02 نوفمبر 2024
الاستفتاء الكردي.. دروس وشروط
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
أخطأ أكراد العراق، حين اختاروا اللجوء إلى الاستفتاء على الانفصال على نحو ارتجالي، من دون تحضير مسبق، والدليل أنهم لم يجدوا أحداً في الجوار الإقليمي، ولا في المحيط الدولي، يقف إلى جانب قرارهم ويسانده، أو حتى يتفهمه، بل لاقوا صدّاً ورفضاً لم يكونوا يتوقعونه، ما تركهم مكشوفين بلا مظلةٍ تحميهم من ردود فعل بغداد وطهران وأنقرة، حيث قرر الجيران الثلاثة خنق إقليم كردستان، حتى يتراجع عن الاستفتاء، ويلغي نتائجه.
على الطرف الآخر، يصر الأكراد على خيارهم، ويبدون تصميماً على التمسّك بنتائج الاستفتاء، في وقتٍ يريدون الظهور بمظهر المرن، المنفتح على الحوار من أجل الخروج من المأزق.
ليس رفض تقرير مصير الأكراد هو الحل، فهذا حق لهم، وإذا قاومه بعضهم اليوم سيعترف به لاحقاً. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، لا يمكن أن يحظى بالشرعية تحصيل هذا الحق بالقوة، وعلى حساب العرب. ولا يكفي أن يمتلك طرفٌ القدرة على إجراء استفتاء، والحصول على تأييد بعض الأطراف الإقليمية والدولية، حتى يصبح لديه الحق بتفسير التاريخ على هواه، واقتطاع أرض ليست له.
يمكن أن يتم تقرير مصير الأكراد وفق الشروط التالية: أولاً، أن يأخذوا الحقوق التي يستحقونها فقط، وأن يجري ذلك بالاستناد إلى أسس علمية، وإلى حقائق التاريخ والجغرافيا، وليس رسم الخريطة وفق حسابات الأكراد وحدهم. والتفاهم بشأن هذا الأمر ممكن، وهو غير معقد من الناحية الفنية، فهناك وثائق وافية بعضها موجود في تركيا، وبعض آخر في فرنسا وبريطانيا. ثانياً، أن يتم ذلك بالتفاهم بينهم وبين المكونات الأخرى، وليس بالاستقواء بالأطراف الخارجية مثل الولايات المتحدة. ثالثاً، ـ أن يتم الأمر ضمن تسوياتٍ تضمنها الأمم المتحدة وأطراف دولية ذات ثقل وازن، يتم فيها وضع صيغة تحدّد طبيعة الخرائط وأنماط الحكم.
في كل ما حصل، بدا أن ما ينقص الأكراد هو فن إدارة المعركة. والغريب أن رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، الذي بات يمتلك تجربة سياسية غنية، ولديه خبرة واسعة بالعراق ودول الجوار، فاته أن يلعب أوراقه بالحرفية العالية نفسها التي تعايش فيها مع التناقضات طوال العقود الماضية، وتمكّن خلالها من البقاء على قيد الحياة السياسية، وسط محيط ابتلع حيتاناً كثيرة تفوقه وزناً.
على الرغم من الخسارة والنتائج السلبية، يبدو استفتاء 25 سبتمبر/ أيلول ضرورياً للأكراد وللقيادة الكردية، كي يأخذوا منه دروساً للمستقبل، تساعدهم في الخروج من الطريق المسدود، فالاستفتاء ناقص، وغير مدروس، وفي توقيت خاطئ، وبدون رعاية خارجية. ولذلك كانت نتيجته سلبية على المستويات: العراقي والإقليمي والدولي.
لا يكفي أن يرى الأكراد أن الفرصة سانحةٌ كي يسترجعوا حقوقهم التاريخية، فهذا أمر يحتاج إلى ميزان قوى محلي وإقليمي ودولي، وهو غير متوفر في الوقت الحالي، على الرغم من أن العلاقات الكردية مع الولايات المتحدة تمر بأفضل حالاتها، بعد أن شكل الأكراد حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة في الحرب ضد "داعش". ولكن، أحرى بالأكراد، قبل غيرهم، أن لا يركنوا كلياً إلى هذا الحليف الذي سبق وأن خذلهم مرات، وهو على استعدادٍ أن يتخلى عنهم من جديد إذا استدعت مصالحه ذلك.
السؤال المطروح اليوم: ما هو المخرج الممكن في المدى المنظور، لتفكيك حالة الاستنفار العراقية الإيرانية التركية التي تحيط بإقليم كردستان؟ على صعيد المساعي الخارجية، لا يبدو أن هناك أفقاً مفتوحاً في هذا الوقت، والمطروح محاولات توفيقية شبيهة بالتي كانت مطروحة قبل إجراء الاستفتاء. ولذا تظل العقدة الرئيسية قائمة، حتى يقتنع الطرفان بتغيير زاوية النظر إلى المسألة.
على الطرف الآخر، يصر الأكراد على خيارهم، ويبدون تصميماً على التمسّك بنتائج الاستفتاء، في وقتٍ يريدون الظهور بمظهر المرن، المنفتح على الحوار من أجل الخروج من المأزق.
ليس رفض تقرير مصير الأكراد هو الحل، فهذا حق لهم، وإذا قاومه بعضهم اليوم سيعترف به لاحقاً. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، لا يمكن أن يحظى بالشرعية تحصيل هذا الحق بالقوة، وعلى حساب العرب. ولا يكفي أن يمتلك طرفٌ القدرة على إجراء استفتاء، والحصول على تأييد بعض الأطراف الإقليمية والدولية، حتى يصبح لديه الحق بتفسير التاريخ على هواه، واقتطاع أرض ليست له.
يمكن أن يتم تقرير مصير الأكراد وفق الشروط التالية: أولاً، أن يأخذوا الحقوق التي يستحقونها فقط، وأن يجري ذلك بالاستناد إلى أسس علمية، وإلى حقائق التاريخ والجغرافيا، وليس رسم الخريطة وفق حسابات الأكراد وحدهم. والتفاهم بشأن هذا الأمر ممكن، وهو غير معقد من الناحية الفنية، فهناك وثائق وافية بعضها موجود في تركيا، وبعض آخر في فرنسا وبريطانيا. ثانياً، أن يتم ذلك بالتفاهم بينهم وبين المكونات الأخرى، وليس بالاستقواء بالأطراف الخارجية مثل الولايات المتحدة. ثالثاً، ـ أن يتم الأمر ضمن تسوياتٍ تضمنها الأمم المتحدة وأطراف دولية ذات ثقل وازن، يتم فيها وضع صيغة تحدّد طبيعة الخرائط وأنماط الحكم.
في كل ما حصل، بدا أن ما ينقص الأكراد هو فن إدارة المعركة. والغريب أن رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، الذي بات يمتلك تجربة سياسية غنية، ولديه خبرة واسعة بالعراق ودول الجوار، فاته أن يلعب أوراقه بالحرفية العالية نفسها التي تعايش فيها مع التناقضات طوال العقود الماضية، وتمكّن خلالها من البقاء على قيد الحياة السياسية، وسط محيط ابتلع حيتاناً كثيرة تفوقه وزناً.
على الرغم من الخسارة والنتائج السلبية، يبدو استفتاء 25 سبتمبر/ أيلول ضرورياً للأكراد وللقيادة الكردية، كي يأخذوا منه دروساً للمستقبل، تساعدهم في الخروج من الطريق المسدود، فالاستفتاء ناقص، وغير مدروس، وفي توقيت خاطئ، وبدون رعاية خارجية. ولذلك كانت نتيجته سلبية على المستويات: العراقي والإقليمي والدولي.
لا يكفي أن يرى الأكراد أن الفرصة سانحةٌ كي يسترجعوا حقوقهم التاريخية، فهذا أمر يحتاج إلى ميزان قوى محلي وإقليمي ودولي، وهو غير متوفر في الوقت الحالي، على الرغم من أن العلاقات الكردية مع الولايات المتحدة تمر بأفضل حالاتها، بعد أن شكل الأكراد حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة في الحرب ضد "داعش". ولكن، أحرى بالأكراد، قبل غيرهم، أن لا يركنوا كلياً إلى هذا الحليف الذي سبق وأن خذلهم مرات، وهو على استعدادٍ أن يتخلى عنهم من جديد إذا استدعت مصالحه ذلك.
السؤال المطروح اليوم: ما هو المخرج الممكن في المدى المنظور، لتفكيك حالة الاستنفار العراقية الإيرانية التركية التي تحيط بإقليم كردستان؟ على صعيد المساعي الخارجية، لا يبدو أن هناك أفقاً مفتوحاً في هذا الوقت، والمطروح محاولات توفيقية شبيهة بالتي كانت مطروحة قبل إجراء الاستفتاء. ولذا تظل العقدة الرئيسية قائمة، حتى يقتنع الطرفان بتغيير زاوية النظر إلى المسألة.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024