04 نوفمبر 2024
قليل من التوابل والبهارات
أبدى إبليس، في النص الديني، غيرة شديدة من سيدنا آدم، وأبى السجود له أسوة بالملائكة، وتوعد، أمام الخالق العظيم، أن يظل عدوا للبشر، موقعا إياهم في غواية الخطيئة حتى قيام الساعة. كما تناولت الأسطورة الإغريقية الحافلة بقصص الآلهة ذوي الاختصاصات المتعدّدة قصة هيرا الشهيرة بالغيرة القاتلة، وهي آلهة النساء والزواج، وزوجة زيوس كبير الآلهة اللعوب المراوغ، متعدد العلاقات النسائية، سريع الوقوع في شراك العشق. وقد أفنت هيرا الأنثى المبتلاة بالحب حياتها بمطاردته وضبطه متلبسا بخيانتها، ومطادرة المعشوقات اللواتي تجاوبن مع غوايته، لاهيات عن أساليبه الماكرة وألاعيبه في الإيقاع بهن، ما تسبب في حلول لعنتها عليهن، فنكلت بهن بوحشيةٍ توازي درجة غضبها، ما دفع زيوس، في لحظة سخط وغضب، إلى تعليقها بين الأرض والسماء، مربوطة من معصمها بقيد ذهبي، عقوبةً لها على غيرتها الشديدة التي كانت تنغص عليه سعيه الدؤوب إلى مراودة الحسناوات عن أنفسهن، والمضي في نهج الخيانة ذكوري الملمح.
وحفلت الأساطير الإغريقية بقصص ممتعة، لا تخلو من رمزية عالية عن المغامرات النسائية لزيوس الذي استخدم كل وسائل الاحتيال، من التحول إلى ثور حينا، أو إلى قطراتٍ من التبر، للوصول إلى مبتغاه عابثا غير عابئ بنار الغيرة التي تنهش قلب زوجته المعذّبة بمشاعر الحب والغضب والتملك. أما القائد المغربي الشجاع، عطيل، بطل مسرحية شكسبير الشهيرة، فقد عشق ديدمونه الفاتنة، وامتلأ قلبه شغفا بها، وبادلته المرأة الجميلة المشاعر الحارّة المتدفقة ذاتها، وتزوجته رغما عن إرادة أسرتها ذات الحسب والنسب التي لم توافق على اقتران ابنتهم الحسناء بالرجل الأسود، غير أنه ما لبث أن قتلها، مدفوعا بالغيرة والغضب الذي أعمى بصيرته، وجعله فريسة سهلة لمكيدة ياغو، حامل العلم الذي شبت نار غيرته على سيده الذي فضل عليه معاونا آخر، وقرر الانتقام من عطيل، فأوهمه أن ديدمونه تخونه مع معاونه كاسيو. في النهاية، تموت ديدمونه مقتولةً بيد الحبيب الولهان، ويطعن عطيل نفسه، عندما يكتشف المكيدة، وتكون آخر أقواله: أنا رجل لم يعقل في حبه بل أسرف فيه.
هناك روايتا "مدام بوفاري" و"أنا كارنينا"، وغيرهما أعمال فنية وأدبية عظيمة خالدة كثيرة، كانت مشاعر الغيرة الثيمة الأساسية فيها. ويعرّف علم النفس الغيرة بأنها غريزة طبيعية قد تصل، في حدها الأعلى، إلى مرحلة الألم النفسي، كونها مرتبطة بمشاعر الخوف والغضب والتملك، وقد تؤدّي إلى ارتكاب جرائم بشعة، تحت سورة الغضب والارتباك. وهناك من يرى الغيرة رديفا للحب، بل أول علاماته، وكثيرا ما تشكو نساء من عدم غيرة رجالهن، معتبرات ذلك مؤشرا على عدم الاكتراث، وغياب مشاعر الحب الحقيقية من قلوبهم. وفي المقابل، يشكو رجال من شدة غيرة نسائهم التي تحيل حياتهم إلى صراع دائم بين شكٍّ ومحاولة إثبات البراءة، ما يؤدي إلى حدوث مشكلات مستمرة، من شأنها تهديد استقرار الأسرة، وتقتل مشاعر الحب في نهاية الأمر. ويمكن اعتبار الشخص شديد الغيرة منكوبا بداء عضال، وهو بهذا المعنى يستحق الرثاء والمعونة، لأن سلوكه يعبر عن انعدام الثقة بالذات وبالآخر، والإحساس بالتهديد والخوف على فقدان المكانة والامتيازات، بوجود طرفٍ ثالثٍ قد يسترعي انتباه الشريك ويسلبه منا في نهاية الأمر.
الاعتراف بحالة الغيرة المرضية أول وسيلة للخلاص منها، أو ضبطها إلى حدود معقولة، لا تؤثر على علاقتنا الإنسانية، لأن قليلا من الغيرة هو محفز جميل يشبه، في أثره، إضافة قليل من التوابل والبهارات الحراقة إلى الطبق، لكي يصبح أطيب مذاقا.
وحفلت الأساطير الإغريقية بقصص ممتعة، لا تخلو من رمزية عالية عن المغامرات النسائية لزيوس الذي استخدم كل وسائل الاحتيال، من التحول إلى ثور حينا، أو إلى قطراتٍ من التبر، للوصول إلى مبتغاه عابثا غير عابئ بنار الغيرة التي تنهش قلب زوجته المعذّبة بمشاعر الحب والغضب والتملك. أما القائد المغربي الشجاع، عطيل، بطل مسرحية شكسبير الشهيرة، فقد عشق ديدمونه الفاتنة، وامتلأ قلبه شغفا بها، وبادلته المرأة الجميلة المشاعر الحارّة المتدفقة ذاتها، وتزوجته رغما عن إرادة أسرتها ذات الحسب والنسب التي لم توافق على اقتران ابنتهم الحسناء بالرجل الأسود، غير أنه ما لبث أن قتلها، مدفوعا بالغيرة والغضب الذي أعمى بصيرته، وجعله فريسة سهلة لمكيدة ياغو، حامل العلم الذي شبت نار غيرته على سيده الذي فضل عليه معاونا آخر، وقرر الانتقام من عطيل، فأوهمه أن ديدمونه تخونه مع معاونه كاسيو. في النهاية، تموت ديدمونه مقتولةً بيد الحبيب الولهان، ويطعن عطيل نفسه، عندما يكتشف المكيدة، وتكون آخر أقواله: أنا رجل لم يعقل في حبه بل أسرف فيه.
هناك روايتا "مدام بوفاري" و"أنا كارنينا"، وغيرهما أعمال فنية وأدبية عظيمة خالدة كثيرة، كانت مشاعر الغيرة الثيمة الأساسية فيها. ويعرّف علم النفس الغيرة بأنها غريزة طبيعية قد تصل، في حدها الأعلى، إلى مرحلة الألم النفسي، كونها مرتبطة بمشاعر الخوف والغضب والتملك، وقد تؤدّي إلى ارتكاب جرائم بشعة، تحت سورة الغضب والارتباك. وهناك من يرى الغيرة رديفا للحب، بل أول علاماته، وكثيرا ما تشكو نساء من عدم غيرة رجالهن، معتبرات ذلك مؤشرا على عدم الاكتراث، وغياب مشاعر الحب الحقيقية من قلوبهم. وفي المقابل، يشكو رجال من شدة غيرة نسائهم التي تحيل حياتهم إلى صراع دائم بين شكٍّ ومحاولة إثبات البراءة، ما يؤدي إلى حدوث مشكلات مستمرة، من شأنها تهديد استقرار الأسرة، وتقتل مشاعر الحب في نهاية الأمر. ويمكن اعتبار الشخص شديد الغيرة منكوبا بداء عضال، وهو بهذا المعنى يستحق الرثاء والمعونة، لأن سلوكه يعبر عن انعدام الثقة بالذات وبالآخر، والإحساس بالتهديد والخوف على فقدان المكانة والامتيازات، بوجود طرفٍ ثالثٍ قد يسترعي انتباه الشريك ويسلبه منا في نهاية الأمر.
الاعتراف بحالة الغيرة المرضية أول وسيلة للخلاص منها، أو ضبطها إلى حدود معقولة، لا تؤثر على علاقتنا الإنسانية، لأن قليلا من الغيرة هو محفز جميل يشبه، في أثره، إضافة قليل من التوابل والبهارات الحراقة إلى الطبق، لكي يصبح أطيب مذاقا.