10 نوفمبر 2024
طارق رمضان و"اليسار الإسلاموي"
في أتون موجة الصحوة الأخلاقية التي فجّرتها قضية المنتج الأميركي، هارفي وينستين، وخروج عشرات الشهادات بخصوص تحرّشه الجنسي بحق ممثلات من هوليوود وسواها، وفي ظل انتشار حملات افتراضية أغرقت وسائل التواصل تحت عنوان أميركي هادئ "وأنا أيضاً" Me too، وفرنسي عنيف "افضحي خنزيرك" Balance ton porc، حملت سرديات عديدة مخيفة حول استغلال المنصب الوظيفي، أو المقدرة النفعية، اندلعت الصحوة/ العدوى في أوروبا. وبدأت الفضائح بالانتشار ضاربة ذات اليمين نواباً ووزراءً سابقين، وذات الشمال شخصيات إعلامية وفنية وثقافية وعلمية.
وقد حشدت المنظمات النسوية الأوروبية، في معركة عادلة، معظم قواها لتعبئة الرأي العام ضد هذه الجرائم الأخلاقية الموصوفة، والتي يُعاقب عليها القانون، إذا وصلت إلى حد الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب أو التحرّش عبر استغلال الموقع الوظيفي. وسخّرت وسائل الإعلام حجماً مناسباً من التغطية، لفضح مسارات مشاهير عديدين في هذا الحقل، ووضعت صفحاتها وشاشاتها بتصرّف من يرغبن في تقديم سردياتهن بكل صراحة ووضوح، مع ضمان حجب الأسماء، حماية لهن، أو بانتظار انطلاق المسار القضائي المناسب.
إزاء هذه الحملة، حصل تمايز نسبي في المواقف داخل المجتمعات الأوروبية، فقد تمنّى بعضهم أن يُترك للعدالة أن تأخذ مجراها، وأن يبتعد الناس عن لوك الحكايا من خلال ممارسة
الاستراق "المُسلّي" للنظر، خصوصاً في مثل هذه المحكيات. ورأى آخرون أن استمرار الحديث والتنديد والإدانة، ولو من خارج المسار القضائي، عمل محمود، يجب أن يُكرّس لدرء من تسوّل له نفسه الأمّارة بالتحرّش عن الاستمرار في موبقات هذا التصرّف، وتدفعه إلى العدول عن هذه الممارسة الشنيعة إن لم تقع بعد، أو التوبة وطلب الصفح عنها، إن هي سبق وحصلت. وظهر هذا الانقسام بجلاء أكبر ضمن النساء أنفسهن بين طالباتٍ عدالة قضائية وأخريات باحثات عن تعميمات إعلامية. وكان مؤثراً للغاية متابعة السرديات الشخصية التي أفضت بها كثيراتٌ بكل صراحة وألم، عبر وسائل التواصل، ووصلن من خلالها إلى التنديد بأقرباء في الأسرة أو زملاء في الدراسة أو رؤساء في العمل.
انتقلت ظاهرة التحرش إذاً من "مجرّد" معاكساتٍ سوقيةٍ شوارعية مزعجة، وتنمّ عن كبت اجتماعيٍّ ما، إلى مستوى أخطر وأكثر إيلاماً، لأنه يعتمد الموقع التسلطي وإمكانية التأثير في عمل النسوة الضحايا، أو في حيواتهن، والتي تنم عن أمراض نفسية، وربما فيزيولوجية أيضاً. ومع وجود بعض السرديات عن انتهاكات أخلاقية من بعض النسوة في مواقع مؤثرة تجاه بعض الرجال، إلا أن هذا الجانب ظلّ محدوداً للغاية، ولا يمكن أن تُقارن نسبته بنسبة التحرّش الذكوري.
أخذت الأمور مساراتها المتعدّدة، وصارت الأخبار يوميةً لتغطية القصص الجديدة. وفجأة، تلت إحدى السيدات الفرنسيات قصة تحرّش قام بها إزاءها أستاذ الفكر الإسلامي، طارق رمضان، مستغلاً موقعه الديني والاجتماعي المؤثر، وهو حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. ووقع رمضان إثر ذلك "ضحية" هجومات عدّة، استعد لها أعداؤه منذ زمن، ولم يجدوا فرصة ذكية أو فكرية لمقارعته قبلها. حصل إذاً ما لم يكن في حسبان الأستاذ الجامعي والداعية الإسلامي، السويسري من أصل مصري، المشهور إعلامياً بمواقف علنية عدة، تتعلق بعلاقة الدين بالمجتمع وبالفضاء العام، منها العقلاني، ومنها ما هو موارب، ومنها ما هو محافظ للغاية، بحيث يصدم شرائح مجتمعية أوروبية متنوعة.
أدلى الفيلسوف الفرنسي التسعيني، إدغار موران، بدلوه، وهو المُقلّ، معتبراً أن على القضاء أن يأخذ مجراه في هذه القضية، وعلى الناس أن تكتفي بتقييم ما يكتبه الشخص ويقوله، بعيداً عن
تنصيب نفسها صانعةً للعدالة. كما انبرى مثقفون عقلانيون كبار عديدون إلى تبني هذا الموقف. في المقابل، احتشدت قوى جميع الغاضبين والمحرّضين والماقتين تحت راية الهجوم على رمضان، لتشن هجماتٍ لا أخلاقية وتحريضية وكاذبة وتشهيرية بحق كثيرين من مثقفي اليسار الديمقراطي الفرنسي الذين يتجسد جُلّ ذنبهم في أنهم يوماً آمنوا بأن الحرية للجميع، وبأن لرمضان، مهما اختلفوا معه، أن يُعبّر عن رأيه بكل حرية، من دون شيطنة واتهامات مُفبركة، بالعداء للسامية تارةً إن هو تضامن مع الحقوق الفلسطينية، أو بتهم ازدواجية الخطاب بين المعلن إعلاماً والمصرّح به في أقبية المساجد، من دون تقديم دليل واحد على هذا.
متابعة ما يكتبه حشدٌ معروفٌ من الإسلاموفوبيين الجدد، أصحاب الرهاب المترسّخ من الإسلام، وما يلوذ به بحجة الدفاع عن علمانيةٍ وضعوا لها أسساً بعيدة عن تعريفاتها العلمية، تقود المراقب إلى أن يتعاطف رغماً عنه مع رمضان، ولو أنه لا يستحق عطفاً إن ثبت يوماً اقترافه ما هو به متهم. إضافة، فإن الهجوم الظالم الذي يتعرّض له جمعٌ من المثقفين الفرنسيين، كما آلان غريش وباسكال بونيفاس وإدفي بلينيل، لهو دليلٌ على أنها الفرصة الذهبية للتعرّض لمن ساند منهم يوماً قضية حق، كالقضية الفلسطينية، أو وقف موقفاً ديمقراطياً من حق المختلف عنهم بالتعبير، كحق طارق رمضان بالقول والكتابة، أو رفض شيطنة دين تحت يافطة الإرهاب المرتكب باسمه. المثقفون الفرنسيون الخارجون عن الصراط المستقيم هم في موقع الاتهام الآن في قضية رمضان. إنها المكارثية اللاتينية التي تلوح في الأفق.
وفي تضامنٍ صريح مع حرية التعبير، وقع عشرات من الكتاب بياناً قالوا في خلاصته: "يبدو بوضوح أننا نواجه حملة سياسية، بعيداً عن الدفاع عن حقوق المرأة".
وقد حشدت المنظمات النسوية الأوروبية، في معركة عادلة، معظم قواها لتعبئة الرأي العام ضد هذه الجرائم الأخلاقية الموصوفة، والتي يُعاقب عليها القانون، إذا وصلت إلى حد الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب أو التحرّش عبر استغلال الموقع الوظيفي. وسخّرت وسائل الإعلام حجماً مناسباً من التغطية، لفضح مسارات مشاهير عديدين في هذا الحقل، ووضعت صفحاتها وشاشاتها بتصرّف من يرغبن في تقديم سردياتهن بكل صراحة ووضوح، مع ضمان حجب الأسماء، حماية لهن، أو بانتظار انطلاق المسار القضائي المناسب.
إزاء هذه الحملة، حصل تمايز نسبي في المواقف داخل المجتمعات الأوروبية، فقد تمنّى بعضهم أن يُترك للعدالة أن تأخذ مجراها، وأن يبتعد الناس عن لوك الحكايا من خلال ممارسة
انتقلت ظاهرة التحرش إذاً من "مجرّد" معاكساتٍ سوقيةٍ شوارعية مزعجة، وتنمّ عن كبت اجتماعيٍّ ما، إلى مستوى أخطر وأكثر إيلاماً، لأنه يعتمد الموقع التسلطي وإمكانية التأثير في عمل النسوة الضحايا، أو في حيواتهن، والتي تنم عن أمراض نفسية، وربما فيزيولوجية أيضاً. ومع وجود بعض السرديات عن انتهاكات أخلاقية من بعض النسوة في مواقع مؤثرة تجاه بعض الرجال، إلا أن هذا الجانب ظلّ محدوداً للغاية، ولا يمكن أن تُقارن نسبته بنسبة التحرّش الذكوري.
أخذت الأمور مساراتها المتعدّدة، وصارت الأخبار يوميةً لتغطية القصص الجديدة. وفجأة، تلت إحدى السيدات الفرنسيات قصة تحرّش قام بها إزاءها أستاذ الفكر الإسلامي، طارق رمضان، مستغلاً موقعه الديني والاجتماعي المؤثر، وهو حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا. ووقع رمضان إثر ذلك "ضحية" هجومات عدّة، استعد لها أعداؤه منذ زمن، ولم يجدوا فرصة ذكية أو فكرية لمقارعته قبلها. حصل إذاً ما لم يكن في حسبان الأستاذ الجامعي والداعية الإسلامي، السويسري من أصل مصري، المشهور إعلامياً بمواقف علنية عدة، تتعلق بعلاقة الدين بالمجتمع وبالفضاء العام، منها العقلاني، ومنها ما هو موارب، ومنها ما هو محافظ للغاية، بحيث يصدم شرائح مجتمعية أوروبية متنوعة.
أدلى الفيلسوف الفرنسي التسعيني، إدغار موران، بدلوه، وهو المُقلّ، معتبراً أن على القضاء أن يأخذ مجراه في هذه القضية، وعلى الناس أن تكتفي بتقييم ما يكتبه الشخص ويقوله، بعيداً عن
متابعة ما يكتبه حشدٌ معروفٌ من الإسلاموفوبيين الجدد، أصحاب الرهاب المترسّخ من الإسلام، وما يلوذ به بحجة الدفاع عن علمانيةٍ وضعوا لها أسساً بعيدة عن تعريفاتها العلمية، تقود المراقب إلى أن يتعاطف رغماً عنه مع رمضان، ولو أنه لا يستحق عطفاً إن ثبت يوماً اقترافه ما هو به متهم. إضافة، فإن الهجوم الظالم الذي يتعرّض له جمعٌ من المثقفين الفرنسيين، كما آلان غريش وباسكال بونيفاس وإدفي بلينيل، لهو دليلٌ على أنها الفرصة الذهبية للتعرّض لمن ساند منهم يوماً قضية حق، كالقضية الفلسطينية، أو وقف موقفاً ديمقراطياً من حق المختلف عنهم بالتعبير، كحق طارق رمضان بالقول والكتابة، أو رفض شيطنة دين تحت يافطة الإرهاب المرتكب باسمه. المثقفون الفرنسيون الخارجون عن الصراط المستقيم هم في موقع الاتهام الآن في قضية رمضان. إنها المكارثية اللاتينية التي تلوح في الأفق.
وفي تضامنٍ صريح مع حرية التعبير، وقع عشرات من الكتاب بياناً قالوا في خلاصته: "يبدو بوضوح أننا نواجه حملة سياسية، بعيداً عن الدفاع عن حقوق المرأة".