07 نوفمبر 2024
الحرب الجديدة متواصلة
وَضَعَنَا الحَدَث الإرهابي الذي حصل ليلة 14 يوليو/ تموز في مدينة نيس جنوب فرنسا، أمام صورةٍ جديدةٍ للحرب المشتعلة اليوم في مناطق عديدة من العالم، حيث وقفنا على جوانب مثيرة من هول ما حصل. وقد أثار الحَدَث المذكور موجةً عارمةً من التحليلات والمواقف المتشابهة والمتكرِّرة، وتَمَّ ربط بعض عناصره بأنماط الصراع الاجتماعي والثقافي، القائم في المجتمعات الأوروبية. كما تَمَّ ربط بعضها الآخر بالأدوار التي تقوم بها فرنسا وباقي دول الاتحاد، في الصراعات التي تعرفها المنطقة العربية، وتجد لها امتداداتٍ في مناطق أخرى.
وإذا كان بإمكاننا أن نؤكّد وجود تشابه بين الحادث المذكور وما حصل قبل أشهر في باريس، فإنه لا مفرّ من البحث عن كيفيةٍ للتخلص من التفسيرات المُعَادة والمكرُورَة. وقد أدركنا، ونحن نتابع توصيفات المعلقين على ما حصل في الجنوب الفرنسي أن تعليقاتٍ كثيرة تُغْفِل أن عملية دهس مجموعاتٍ من المتفسِّحين من السواح وعموم المواطنين، وسط مدينة نيس وبالقرب من شاطئها، لحظة متابعتهم صُور الشُّهُب الاصطناعية المقامة بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، تندرج ضمن سياقٍ لا يستدعي، بالضرورة، فهماً يُفْضِي إلى ربط ما جرى بالإسلام والتطرُّف الإسلامي. فلا علاقة بين هذا وذاك، وحتى عندما يكون وراء الحَادِث تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أعلن، في زمن لاحق، أنه المُدَبِّر لما حصل من دهسٍ مميتٍ للأبرياء.
يتعلق الموقف، في تصوُّرنا، بمجموعةٍ سياسيةٍ مُتطرِّفة، توظِّف ما شاءت من الشِّعارات، وتنخرط في حرب مُعْلَنَةٍ مع جهاتٍ كثيرة، وبأسماء وشعارات وعناوين مختلفة. فقد أصبح معروفاً أن مواقف التنظيم المذكور تفهم في إطار الصراع السياسي الدائر منذ مدة طويلة في المشرق العربي.
وضمن هذا السياق، نشير إلى أن "داعش" تواصل ما كانت قد اتَّبعته القاعدة قبلها، حيث لا تتردّد في إعلان تبنِّيها ما تقوم به الذئاب المنفردة والخلايا المحسوبة على خياراتها، بحكم أنها مُنْخَرِطَة في برنامج دعائي في الوسائط الاجتماعية، يؤهِّل كل من يرى في نفسه القدرة على تنفيذ ما يساهم في وقف الغطرسة الغربية، ولعل الداعشيين يفضلون أفعال الذئاب المنفردة وأدواتها، لأنها تساهم في درجة توسيع ضرباتهم وتنويعها.
لاحظنا، أيضاً، أن بعض الآراء التي تناولت الحَدَث بالتعليق، عادت إلى الربط بين ما جرى
من قتل سائق مجنون عشرات الأبرياء، بموضوع تهميش العرب والمسلمين في الغرب، وفي فرنسا بالذات، وهذه المسألة، كما نعرف، لا يمكن أن تُشَكِّل سبباً كافياً ومباشراً لآليات الحرب الجديدة التي لا تتردَّد في توظيف كل ما يساعِد على مزيدٍ من نشر الرعب، وزعزعة استقرار وأمن البلدان التي تُمارِس فيها جنونها الإرهابي، بصور وأساليب متعدِّدة، وهي بلدانٌ تُتَّهَم بانخراطها المباشر في مواجهة التحوُّلات التي تشهدها بلدان المشرق العربي.
تُعَدُّ الأفعال الإرهابية المتواصلة في المشرق العربي، وفي العالم، بمثابة مؤشر قوي على التدخلات التي تمارسها أميركا وأوروبا في المنطقة العربية، نتأكد من هذا بأفعال العنف المتواصلة، ونتأكّد منه أيضاً، بصور ردود الأفعال المتواصلة، حيث أعلنت فرنسا، بعد حادث القتل المروّع في نيس، أنها سترسل دفعةً أخرى من جيوشها لضرب داعش في سورية والعراق، ثم في ليبيا. لا علاقة للأفعال المذكورة وتداعياتها، لا بالحروب الصليبية، ولا بمنطق الجهاد ونشر راية الإسلام، وردود الأفعال التي تتبعها لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب والتطرّف، حتى عندما تعلن جهةٌ ما مسؤوليتها عن الضربات ونتائجها.. آليات عمل نمط الحروب، المشتعلة اليوم في مناطق عديدة، تتميز بطابعٍ تختلف فيه المواقف والصوَّر التي اعتدناها في حروب القرن الماضي، وهو يخضع اليوم لحساباتٍ جديدةٍ ومعقَّدة، يصعب ضبطها وترتيبها بصورة واضحة، كما يصعب فهمها ضمن تسمياتٍ للحروب، ترتبط بأزمنة وسياقات أخرى.
صحيح أن حادث شاطئ نيس يشبه حادث مجلة شارلي إيبدو، وهما معاً يشبهان حادث المقهى والمسرح الفرنسيين في باريس، على الرغم من اختلاف الأدوات والوسائل الموظفة للتنكيل بالأبرياء، وصحيح أيضاً أن الحوادث التي ذكرنا لا مجال مجتمعةً للحديث عن المبادئ والقِيَم، ذلك أن هذه الأحداث المُهولَة تقدم صوَّراً لحروبٍ جديدة، لم نستطع بعدُ ضبط إيقاعها، على الرغم من وعينا بأنها تتجه لممارسة أشكالٍ من العنف غير مسبوقة.
يُمَاثِل حَادِث الجنوب الفرنسي ما وقع ويقع، يومياً ومنذ سنوات، في العراق، وهو يُمَاثِل كل أصناف الإرهاب التي تُمارِسها إسرائيل في الأراضي المحتلَّة، ويُماثِل الأدوار التي يُمارسُها النظام السوري على الشعب السوري، كما يُماثِل كل صور التسلُّط التي تمارسها الأنظمة السياسية المستبدة في حاضرنا، ما يجعلنا نتأكّد أن الحرب الجديدة تستخدم مختلف الوسائل، بما في ذلك العقائد الدينية، انتصاراً للشرّ والموت بجميع صوره. نحن، في النهاية، أمام إرهاب مُتَبَادَل، يُشْعِل حروباً متشابِهة، الأمر الذي يستدعي تفكيراً أكثر عمقاً في الأبعاد والخلفيات المرتبطة به وبتداعياته.
وإذا كان بإمكاننا أن نؤكّد وجود تشابه بين الحادث المذكور وما حصل قبل أشهر في باريس، فإنه لا مفرّ من البحث عن كيفيةٍ للتخلص من التفسيرات المُعَادة والمكرُورَة. وقد أدركنا، ونحن نتابع توصيفات المعلقين على ما حصل في الجنوب الفرنسي أن تعليقاتٍ كثيرة تُغْفِل أن عملية دهس مجموعاتٍ من المتفسِّحين من السواح وعموم المواطنين، وسط مدينة نيس وبالقرب من شاطئها، لحظة متابعتهم صُور الشُّهُب الاصطناعية المقامة بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، تندرج ضمن سياقٍ لا يستدعي، بالضرورة، فهماً يُفْضِي إلى ربط ما جرى بالإسلام والتطرُّف الإسلامي. فلا علاقة بين هذا وذاك، وحتى عندما يكون وراء الحَادِث تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أعلن، في زمن لاحق، أنه المُدَبِّر لما حصل من دهسٍ مميتٍ للأبرياء.
يتعلق الموقف، في تصوُّرنا، بمجموعةٍ سياسيةٍ مُتطرِّفة، توظِّف ما شاءت من الشِّعارات، وتنخرط في حرب مُعْلَنَةٍ مع جهاتٍ كثيرة، وبأسماء وشعارات وعناوين مختلفة. فقد أصبح معروفاً أن مواقف التنظيم المذكور تفهم في إطار الصراع السياسي الدائر منذ مدة طويلة في المشرق العربي.
وضمن هذا السياق، نشير إلى أن "داعش" تواصل ما كانت قد اتَّبعته القاعدة قبلها، حيث لا تتردّد في إعلان تبنِّيها ما تقوم به الذئاب المنفردة والخلايا المحسوبة على خياراتها، بحكم أنها مُنْخَرِطَة في برنامج دعائي في الوسائط الاجتماعية، يؤهِّل كل من يرى في نفسه القدرة على تنفيذ ما يساهم في وقف الغطرسة الغربية، ولعل الداعشيين يفضلون أفعال الذئاب المنفردة وأدواتها، لأنها تساهم في درجة توسيع ضرباتهم وتنويعها.
لاحظنا، أيضاً، أن بعض الآراء التي تناولت الحَدَث بالتعليق، عادت إلى الربط بين ما جرى
تُعَدُّ الأفعال الإرهابية المتواصلة في المشرق العربي، وفي العالم، بمثابة مؤشر قوي على التدخلات التي تمارسها أميركا وأوروبا في المنطقة العربية، نتأكد من هذا بأفعال العنف المتواصلة، ونتأكّد منه أيضاً، بصور ردود الأفعال المتواصلة، حيث أعلنت فرنسا، بعد حادث القتل المروّع في نيس، أنها سترسل دفعةً أخرى من جيوشها لضرب داعش في سورية والعراق، ثم في ليبيا. لا علاقة للأفعال المذكورة وتداعياتها، لا بالحروب الصليبية، ولا بمنطق الجهاد ونشر راية الإسلام، وردود الأفعال التي تتبعها لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب والتطرّف، حتى عندما تعلن جهةٌ ما مسؤوليتها عن الضربات ونتائجها.. آليات عمل نمط الحروب، المشتعلة اليوم في مناطق عديدة، تتميز بطابعٍ تختلف فيه المواقف والصوَّر التي اعتدناها في حروب القرن الماضي، وهو يخضع اليوم لحساباتٍ جديدةٍ ومعقَّدة، يصعب ضبطها وترتيبها بصورة واضحة، كما يصعب فهمها ضمن تسمياتٍ للحروب، ترتبط بأزمنة وسياقات أخرى.
صحيح أن حادث شاطئ نيس يشبه حادث مجلة شارلي إيبدو، وهما معاً يشبهان حادث المقهى والمسرح الفرنسيين في باريس، على الرغم من اختلاف الأدوات والوسائل الموظفة للتنكيل بالأبرياء، وصحيح أيضاً أن الحوادث التي ذكرنا لا مجال مجتمعةً للحديث عن المبادئ والقِيَم، ذلك أن هذه الأحداث المُهولَة تقدم صوَّراً لحروبٍ جديدة، لم نستطع بعدُ ضبط إيقاعها، على الرغم من وعينا بأنها تتجه لممارسة أشكالٍ من العنف غير مسبوقة.
يُمَاثِل حَادِث الجنوب الفرنسي ما وقع ويقع، يومياً ومنذ سنوات، في العراق، وهو يُمَاثِل كل أصناف الإرهاب التي تُمارِسها إسرائيل في الأراضي المحتلَّة، ويُماثِل الأدوار التي يُمارسُها النظام السوري على الشعب السوري، كما يُماثِل كل صور التسلُّط التي تمارسها الأنظمة السياسية المستبدة في حاضرنا، ما يجعلنا نتأكّد أن الحرب الجديدة تستخدم مختلف الوسائل، بما في ذلك العقائد الدينية، انتصاراً للشرّ والموت بجميع صوره. نحن، في النهاية، أمام إرهاب مُتَبَادَل، يُشْعِل حروباً متشابِهة، الأمر الذي يستدعي تفكيراً أكثر عمقاً في الأبعاد والخلفيات المرتبطة به وبتداعياته.