07 نوفمبر 2024
الإسلام السياسي والعلمانية
تردّد، بعد انفجارات الربيع العربي ووصول بعض تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة، أن ما يقع اليوم في المجتمعات العربية سيساهم في وضع العلمانية والخيار السياسي العلماني أمام اختبار تاريخي، نفتقده في العادة عندما نفكّر فيها نظرياً، حيث نستعين بمعطياتٍ تاريخيةٍ وسياسية، مستمدة من تاريخ آخر مختلف عن تاريخنا، تشرطه معتقدات وأنظمة سياسية مختلفة عن معتقداتنا وأنظمتنا. وعلى الرغم من أننا لا نتفق مع هذا الرأي، لاعتماده على تصوُّرٍ لا يعي أهمية العناية بالعام والمشترك بين التواريخ والعقائد والمجتمعات، وهو تصوُّر يستند، في الأغلب، إلى جملة من التصوُّرات القطعية المعادية للتاريخ.
نتجه إلى فحص الحكم الذي يعتبر أن وصول الإسلاميين إلى السلطة يمكن أن يساهم في تعديل جوانب من تصوُّرنا لما هو نظري وعام في العلمانية في التاريخ. ومن الواضح أن هذا الحكم يستوعب الإقرار بإمكانية حصول تطوُّرٍ في منظومة الإسلام السياسي العقائدية والسياسية، بسبب التحوُّلات العديدة الجارية في المجتمع. ومن المؤكد أنهم سيتعلمون من فعل ممارسة السلطة التنفيذية ما يمكن أن يساعدهم في عملية تطوير مواقفهم من القضايا السياسية والتاريخية.
تضعنا متابعة ما جرى ويجري في تونس والمغرب، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أمام معطياتٍ لا تهيئ لنوعية الحكم الذي يتضمنه التصوُّر الذي نحن بصدده. وإذا كان مؤكّداً أن التحوُّلات الحاصلة، في مجتمعات عربية كثيرة، أبرزت كفاءة تنظيمات أحزاب الإسلام السياسي في تعبئة كثير من مكوِّنات مجتمعاتنا، كما أظهرت براغماتية واضحة في جوانب عديدة من خياراتها السياسية، في الاقتصاد والثقافة والمجتمع، إلا أن نظامها العقائدي وتقاليدها في العمل تكشف استمرار هيمنة منطقها العقائدي المغلق، مع الحرص على إبداء مرونةٍ محسوبةٍ بعناية.
نتبيّن بعض عناصر ما نحن بصدد توضيحه، في حصر مهمة الوافدين الجدد في حدودٍ معينة، مقابل منح الشيوخ مكانة خاصة، إن لم تكن استثنائية، على الرغم من ادِّعائهم أن القوانين
والقواعد التنظيمية للحزب هي المعيار المحدَّد لطبيعة عملهم السياسي والمؤسسي، على الرغم من كل مظاهر التنوُّع الحاصل في المكوِّنات الجديدة لأجسام الإسلام السياسي.
يُضَيِّق استمرار حضور الزعامات التاريخية لهذه الحركات وتأثيرها، هامش الفعل والمبادرة على الأطر الشابة، حيث لم يبرح أفرادها صفة الفاعل التابع، أو الفاعل الصامت، أو الفاعل الذي قَدَّر حدسياً أن دورة الإسلام السياسي قادمة، فانخرط بحثاً عن مغانم ومزايا آنية. وهذه المسألة واضحة في أذهان وافدين كثيرين، مثل وضوحها في وعي الشيوخ المؤسسين.
في مقابل ذلك، حرصت الأحزاب الليبرالية واليسارية على معاينة صور التحوُّل المفترضة في مواقف تيارات الإسلام السياسي وخياراته، على الرغم من اقتناع أغلب المنتمين لها بعدم قدرة الإسلاميين على التخلي عن أجنحتهم الدعوية، ومختلف تنظيمات العمل الخيري التي تعزف معهم المعزوفة نفسها، من زوايا أخرى، حيث تختلط المواقع، وتلتقي في النهاية للقيام بأدوار متكاملة. نتبين ملامح هذا الأمر بصورةٍ واضحةٍ في التجربتين، المغربية والتونسية، وبصورة لا تَقِيَّة فيها ولا إنكار. ويبرز هذا في كثير من صور التلفيق في مواقفهما السياسية، وفي صور مواجهتهما التحديات الحاصلة في المجتمع، فلا يجد حزبا النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب أي حرج في إعلانهما اعتمادهما معاً المرجعية الإسلامية، لتعزيز المواقف والخيارات الموجهة لأعمالهما السياسية.
لا يمكن أن ندرج أشكال الحوار التي تمت بين تيارات الإسلام السياسي والتيارات الليبرالية
واليسارية في باب التمهيد لبناء تحوُّلات في النظر، تُفْضِي إلى زحزحة ما هو متداول من أحكام ومواقف قطعية، في موضوع العلمانية بين مختلف هذه الأطراف، وذلك على الرغم من التغير الحاصل في شروط كثيرة مؤطرة لأنظمة الفكر والعمل السياسيين، في المجتمعات العربية بعد انفجارات 2011.
يواصل الإسلاميون في المغرب وتونس تَحَصُّنَهُم بأجنحتهم الدعوية، كما يواصلون اعتمادهم، في الفكر والممارسة، على نوع من التوظيف الشعبوي للدين في مجمل مواقفهم، وهم يحرصون أيضاً على ترسيخ نوعٍ من الأبوية التي تُقَلِّل من قيمة تطلعات الشباب، وسعيهم إلى المشاركة الفاعلة في بنية التنظيمات التي استوعبت وَهجَهُمْ، وحرصت على إطفائه بآليات المحافظة في العمل واللغة والثقافة. أما حربائية الأجنحة التي ركبت موجة الإسلام السياسي، وحاولت، في الوقت نفسه، التغنّي بالحداثة والتحديث، فقد تَمّ وضع سقفٍ يؤهلها للفعل والمبادرة ضمن حدود مرسومة..
وبناءً على ما سبق، نفترض أن التحوُّل الهادف إلى تجاوز الأحكام المهيمنة على فكر تيارات الإسلام السياسي من العلمانية لا يمكن أن يحصل من دون تحوُّل عام، يشمل كل تيارات المشهد الحزبي في المجتمعات العربية، كما يشمل مواقف الدولة العربية من الدين، ومن مختلف صور الاستخدام الذي تمارسه لتوظيفه، في المدرسة والمسجد وفي وسائل الإعلام.. ذلك أن التوقف عن استغلال الدين في الشأن العام مسألة أكبر من تيارات الإسلام السياسي.
نتجه إلى فحص الحكم الذي يعتبر أن وصول الإسلاميين إلى السلطة يمكن أن يساهم في تعديل جوانب من تصوُّرنا لما هو نظري وعام في العلمانية في التاريخ. ومن الواضح أن هذا الحكم يستوعب الإقرار بإمكانية حصول تطوُّرٍ في منظومة الإسلام السياسي العقائدية والسياسية، بسبب التحوُّلات العديدة الجارية في المجتمع. ومن المؤكد أنهم سيتعلمون من فعل ممارسة السلطة التنفيذية ما يمكن أن يساعدهم في عملية تطوير مواقفهم من القضايا السياسية والتاريخية.
تضعنا متابعة ما جرى ويجري في تونس والمغرب، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أمام معطياتٍ لا تهيئ لنوعية الحكم الذي يتضمنه التصوُّر الذي نحن بصدده. وإذا كان مؤكّداً أن التحوُّلات الحاصلة، في مجتمعات عربية كثيرة، أبرزت كفاءة تنظيمات أحزاب الإسلام السياسي في تعبئة كثير من مكوِّنات مجتمعاتنا، كما أظهرت براغماتية واضحة في جوانب عديدة من خياراتها السياسية، في الاقتصاد والثقافة والمجتمع، إلا أن نظامها العقائدي وتقاليدها في العمل تكشف استمرار هيمنة منطقها العقائدي المغلق، مع الحرص على إبداء مرونةٍ محسوبةٍ بعناية.
نتبيّن بعض عناصر ما نحن بصدد توضيحه، في حصر مهمة الوافدين الجدد في حدودٍ معينة، مقابل منح الشيوخ مكانة خاصة، إن لم تكن استثنائية، على الرغم من ادِّعائهم أن القوانين
يُضَيِّق استمرار حضور الزعامات التاريخية لهذه الحركات وتأثيرها، هامش الفعل والمبادرة على الأطر الشابة، حيث لم يبرح أفرادها صفة الفاعل التابع، أو الفاعل الصامت، أو الفاعل الذي قَدَّر حدسياً أن دورة الإسلام السياسي قادمة، فانخرط بحثاً عن مغانم ومزايا آنية. وهذه المسألة واضحة في أذهان وافدين كثيرين، مثل وضوحها في وعي الشيوخ المؤسسين.
في مقابل ذلك، حرصت الأحزاب الليبرالية واليسارية على معاينة صور التحوُّل المفترضة في مواقف تيارات الإسلام السياسي وخياراته، على الرغم من اقتناع أغلب المنتمين لها بعدم قدرة الإسلاميين على التخلي عن أجنحتهم الدعوية، ومختلف تنظيمات العمل الخيري التي تعزف معهم المعزوفة نفسها، من زوايا أخرى، حيث تختلط المواقع، وتلتقي في النهاية للقيام بأدوار متكاملة. نتبين ملامح هذا الأمر بصورةٍ واضحةٍ في التجربتين، المغربية والتونسية، وبصورة لا تَقِيَّة فيها ولا إنكار. ويبرز هذا في كثير من صور التلفيق في مواقفهما السياسية، وفي صور مواجهتهما التحديات الحاصلة في المجتمع، فلا يجد حزبا النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب أي حرج في إعلانهما اعتمادهما معاً المرجعية الإسلامية، لتعزيز المواقف والخيارات الموجهة لأعمالهما السياسية.
لا يمكن أن ندرج أشكال الحوار التي تمت بين تيارات الإسلام السياسي والتيارات الليبرالية
يواصل الإسلاميون في المغرب وتونس تَحَصُّنَهُم بأجنحتهم الدعوية، كما يواصلون اعتمادهم، في الفكر والممارسة، على نوع من التوظيف الشعبوي للدين في مجمل مواقفهم، وهم يحرصون أيضاً على ترسيخ نوعٍ من الأبوية التي تُقَلِّل من قيمة تطلعات الشباب، وسعيهم إلى المشاركة الفاعلة في بنية التنظيمات التي استوعبت وَهجَهُمْ، وحرصت على إطفائه بآليات المحافظة في العمل واللغة والثقافة. أما حربائية الأجنحة التي ركبت موجة الإسلام السياسي، وحاولت، في الوقت نفسه، التغنّي بالحداثة والتحديث، فقد تَمّ وضع سقفٍ يؤهلها للفعل والمبادرة ضمن حدود مرسومة..
وبناءً على ما سبق، نفترض أن التحوُّل الهادف إلى تجاوز الأحكام المهيمنة على فكر تيارات الإسلام السياسي من العلمانية لا يمكن أن يحصل من دون تحوُّل عام، يشمل كل تيارات المشهد الحزبي في المجتمعات العربية، كما يشمل مواقف الدولة العربية من الدين، ومن مختلف صور الاستخدام الذي تمارسه لتوظيفه، في المدرسة والمسجد وفي وسائل الإعلام.. ذلك أن التوقف عن استغلال الدين في الشأن العام مسألة أكبر من تيارات الإسلام السياسي.