11 ابريل 2024
نازحو عفرين مادة للمغالبة والتنافس
تسبّب السقوط السريع والمريب لمركز مدينة عفرين في شمال سورية من دون مقاومة تذكر، وفرار المقاتلين الأكراد منها، بعد أن سدّت المنافذ المتبقية على السكان العالقين في المناطق السكنية المحاصرة، بحالة صدمة للمدنيين الذي علقوا تحت ظلال بنادق الجيش السوري الحر ودبابات الجيش التركي، الأمر الذي أربك الباقين في المدينة، إلّا أن الإرباك تجاوز هذه الكتلة المقيمة، ليطاول النازحين والفارين من أتون المعارك، والذين تجاوز عددهم 300 ألف، مشتتين في الريف الشمالي لحلب، الواقع تحت سيطرة قوات النظام، ومدينتي نبّل والزهراء الملاصقتين لعفرين، وقد بات الغموض يلفّ مسألة عودتهم، لتتحوّل مسألة العودة مادة للمغالبة والتنافس السياسيّ الكردي – الكردي.
صرّح مسؤولون في حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) إن عودة النازحين تعني إضفاء الشرعيّة على عمليّة الاحتلال، وألمحوا إلى أن العودة تعني أن يصبح هؤلاء المدنيون مادّة لانتقامات الجيش الحر، عبر إذلالهم واعتقالهم، بذريعة انتمائهم لوحدات حماية الشعب. ولعل وجهة النظر هذه، المعطوفة على مخاوف مشروعة، يبديها حزب الاتحاد الديمقراطي، تجد صورتها الأولى في ارتكابات الجيش الحر وانتهاكاته، والتي بثّت عبر الأثير لحظة سيطرتهم على عفرين. ولعلّ وجهة النظر هذه تخفي شيئاً مما يريد الاتحاد الديمقراطي قوله، وهو احتمال تقبّل العائدين إلى ديارهم وقراهم ومدنهم فكرة التكيّف مع الأمر الواقع الجديد، وبالتالي التطبيع مع التركيّ، ما سيعني تبدّد الحاضنة الشعبيّة لهذا الحزب ومقاتليه.
في إزاء وجهة النظر المتخوّفة هذه، ثمّة وجهة نظر مغايرة، يعبّر عنها بعض ممثلي الأحزاب
الكرديّة الأخرى، سيّما المنضوية تحت مظلّة الائتلاف، يؤيدهم في ذلك نشطاء أكراد عديدون، حيث الدعوة إلى العودة السريعة للمهجّرين إلى قراهم ومدنهم، بالنظر إلى التخوّف من تحوّل موضوع النازحين والمهجّرين إلى مأساة مستدامة، في ظل رغبة تركيّة مضمرة في التغيير الديمغرافيّ للمنطقة الكردية. وبالتالي فإن القبول بأهون الشرّين، وهو شرُّ العودة، بما تحويه من عنصر المغامرة، على شر البقاء خارج المنطقة والشتات داخل سوريّة وخارجها. بالتالي، فإن القبول بالاحتلال التركي والجيش الحر أفضل ما يمكن أن يحصل في ظل غموض المواقف الدوليّة، وعدم توفر أدنى إمكانية لإخراج الأتراك بالوسائل العسكريّة أو السياسيّة.
المواقف الدولية، لا سيّما الأوروبيّة منها، كالموقفين الألمانيّ والفرنسيّ، كانت بليغة لجهة الخشية المعلنة على مصير المهجّرين، والمخاوف المتصلة بإجراء تغييرات تطاول التركيبة السكانية، واستقدام لاجئين سوريين، وإحلالهم مكان المواطنين الأكراد، إلّا أن هذه المواقف الغربيّة لا تكاد تسمن من جوع، في غياب أدوات تلزم تركيا على التعامل مع المدنيين، على اعتبارها باتت تمثّل اليوم سلطة احتلال موصوف، تترتّب عليها واجبات والتزامات قانونية إزاء الواقعين تحت سلطة احتلالها. إلى ذلك، غاب الصوت الروسي في هذا المجال، وهو غياب متعمّد يمالئ التركي، وفقاً لصفقةٍ يجري الحديث عنها بين الأتراك والروس، من دون معرفة بنودها وحدود تطبيقها. بالإضافة إلى ذلك، ثمّة غياب لأي مبادرةٍ أو صوت أميركي متفاعل مع الملّفات التي أفرزتها عمليّة غصن الزيتون، خصوصاً مسألة النازحين. وإن دلّ هذا الأمر على شيء، فإنه يدلّ على عدم رغبة أميركا في الخوض في تفاصيل تزيد من تعقيد العلاقة التركية الأميركية المرتبكة أصلاً.
لا تملك وحدات حماية الشعب الكردية خطاباً متماسكاً في ما خصّ مسألة المهجّرين والنازحين، كما لا تمتلك الأطراف الكردية الأخرى إمكانات طمأنة الجموع النازحة، في ظل سوء
الأوضاع التي تحيط بهم، إلّا أن الظاهر من هذا السجال الكردي الداخلي هو خشية من تحوّل موضوع النازحين إلى مادّةٍ للتنافس والمغالبة، من دون أن يكون هناك حل منطقي، يفضي إلى عودة آمنة، يزيد الطين بللاً في درب الراغبين بالعودة هو عدم إيلاء تركيا أدنى اهتمام لمصير الفارّين من المعارك، ما يجعل من ملف النازحين والمهجّرين أحد إفرازات الحرب السوريّة الذي لن يجد طريقه إلى الحل، من دون حل بقيّة الملفّات العالقة. وبالتالي، قد يبقى هذا "التفصيل" الكبير رهين حل المسألة السوريّة برمتها.
قصارى القول، دخل الأكراد إلى معترك النزوح الداخلي والتهجير، مرغمين أسوة ببقية السوريين الذين تجرّعوا من الكأس نفسه، فبعد أن نجح الأكراد في توفير سياسة توفّر الحد الأدنى من الاستقرار، ها هم الآن يتشابهون مع أبناء المناطق المنكوبة، فهل يهتمّ الناس الآن للمشاريع الكبرى، كالفيدراليّة ووصل المناطق الكردية ببعضها، أم أن فقه الضرورة والواقع سيفرض إيقاعه، المتمثّل بالعودة إلى الديار، والتكيّف مع التركيّ في احتلاله، والحفاظ على الوجود في هذه المرحلة؟
في الغالب الأعم، سيختار الناس البقاء والعودة، أيّاً كانت السلطة الحاكمة، عوضاً عن السعي نحو المشاريع المتعبة والمكلفة. وفي ذلك عذر للناس وإمكاناتهم. وعليه، سيبقى التنافس والمغالبة بين الأطراف الكردية بشأن موضوع العودة، فيما ستكون الكلمة الفصل للنازحين.
صرّح مسؤولون في حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) إن عودة النازحين تعني إضفاء الشرعيّة على عمليّة الاحتلال، وألمحوا إلى أن العودة تعني أن يصبح هؤلاء المدنيون مادّة لانتقامات الجيش الحر، عبر إذلالهم واعتقالهم، بذريعة انتمائهم لوحدات حماية الشعب. ولعل وجهة النظر هذه، المعطوفة على مخاوف مشروعة، يبديها حزب الاتحاد الديمقراطي، تجد صورتها الأولى في ارتكابات الجيش الحر وانتهاكاته، والتي بثّت عبر الأثير لحظة سيطرتهم على عفرين. ولعلّ وجهة النظر هذه تخفي شيئاً مما يريد الاتحاد الديمقراطي قوله، وهو احتمال تقبّل العائدين إلى ديارهم وقراهم ومدنهم فكرة التكيّف مع الأمر الواقع الجديد، وبالتالي التطبيع مع التركيّ، ما سيعني تبدّد الحاضنة الشعبيّة لهذا الحزب ومقاتليه.
في إزاء وجهة النظر المتخوّفة هذه، ثمّة وجهة نظر مغايرة، يعبّر عنها بعض ممثلي الأحزاب
المواقف الدولية، لا سيّما الأوروبيّة منها، كالموقفين الألمانيّ والفرنسيّ، كانت بليغة لجهة الخشية المعلنة على مصير المهجّرين، والمخاوف المتصلة بإجراء تغييرات تطاول التركيبة السكانية، واستقدام لاجئين سوريين، وإحلالهم مكان المواطنين الأكراد، إلّا أن هذه المواقف الغربيّة لا تكاد تسمن من جوع، في غياب أدوات تلزم تركيا على التعامل مع المدنيين، على اعتبارها باتت تمثّل اليوم سلطة احتلال موصوف، تترتّب عليها واجبات والتزامات قانونية إزاء الواقعين تحت سلطة احتلالها. إلى ذلك، غاب الصوت الروسي في هذا المجال، وهو غياب متعمّد يمالئ التركي، وفقاً لصفقةٍ يجري الحديث عنها بين الأتراك والروس، من دون معرفة بنودها وحدود تطبيقها. بالإضافة إلى ذلك، ثمّة غياب لأي مبادرةٍ أو صوت أميركي متفاعل مع الملّفات التي أفرزتها عمليّة غصن الزيتون، خصوصاً مسألة النازحين. وإن دلّ هذا الأمر على شيء، فإنه يدلّ على عدم رغبة أميركا في الخوض في تفاصيل تزيد من تعقيد العلاقة التركية الأميركية المرتبكة أصلاً.
لا تملك وحدات حماية الشعب الكردية خطاباً متماسكاً في ما خصّ مسألة المهجّرين والنازحين، كما لا تمتلك الأطراف الكردية الأخرى إمكانات طمأنة الجموع النازحة، في ظل سوء
قصارى القول، دخل الأكراد إلى معترك النزوح الداخلي والتهجير، مرغمين أسوة ببقية السوريين الذين تجرّعوا من الكأس نفسه، فبعد أن نجح الأكراد في توفير سياسة توفّر الحد الأدنى من الاستقرار، ها هم الآن يتشابهون مع أبناء المناطق المنكوبة، فهل يهتمّ الناس الآن للمشاريع الكبرى، كالفيدراليّة ووصل المناطق الكردية ببعضها، أم أن فقه الضرورة والواقع سيفرض إيقاعه، المتمثّل بالعودة إلى الديار، والتكيّف مع التركيّ في احتلاله، والحفاظ على الوجود في هذه المرحلة؟
في الغالب الأعم، سيختار الناس البقاء والعودة، أيّاً كانت السلطة الحاكمة، عوضاً عن السعي نحو المشاريع المتعبة والمكلفة. وفي ذلك عذر للناس وإمكاناتهم. وعليه، سيبقى التنافس والمغالبة بين الأطراف الكردية بشأن موضوع العودة، فيما ستكون الكلمة الفصل للنازحين.
دلالات
مقالات أخرى
19 فبراير 2023
10 ابريل 2022
17 فبراير 2022