06 نوفمبر 2024
كنت جاسوساً لإسرائيل
نؤمن جميعاً بأن الخيانة لا تبرّر. ولكن، على الرغم من ذلك، علينا أن نبحث عن أسباب سقوط هؤلاء في وحل العمالة للاحتلال، علماً أن العمالة للمحتل أو العدو ظهرت وما زالت عبر التاريخ، وفي بلاد كثيرة، وليس في فلسطين وحدها التي ابتليت بالاحتلال الإسرائيلي، وكان لا بد من أن يعمد هذا الاحتلال إلى تجنيد العملاء من أجل مساعدته في تحقيق أهدافه، وقد استخدم كل الوسائل التي استطاع من خلالها تجنيدهم وإيقاعهم، فأثناء انتفاضة الحجارة، تم الكشف عن عملاء كثيرين في غزة، تمت تصفية معظمهم، حيث وصل عددهم إلى نحو 750 عميلا. ولكن، كيف تنوعت وتغيرت طريقة العدو في إسقاطهم؟ يقودنا هذا السؤال إلى دراسة تكوين المجتمع الفلسطيني، وإلى اكتشاف تنوع طرق الإسقاط، حسب التغيرات المجتمعية والسياسية، لأن طرق الإسقاط، في ثمانينيات القرن الماضي مثلاً وما قبلها، تركّزت في الإسقاط الأخلاقي للعميل، بابتزازه جنسياً عند وصوله إلى العمل داخل مناطق فلسطين المحتلة، حيث يتعرّض للإسقاط والتصوير والتهديد بفضحه أمام عائلته، ثم أصبحت طرق الإسقاط بمحاربة الفلسطيني في رزقه، فتم إسقاط تجار وأصحاب مصالح تضطرهم مصالحهم إلى التنقل من غزة والضفة الغربية باتجاه الداخل والاحتكاك بالأمن الإسرائيلي. وليس أخيراً، أصبحت طريقة الإسقاط الغالبة هي المساومة في السماح للفلسطيني بالعلاج في المشافي الإسرائيلية، بعد أن يحاول السفر من غزة، بحثاً عن علاجٍ لمرض مستعصٍ، سواء له أو لأحد أحبته.
وإن كانت الأسباب متعددة، إلا أن ذلك لا ينفي أن إصابة الحياة الشخصية للعميل في مقتل هي السبب الأول لبيع الشرف الوطني، فعلى سبيل المثال، التقى أحد الصحافيين في غزة بعائلةٍ غزية بائسة، تعاني من أوضاع صعبة، منها الوضع الصحي السيئ لأطفالها، وقد تحدّث جميع أفراد الأسرة أمام وسائل الإعلام، وتوسلوا وناشدوا المسؤولين، في حين أن أحد أفراد الأسرة رفض الحديث للإعلام، وتنحى جانباً ليكيل الشتائم للانقسام والفقر والحصار، وليكشف هذا الصحفي أن هذا الفرد أصبح عميلاً لإسرائيل، أي أن إسرائيل وجدت فيه لقمة سائغة لها ليصبح متعاوناً.
ينطبق الأمر نفسه على أقدم وأخطر عميلة للمخابرات الإسرائيلية (الموساد)، وهي الأردنية أمينة المفتي، والتي كرهت العرب بعد مقتل حبيبها اليهودي، حيث أسقطت طائرته في الأجواء السورية، فأصيبت بعدم الاتزان النفسي، فأضمرت الحقد لكل ما هو عربي، وقرّرت أن تكون عميلة لإسرائيل.
يأتي هذا الحديث عن خيانة الوطن في وقت تم الكشف عن قتلة أحد الأسرى المحرّرين في غزة، وهو مازن فقهاء، وقد أعلنت حركة حماس عن القبض على 45 عميلاً، في عمليةٍ نوعيةٍ للبحث عن قتلته، والحكم بإعدام ثلاثة منهم، باعتبارهم مسؤولين مباشرين عن الجريمة، وهروب الرابع إلى أحضان الاحتلال، وفي هروب هذا الرابع ملاحظة مهمة، هي أن إسرائيل عمدت لنشر صور هذا العميل في ربوع تل أبيب، لبث بعض الطمأنينة في نفوس عملائها النائمين في غزة وطمأنتهم، ولكن مؤكد أن أخبار هذا العميل سوف تنقطع، لأن إسرائيل سوف تعمد لتصفيته في أقرب وقت.
من يسقط في وحل العمالة والتجسّس يسلك طريقاً لا رجعة فيه، إلى درجة أنه قد يضحّي بأقرب الناس إليه، لكي لا ينفضح أمره، مثلما فعل العميل الهارب، حيث أوعز للاحتلال بقصف بيته، بعد أن كشفته زوجته، ولكن هذه الشخصية التي أصبحت "كرتاً محروقاً" بالنسبة للاحتلال، بعد افتضاح أمرها، تترك خلفها عائلة من زوجة وأبناء وبنات وأقارب، يدفعون الثمن باهظاً، وإن لم يتم احتواؤهم وعدم معاقبتهم بجرم أحدهم، فهم سيتحولون إلى ناقمين وكارهين للمجتمع الذي يعيش كارثة مركبة، ويسير نحو الهاوية. وعلينا ألا نفاجأ لو سلك أحدهم طريق الأب، أو الأخ العميل، لأنه سيكون قد وصل إلى مرحلة الكراهية للجميع من دون استثناء.