الرجل لهاتين الدولتين، وإنما على تلاقي الأحلام الامبراطورية لقيصر الكرملين، وكذا لكسرى الجديد، مع مصلحة طاغية دمشق في النجاة من الغرق ببحر الدم الذي سفكه. كيف لا، وهنا المياه الدافئة التي ظلت سفن القياصرة تلهث في السعي نحوها على مر التاريخ؟ كيف لا، وهنا البحر المتوسط الذي لا يمكن أن تصير فارس دولة كبرى، بغير توسيع نفوذها ليشمل السيطرة على بعض شواطئه الشرقية؟ كيف لا، وهنا الديكتاتورية التي أثبتت استعدادها لفعل أي شيء سوى التخلي عن السلطة؟!
على ذلك، اجتمعت، إذن، مصالح الأطراف المعلنة في الحلف ضد الثورة السورية، حتى بدت متطابقة، ولولا إشارات انزعاجٍ صدرت من موسكو، في غير مرة، تعقيباً على تصريحاتٍ عنتريةٍ أدلى بها الأسد، ومعاونوه، في نشوة الزهو بالتقدم الذي حققته قواتهم ضد المعارضة نتيجة العون الروسي، لما التفت كثيرون إلى ما قد يشوب العلاقة بينهما من نقاط خلافٍ خفيّة، وكذا الحال أيضاً في ما خصّ تسريباتٍ ظلت تفضح تنافس موسكو وطهران، على الإمساك بزمام نظام الحكم المتهالك. أما بعد قرار روسيا سحب قواتها جزئياً من سورية، وإبقاء قواعدها الجوية والبحرية، فما عاد خافياً وسط التحليلات المتباينة لما وراء هذه الخطوة، اختلاف الحليفين على حدود التنازلات التي ينبغي أن يقدمها الرئيس السوري في أية تسويةٍ سياسيةٍ مقبلةٍ مع معارضيه.
ودونما تقليل من صحة الرؤى التي تتحدّث عن إرهاقٍ ماليٍّ أصاب موسكو، وعن صفقات محتملة، ربما أبرمتها مع واشنطن، فكأني بالقيصر، وقد أعلن أن قواته حققت أهدافها، يقول الآن لنفسه: ها نحن، أخيراً، نمدّ أرجلنا في المياه الدافئة، وذاك كفيلٌ ببقائنا لاعباً رئيساً في مستقبل سورية، بقي الأسد أو رحل. كأني بالأسد، أيضاً، يقول في الوقت نفسه: لديّ جيران أكثر حرصاً على حمايتي، بعدما حميتهم، وأبي، أربعين سنة، وإذا لم يكن من الرحيل بدٌ، فليس إلا في حال تخليهم عني، وبيدي، لا بيد بوتين.
واستدراكاً، تبدو التحالفات الدولية والإقليمية لنظام الأسد أعقد بكثير من الرؤى المسطّحة التي طالما رسمته ذيل كلبٍ اسمه بوتين، وصوّرته ألعوبة بيد الروس أو الإيرانيين، يحرّكونه، وفق ما يشاؤون، وإن اقتضت مصالحهم شطبه من المعادلة، يقولون له "هيا غادر المشهد"، فيغادر صاغراً.
لا. ليس الأمر على هذا النحو، في سورية، ولم يكن يوماً. ثمّة في هذي البلاد، وللإنصاف، طبقة سياسية حكمت نصف قرن، واستطاعت، على الرغم من جوهرها الطائفي، بل العائلي، أن تمدّ جذورها في بنى الدولة والمجتمع، وأن تسيطر على الاقتصاد، وأن تستخدم الجمل الثورية لتسوّق نفسها قيادة "مقاومة وممانعة"، وأن تحافظ، بفعل حنكة مشهودة، على هامش استقلالٍ واسعٍ نسبياً عن حلفائها الإقليميين والدوليين، خصوصاً في عهد الأسد الأب، وهي حتى وإن تغيّر حالها، أو تراجعت إمكاناتها في عهد الأسد الابن، وبعد الثورة عليه تحديداً، فإن التجربة المتكرّرة ما انفكّت تثبت، ولا تزال، قدرتها على الاستفادة من لعبة المصالح المتبادلة مع موسكو وطهران، وكثير من عواصم العرب والغرب، وصولاً إلى تل أبيب، أو بدءاً منها، بما ساعد نظام الحكم على البقاء، إلى الآن، شوكةً في حلق الشعب السوري، يصعب اقتلاعها.
وفق هذا المعنى، يمكن فهم إرسال روسيا طائراتها لحماية الأسد، بعدما أرسلت إيران حرسها الثوري، ومليشيات حزب الله، باعتبار ذلك أدلةً، لا على ارتهان الرجل لهاتين الدولتين، وإنما على تلاقي الأحلام الامبراطورية لقيصر الكرملين، وكذا لكسرى الجديد، مع مصلحة طاغية دمشق في النجاة من الغرق ببحر الدم الذي سفكه. كيف لا، وهنا المياه الدافئة التي ظلت سفن القياصرة تلهث في السعي نحوها على مر التاريخ؟ كيف لا، وهنا البحر المتوسط الذي لا يمكن أن تصير فارس دولة كبرى، بغير توسيع نفوذها ليشمل السيطرة على بعض شواطئه الشرقية؟ كيف لا، وهنا الديكتاتورية التي أثبتت استعدادها لفعل أي شيء سوى التخلي عن السلطة؟!
على ذلك، اجتمعت، إذن، مصالح الأطراف المعلنة في الحلف ضد الثورة السورية، حتى بدت متطابقة، ولولا إشارات انزعاجٍ صدرت من موسكو، في غير مرة، تعقيباً على تصريحاتٍ عنتريةٍ أدلى بها الأسد، ومعاونوه، في نشوة الزهو بالتقدم الذي حققته قواتهم ضد المعارضة نتيجة العون الروسي، لما التفت كثيرون إلى ما قد يشوب العلاقة بينهما من نقاط خلافٍ خفيّة، وكذا الحال أيضاً في ما خصّ تسريباتٍ ظلت تفضح تنافس موسكو وطهران، على الإمساك بزمام نظام الحكم المتهالك. أما بعد قرار روسيا سحب قواتها جزئياً من سورية، وإبقاء قواعدها الجوية والبحرية، فما عاد خافياً وسط التحليلات المتباينة لما وراء هذه الخطوة، اختلاف الحليفين على حدود التنازلات التي ينبغي أن يقدمها الرئيس السوري في أية تسويةٍ سياسيةٍ مقبلةٍ مع معارضيه.
ودونما تقليل من صحة الرؤى التي تتحدّث عن إرهاقٍ ماليٍّ أصاب موسكو، وعن صفقات محتملة، ربما أبرمتها مع واشنطن، فكأني بالقيصر، وقد أعلن أن قواته حققت أهدافها، يقول الآن لنفسه: ها نحن، أخيراً، نمدّ أرجلنا في المياه الدافئة، وذاك كفيلٌ ببقائنا لاعباً رئيساً في مستقبل سورية، بقي الأسد أو رحل. كأني بالأسد، أيضاً، يقول في الوقت نفسه: لديّ جيران أكثر حرصاً على حمايتي، بعدما حميتهم، وأبي، أربعين سنة، وإذا لم يكن من الرحيل بدٌ، فليس إلا في حال تخليهم عني، وبيدي، لا بيد بوتين.