25 اغسطس 2024
مجنون في مواجهة مدير السجن
حينما أفرغتْ سيارةُ "شرطة حفظ النظام" حمولتَها من المتظاهرين المعتقلين في باحة السجن المركزي، بدأ العناصر المكلفون باستقبال المعتقلين عملَهم بضرب هؤلاء على رؤوسهم وأجسادهم كيفما اتفق، وشرع المعتقلون يتحرّكون بسرعة فائقة إلى الأمام والخلف واليمين واليسار، بعكس الجهة التي يتلقى الواحدُ منهم الضربة، وكانت هذه القوى العمياء، المتعاكسة في الشدّة والاتجاه، كافيةً لدفع قسم من السجناء إلى تسلق السور المؤدي إلى سطح مستودع المحروقات، فاستطاع ثلاثةٌ منهم القفز إلى خارج السجن، ونزلوا بين البساتين، فعاجلهم الحراس المنتشرون على السطح بإطلاق وابل من الرصاص، فقتل منهم واحدٌ، وتمكّن الآخران من الفرار.
حينما وقف السيد نذير الدايخة، بعد حين، أمام مدير السجن، لاحظ المدير أنه مائلٌ في وقفته نحو اليمين، وثمة ابتسامةٌ غامضةٌ مرتسمة على وجهه، فسأله باستعلاء:
- وقف منيح ولاك حيوان، وسكر بوزك.
قال نذير: لا تؤاخذني سيدي، أنا لا أستطيع الوقوف بغير هذه الطريقة، لأن مفصل ساقي اليمنى متخرب، والساق اليمنى الآن أقصر من اليسرى، فإذا كنت مصرّاً على وقوفي بشكل متوازن، أرجو أن تضعوا تحت قدمي اليسرى قطعة من الورق المقوّى، أو القماش، وأما بالنسبة لبوزي فأنا أستطيع أن أسدّه، لأن سدّ البوز، كما تعلمون، عمل إرادي، وليكن في علمك أنني..
حمل الضابط "خرّازة الورق" من على الطاولة وقذف بها رأس نذير، وعلى نحو غريزي أبعد نذير رأسه، فذهبت باتجاه صورة للقائد بشار الأسد ونزلت في منطقة فمه، فأحدثت فيها فجوةً توحي لمن يراها أن فمه أكبر مما هو عليه في الواقع، وأنه يضحك ببلاهة.
قال نذير: لو أن سيادتك لم تغضب، وصبرت عليّ قليلاً لقلت لك كلاماً يفيدك، سيدي.
استبشر الضابط خيراً بهذه العبارة، وقال: شو؟ يعني عندك معلومات عن الإرهابيين؟ يلا ابني، قُلها وأنا مستعد أخلي سبيلك، وأبعثك إلى بيت والدك.
قال نذير: والدي أعطاكم عمره منذ زمن، ولكن الوالدة عايشة. في عائلتنا، سيدي، الرجال يموتون بشكل مبكّر، والنساء يعشن طويلاً، يعني أقل واحدة تعيش بعد زوجها عشرين سنة.
نفخ الضابط على نحو لا يكاد يرى، وقال له: طيب، أبعثك لعند أمك. أجبني عن سؤالي.
قال نذير: أريد أن أبلغك أن العناصر الذين يقفون لاستقبال المعتقلين في الخارج أغبياء، ويجهلون النظام العسكري، فهم ينفلتون من مكان استراحتهم، في لحظة وصول المعتقلين، مثل عش الدبابير، ويبدأون بالضرب. أنا غير معترضٍ على عملية الضرب بحد ذاتها، الضرب من حقهم سيدي، فمَنْ يخرج إلى الشارع مثل المجانين ويقول "أريد حرية" يجب أن يُضْرَب بالأحذية والبوابيج، ويجب أن يُعَذَّب حتى الموت، ولكن المشكلة الأساسية، برأيي، أن وقفتهم غلط، يجب أن يقفوا على شكل "مربع ناقص ضلع"، وأن يؤدّي الضلع المفتوح إلى الباب الداخلي، لأن الإنسان الذي يتلقى الضرب، بعيداً عنكم، لا يفكر بعقله، بل بردود الأفعال الغريزية، على عكس ما حصل في الباحة قبل قليل.
استدارت عينا الضابط من شدة الدهشة، وقال:
- ماذا حدث؟
قال نذير: استطاع اثنان من المساجين الهرب، عبر السطح الخاص بمستودع المحروقات، وما عادت قوةٌ على وجه الأرض قادرةً على استعادتهما، لأن الحمار، وهو حمار، يقع في الحفرة مرة واحدة ولا يعيدها، وأما بالنسبة للشخص الثالث الذي قتله الحراس فهو الأكثر حظاً بين المعتقلين الذين وقعوا في قبضة عناصر حفظ النظام، فقد نجا مما ذقناه، نحن الذين لم نحاول الهرب، وما سنذوقه خلال فترة الاعتقال التي نعرف نحن، وتعرفون أنتم متى بدأت. ولكن، لا يوجد أخو أخته على وجه الكرة الأرضية يعرف متى ستنتهي، وهل سنخرج من هنا وفينا أنفاسٌ تدخل وتخرج، أم سنُحمل، ونلقى خارج السجن مثل الخرق البالية.
حينما وقف السيد نذير الدايخة، بعد حين، أمام مدير السجن، لاحظ المدير أنه مائلٌ في وقفته نحو اليمين، وثمة ابتسامةٌ غامضةٌ مرتسمة على وجهه، فسأله باستعلاء:
- وقف منيح ولاك حيوان، وسكر بوزك.
قال نذير: لا تؤاخذني سيدي، أنا لا أستطيع الوقوف بغير هذه الطريقة، لأن مفصل ساقي اليمنى متخرب، والساق اليمنى الآن أقصر من اليسرى، فإذا كنت مصرّاً على وقوفي بشكل متوازن، أرجو أن تضعوا تحت قدمي اليسرى قطعة من الورق المقوّى، أو القماش، وأما بالنسبة لبوزي فأنا أستطيع أن أسدّه، لأن سدّ البوز، كما تعلمون، عمل إرادي، وليكن في علمك أنني..
حمل الضابط "خرّازة الورق" من على الطاولة وقذف بها رأس نذير، وعلى نحو غريزي أبعد نذير رأسه، فذهبت باتجاه صورة للقائد بشار الأسد ونزلت في منطقة فمه، فأحدثت فيها فجوةً توحي لمن يراها أن فمه أكبر مما هو عليه في الواقع، وأنه يضحك ببلاهة.
قال نذير: لو أن سيادتك لم تغضب، وصبرت عليّ قليلاً لقلت لك كلاماً يفيدك، سيدي.
استبشر الضابط خيراً بهذه العبارة، وقال: شو؟ يعني عندك معلومات عن الإرهابيين؟ يلا ابني، قُلها وأنا مستعد أخلي سبيلك، وأبعثك إلى بيت والدك.
قال نذير: والدي أعطاكم عمره منذ زمن، ولكن الوالدة عايشة. في عائلتنا، سيدي، الرجال يموتون بشكل مبكّر، والنساء يعشن طويلاً، يعني أقل واحدة تعيش بعد زوجها عشرين سنة.
نفخ الضابط على نحو لا يكاد يرى، وقال له: طيب، أبعثك لعند أمك. أجبني عن سؤالي.
قال نذير: أريد أن أبلغك أن العناصر الذين يقفون لاستقبال المعتقلين في الخارج أغبياء، ويجهلون النظام العسكري، فهم ينفلتون من مكان استراحتهم، في لحظة وصول المعتقلين، مثل عش الدبابير، ويبدأون بالضرب. أنا غير معترضٍ على عملية الضرب بحد ذاتها، الضرب من حقهم سيدي، فمَنْ يخرج إلى الشارع مثل المجانين ويقول "أريد حرية" يجب أن يُضْرَب بالأحذية والبوابيج، ويجب أن يُعَذَّب حتى الموت، ولكن المشكلة الأساسية، برأيي، أن وقفتهم غلط، يجب أن يقفوا على شكل "مربع ناقص ضلع"، وأن يؤدّي الضلع المفتوح إلى الباب الداخلي، لأن الإنسان الذي يتلقى الضرب، بعيداً عنكم، لا يفكر بعقله، بل بردود الأفعال الغريزية، على عكس ما حصل في الباحة قبل قليل.
استدارت عينا الضابط من شدة الدهشة، وقال:
- ماذا حدث؟
قال نذير: استطاع اثنان من المساجين الهرب، عبر السطح الخاص بمستودع المحروقات، وما عادت قوةٌ على وجه الأرض قادرةً على استعادتهما، لأن الحمار، وهو حمار، يقع في الحفرة مرة واحدة ولا يعيدها، وأما بالنسبة للشخص الثالث الذي قتله الحراس فهو الأكثر حظاً بين المعتقلين الذين وقعوا في قبضة عناصر حفظ النظام، فقد نجا مما ذقناه، نحن الذين لم نحاول الهرب، وما سنذوقه خلال فترة الاعتقال التي نعرف نحن، وتعرفون أنتم متى بدأت. ولكن، لا يوجد أخو أخته على وجه الكرة الأرضية يعرف متى ستنتهي، وهل سنخرج من هنا وفينا أنفاسٌ تدخل وتخرج، أم سنُحمل، ونلقى خارج السجن مثل الخرق البالية.