03 نوفمبر 2024
المساواة في الإرث.. مخاض تونسي جديد
لا يزال المخاض التونسي متواصلا، على الرغم من الصعوبات والتعقيدات التي تحف بتجربة الانتقال الديمقراطي، فبمناسبة ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية، أفصح الرئيس الباجي قايد السبسي عن رغبته في الدفع نحو تحقيق المساواة في الإرث بين الجنسين. ويُذكر أن هذه المسألة سبق أن فكر الحبيب بورقيبة في الإقدام عليها خلال حكمه، لكنه تراجع، عندما أدرك أن خطوة من هذا الحجم سابقة لأوانها.
يعتقد السبسي، اليوم، أن الأوضاع اختلفت وأصبحت مهيأة لهذا الأمر، فالمؤشرات الإحصائية التي أوردها في خطابه، أول من أمس الأحد، تكشف بوضوح المكانة الواسعة وغير المسبوقة التي أصبحت تحتلها النساء في مختلف المجالات. وهو ما جعل صاحبات الدخل منهن يساهمن في نفقات الأسرة بنسبة تقدر بـ 45%. لكن على الرغم من ذلك، لا يزال واقعها " يتميز بالحيف والظلم والتسلط والتمييز ". وهو ما يقتضي مواصلة تطوير التشريعات التونسية في اتجاه تحقيق المساواة "بما لا يتنافى في شيء مع تعاليم الإسلام السمحة، نصا وروحا"، منتقدا ما وصفها بـ "القراءة المتحجرة للنص القرآني".
لا يختلف اثنان في أن السبسي راغبٌ في أن تكون له بصمةٌ في عملية استكمال مسار إصلاحي بدأ منذ فترة طويلة، وتمحور خصوصا حول تحرير المرأة التونسية من قيود كثيرة كبلتها عبر التاريخ، وحالت دون أن تكون مساويةً للرجل في حقوقها، وشريكةً له في إدارة شؤون الأسرة والمجتمع والدولة. لكن الوحيد، من بين السلسلة الطويلة للإصلاحيين التونسيين الذي أثار مسألة المساواة في الإرث، كان الطاهر الحدّاد في كتابه "امرأتنا بين الشريعة والمجتمع"، وقد اضطهد بسبب هذا الكتاب، وجرّد من شهادته الزيتونية، وعزل اجتماعيا، ما عجل بوفاته في العام 1935، ولم يشارك في جنازته إلا نفر قليل، في حين غاب كثيرون بمن في ذلك بورقيبة الذي حرص، في تلك اللحظات، على أن يتجنب انتقادات الشارع المحافظ، وبقي ينتظر الفرصة، لكي يستثمر أفكار الحدّاد سياسيا بعد الاستقلال بأشهر معدودات.
تحتاج رغبة السبسي في تحقيق المساواة في الإرث وقتا يتم خلاله إعداد مشروع قانون، ويتطلب هذا المشروع مناقشة داخل البرلمان، والحصول على أغلبية الأعضاء. لكن في الأثناء، انطلق جدل سيتسع تدريجيا في صفوف التونسيين. لن يبقى أحد على الحياد، بالنظر إلى أهمية الموضوع وحساسيته. كان الأمر مؤجلا، حيث سبق أن سقط مشروع قدمه نواب حول المسألة نفسها، بسبب اعتراض زملائهم، (ومنهم نواب الجبهة الشعبية اليسارية) الذين اعتبروا مراجعة منظومة المواريث ليست من أولويات المرحلة.
في هذا السياق، تجد حركة النهضة نفسها أمام اختبار آخر أكثر صعوبةً وتعقيدا من مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء، الذي تم التصويت عليه بالإجماع قبل أيام، وشكل لبنة مهمةً ونوعية في مسار المحافظة على كرامة المرأة. فوجئ زعيم الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، بالمبادرة الجديدة التي أطلقها صديقه وحليفه الباجي قايد السبسي. وإذ بدأت قواعد "النهضة" تتململ، إلا أن الوقت لا يزال كفيلا بأن يمكّن الغنوشي من التوصل إلى بلورة موقف من الصعب التكهن بمضمونه، لكنه بالتأكيد سيحاول في هذا الموقف تجنب الاعتراض الصريح والمباشر على ما دعا إليه رئيس الدولة. وفي الآن نفسه، لا يستطيع الشيخ تجاهل الأوساط الدينية المحافظة داخل تونس وخارجها، والتي بدأ بعض مكوناتها يعتبر تغيير نظام الإرث "اعتداء صريحا على أحد أحكام الشريعة"، ففي الحالتين هناك مكاسب وخسائر.
إذا تجاوزنا المنطق الحسابي، وتم التعامل مع المسألة من منظور استراتيجي، فالمؤكد أن المسار الإصلاحي في تونس مرشّح لكي يستمر إلى أن يصل إلى أقصاه. فهو تراكمي، قد يقف عند نقطةٍ معينة، لكنه سرعان ما يستعيد ديناميكيته الداخلية، وإذ يرى بعضهم في خطاب السبسي مجرد مناورة سياسية، هدفها تغيير وجهة الرأي العام، إلا أن الأمر لن يخلو من تداعياتٍ سياسيةٍ ومجتمعية.
يعتقد السبسي، اليوم، أن الأوضاع اختلفت وأصبحت مهيأة لهذا الأمر، فالمؤشرات الإحصائية التي أوردها في خطابه، أول من أمس الأحد، تكشف بوضوح المكانة الواسعة وغير المسبوقة التي أصبحت تحتلها النساء في مختلف المجالات. وهو ما جعل صاحبات الدخل منهن يساهمن في نفقات الأسرة بنسبة تقدر بـ 45%. لكن على الرغم من ذلك، لا يزال واقعها " يتميز بالحيف والظلم والتسلط والتمييز ". وهو ما يقتضي مواصلة تطوير التشريعات التونسية في اتجاه تحقيق المساواة "بما لا يتنافى في شيء مع تعاليم الإسلام السمحة، نصا وروحا"، منتقدا ما وصفها بـ "القراءة المتحجرة للنص القرآني".
لا يختلف اثنان في أن السبسي راغبٌ في أن تكون له بصمةٌ في عملية استكمال مسار إصلاحي بدأ منذ فترة طويلة، وتمحور خصوصا حول تحرير المرأة التونسية من قيود كثيرة كبلتها عبر التاريخ، وحالت دون أن تكون مساويةً للرجل في حقوقها، وشريكةً له في إدارة شؤون الأسرة والمجتمع والدولة. لكن الوحيد، من بين السلسلة الطويلة للإصلاحيين التونسيين الذي أثار مسألة المساواة في الإرث، كان الطاهر الحدّاد في كتابه "امرأتنا بين الشريعة والمجتمع"، وقد اضطهد بسبب هذا الكتاب، وجرّد من شهادته الزيتونية، وعزل اجتماعيا، ما عجل بوفاته في العام 1935، ولم يشارك في جنازته إلا نفر قليل، في حين غاب كثيرون بمن في ذلك بورقيبة الذي حرص، في تلك اللحظات، على أن يتجنب انتقادات الشارع المحافظ، وبقي ينتظر الفرصة، لكي يستثمر أفكار الحدّاد سياسيا بعد الاستقلال بأشهر معدودات.
تحتاج رغبة السبسي في تحقيق المساواة في الإرث وقتا يتم خلاله إعداد مشروع قانون، ويتطلب هذا المشروع مناقشة داخل البرلمان، والحصول على أغلبية الأعضاء. لكن في الأثناء، انطلق جدل سيتسع تدريجيا في صفوف التونسيين. لن يبقى أحد على الحياد، بالنظر إلى أهمية الموضوع وحساسيته. كان الأمر مؤجلا، حيث سبق أن سقط مشروع قدمه نواب حول المسألة نفسها، بسبب اعتراض زملائهم، (ومنهم نواب الجبهة الشعبية اليسارية) الذين اعتبروا مراجعة منظومة المواريث ليست من أولويات المرحلة.
في هذا السياق، تجد حركة النهضة نفسها أمام اختبار آخر أكثر صعوبةً وتعقيدا من مشروع قانون مناهضة العنف ضد النساء، الذي تم التصويت عليه بالإجماع قبل أيام، وشكل لبنة مهمةً ونوعية في مسار المحافظة على كرامة المرأة. فوجئ زعيم الحركة، الشيخ راشد الغنوشي، بالمبادرة الجديدة التي أطلقها صديقه وحليفه الباجي قايد السبسي. وإذ بدأت قواعد "النهضة" تتململ، إلا أن الوقت لا يزال كفيلا بأن يمكّن الغنوشي من التوصل إلى بلورة موقف من الصعب التكهن بمضمونه، لكنه بالتأكيد سيحاول في هذا الموقف تجنب الاعتراض الصريح والمباشر على ما دعا إليه رئيس الدولة. وفي الآن نفسه، لا يستطيع الشيخ تجاهل الأوساط الدينية المحافظة داخل تونس وخارجها، والتي بدأ بعض مكوناتها يعتبر تغيير نظام الإرث "اعتداء صريحا على أحد أحكام الشريعة"، ففي الحالتين هناك مكاسب وخسائر.
إذا تجاوزنا المنطق الحسابي، وتم التعامل مع المسألة من منظور استراتيجي، فالمؤكد أن المسار الإصلاحي في تونس مرشّح لكي يستمر إلى أن يصل إلى أقصاه. فهو تراكمي، قد يقف عند نقطةٍ معينة، لكنه سرعان ما يستعيد ديناميكيته الداخلية، وإذ يرى بعضهم في خطاب السبسي مجرد مناورة سياسية، هدفها تغيير وجهة الرأي العام، إلا أن الأمر لن يخلو من تداعياتٍ سياسيةٍ ومجتمعية.