03 يوليو 2019
لماذا هذا الانشغال بقضية خاشقجي؟
حتى قبل أن يُلقي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خطابه عما صارت تسمى جريمة القنصلية، أو "المقصلية" إن جاز تغليب دلالات الفعلة الشنيعة على قواعد التصريف اللغوي، كانت قصة مقتل الصحافي المغدور، جمال خاشقجي، قد حولته أيقونةً يقف "العالم الحر" إزاءها عاري الضمير، ليجيب على سؤال واحد بسيط، وحادّ، ويصعب الإفلات منه؛ هل قِيمُ حقوق الإنسان أم دولارات بيع السلاح هي الأهم في العلاقة مع نظام سياسي عربي، أثبت بالبرهان ما ظل يقال دوماً عن تماثله مع تنظيمات التطرّف الديني المولودة أصلاً من رحم نهجه السياسي، ونموذجاها الأبرز "داعش" و"القاعدة"؟
صحيح أن ذاك سؤال ليس جديدا، بل سبق أن ارتسم، على مدى سنوات وعقود خلت، بدم ملايين السوريين والفلسطينيين والعراقيين واليمنيين والمصريين المذبوحين بسكاكين أنظمة حُكْم تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية عموماً، أو تغض النظر عن جرائمها، لاعتباراتٍ مصلحية، وصحيح أيضاً أن إسرائيل، وهي أصل الداء المستشري في هذه المنطقة من العالم، قد استطاعت إسكات ضميره على كل الآثام المرتبطة بأهدافها، في فلسطين، وفي جوارها العربي، بيد أن جريمة نظام آل سعود بدت أشدَّ إلحاحاً في انتزاع جواب العالم على ما تبقّى من إنسانيته، لأنها حظيت بعوامل موضوعية إضافية، ندر أن حظيت بما يُشبهها، في تاريخ العرب المعاصر، عملية قتل فردٍ، أو حتى مذبحة جماعية.
وبدءاً من الولايات المتحدة التي كان الرجل قد اختارها منفىً اختيارياً بعد صعود محمد بن سلمان، نجل الملك السعودي، إلى منصب ولاية العهد، يمكن أن نرى كيف تحوّلت قضية مقتله إلى قضية داخلية أميركية، تحظى باهتمام النخب السياسية، ومعها كل فئات المجتمع؛ هنا صحيفة واشنطن بوست العريقة التي يوثق التاريخ اضطلاعها بكشف فضيحة ووتر غيت، وإسهامها الأساسي في إسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1974، تتبنّى على نحو صارم قضية خاشقجي بوصفه صار منذ سنة أحد كُتابها، وعلى خطوِها تخطو الصحافة الأميركية والعالمية، لتضع الكونغرس والرئيس دونالد ترمب شخصياً أمام حرج اختيار الانتصار لما يسمّونها القيم الأميركية أو التواطؤ مع من ظل يقول دوماً إنهم يدفعون المال الوفير لخزينة بلاده نظير حمايتهم.
وقد كان من شأن ارتكاب الجريمة في مقر دبلوماسي أن شَكَلَّ سابقةً غير قابلةٍ للتصديق ابتداء، ثم جاءت التسريبات المروّعة عن كيفية قتل وتقطيع جسد الصحافي الذي لم يقدّم نفسه معارضاً للنظام السعودي في أي يوم، كي تكشف وجه عصابة حاكمة تعاقب بالموت الشنيع كل من يمتنع عن التصفيق لها، بعدما كان الرأي العام العالمي قد صدَّق مزاعمها عن نفسها قيادةً شابةً ومتحضرةً، تسعى إلى تحديث وتطوير المملكة التي لا تزال غاطسة في عصور الظلام.
لكن ذلك كله ما كان له أن يؤلب عشرات الملايين من الأشقاء العرب على القيادة السعودية، لولا أنهم رأوا في فعلتها نموذجاً فاضحاً يختزل ما ارتكبه حُكَّامهم بدعم منها. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تولت الرياض، ومعها أبو ظبي، دعم الثورات المضادّة لحراك الشعوب العربية في سبيل حريتها، وموّلت مرتكبي الانقلابات والمذابح في مصر وليبيا، كما دمّرت اليمن على رؤوس أهله، ثم أشعلت نار الفتنة بين بلدان الخليج، ناهيك عمّا بات معروفاً أو معلناً في ما يتعلق بتواطئها مع إسرائيل وأميركا، لتصفية القضية الفلسطينية في مقابل تسهيل صعود ابن سلمان إلى عرش بلاده.
خاطئ السؤال، والحال هذه، عن سبب انشغال البشرية جمعاء، وبضمنها العرب، في مقتل شخص واحد، بينما تتعرّض شعوب بأكملها للذبح والتهجير والإبادة. أصبح خاشقجي أيقونة تُمَثِّلُ ملايين المواطنين الضحايا، وبات ابن سلمان نموذجاً يُمَثِّلُ مئات الحُكًّام المجرمين، وما من خيار لأحدٍ سوى الانحياز لواحد منهما، في تعبيره عن إنسانيته أو وحشيته.
صحيح أن ذاك سؤال ليس جديدا، بل سبق أن ارتسم، على مدى سنوات وعقود خلت، بدم ملايين السوريين والفلسطينيين والعراقيين واليمنيين والمصريين المذبوحين بسكاكين أنظمة حُكْم تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية عموماً، أو تغض النظر عن جرائمها، لاعتباراتٍ مصلحية، وصحيح أيضاً أن إسرائيل، وهي أصل الداء المستشري في هذه المنطقة من العالم، قد استطاعت إسكات ضميره على كل الآثام المرتبطة بأهدافها، في فلسطين، وفي جوارها العربي، بيد أن جريمة نظام آل سعود بدت أشدَّ إلحاحاً في انتزاع جواب العالم على ما تبقّى من إنسانيته، لأنها حظيت بعوامل موضوعية إضافية، ندر أن حظيت بما يُشبهها، في تاريخ العرب المعاصر، عملية قتل فردٍ، أو حتى مذبحة جماعية.
وبدءاً من الولايات المتحدة التي كان الرجل قد اختارها منفىً اختيارياً بعد صعود محمد بن سلمان، نجل الملك السعودي، إلى منصب ولاية العهد، يمكن أن نرى كيف تحوّلت قضية مقتله إلى قضية داخلية أميركية، تحظى باهتمام النخب السياسية، ومعها كل فئات المجتمع؛ هنا صحيفة واشنطن بوست العريقة التي يوثق التاريخ اضطلاعها بكشف فضيحة ووتر غيت، وإسهامها الأساسي في إسقاط الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1974، تتبنّى على نحو صارم قضية خاشقجي بوصفه صار منذ سنة أحد كُتابها، وعلى خطوِها تخطو الصحافة الأميركية والعالمية، لتضع الكونغرس والرئيس دونالد ترمب شخصياً أمام حرج اختيار الانتصار لما يسمّونها القيم الأميركية أو التواطؤ مع من ظل يقول دوماً إنهم يدفعون المال الوفير لخزينة بلاده نظير حمايتهم.
وقد كان من شأن ارتكاب الجريمة في مقر دبلوماسي أن شَكَلَّ سابقةً غير قابلةٍ للتصديق ابتداء، ثم جاءت التسريبات المروّعة عن كيفية قتل وتقطيع جسد الصحافي الذي لم يقدّم نفسه معارضاً للنظام السعودي في أي يوم، كي تكشف وجه عصابة حاكمة تعاقب بالموت الشنيع كل من يمتنع عن التصفيق لها، بعدما كان الرأي العام العالمي قد صدَّق مزاعمها عن نفسها قيادةً شابةً ومتحضرةً، تسعى إلى تحديث وتطوير المملكة التي لا تزال غاطسة في عصور الظلام.
لكن ذلك كله ما كان له أن يؤلب عشرات الملايين من الأشقاء العرب على القيادة السعودية، لولا أنهم رأوا في فعلتها نموذجاً فاضحاً يختزل ما ارتكبه حُكَّامهم بدعم منها. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تولت الرياض، ومعها أبو ظبي، دعم الثورات المضادّة لحراك الشعوب العربية في سبيل حريتها، وموّلت مرتكبي الانقلابات والمذابح في مصر وليبيا، كما دمّرت اليمن على رؤوس أهله، ثم أشعلت نار الفتنة بين بلدان الخليج، ناهيك عمّا بات معروفاً أو معلناً في ما يتعلق بتواطئها مع إسرائيل وأميركا، لتصفية القضية الفلسطينية في مقابل تسهيل صعود ابن سلمان إلى عرش بلاده.
خاطئ السؤال، والحال هذه، عن سبب انشغال البشرية جمعاء، وبضمنها العرب، في مقتل شخص واحد، بينما تتعرّض شعوب بأكملها للذبح والتهجير والإبادة. أصبح خاشقجي أيقونة تُمَثِّلُ ملايين المواطنين الضحايا، وبات ابن سلمان نموذجاً يُمَثِّلُ مئات الحُكًّام المجرمين، وما من خيار لأحدٍ سوى الانحياز لواحد منهما، في تعبيره عن إنسانيته أو وحشيته.