10 نوفمبر 2024
الأردن ودرعا و"السيناريو المرعب"
أصبحت في حالة "موت سريري" اتفاقية وقف التصعيد التي عمل عليها الأردن، منذ العام الماضي، ودفع باتجاه اتفاقية روسية أميركية، وقبل ذلك الهدنة العسكرية، في الجنوب السوري، بتفاهمات أردنية روسية منذ ثلاثة أعوام تقريباً.
الرهانات الأردنية اليوم على المحكّ في درعا، بعدما تبيّن أنّ استدامة الوضع الحالي غير ممكنة، وبالتالي طوّرت الدبلوماسية الأردنية مفهوم "سيناريو المصالحات" بديلا عن الوضع الراهن، وهو يقوم على عودة "الدولة السورية" إلى الجنوب، وفتح معبر نصيب، وعودة متدرّجة للجنوب الغربي إلى الدولة، بإشرافٍ دولي روسي، وهو مخططٌ أطلق عليه تقريرٌ لمجموعة الأزمات الدولية أخيرا مصطلح "العودة الرقيقة".
في الأثناء، تمّ تسريب رسالة من الخارجية الأميركية إلى المعارضة السورية المسلّحة في درعا، تخبرهم بلغة صريحة، بأنّهم خارج "التغطية الأميركية"، وأنّ أي رهاناتٍ على تدخل عسكري أميركي خاطئة، وعليهم أن يعلموا بأنّهم وحدهم، عليهم أن يقرّروا مصيرهم ومصير عائلاتهم.
أردنيّاً وأميركياً وإسرائيلياً (مصالح الأطراف الإقليمية والدولية)، هنالك شروط مرتبطة بإيران بدرجة رئيسة، تتمثّل بعدم اقترابها من الحدود الدولية، وإخراج المليشيات الطائفية التابعة لها، والاقتصار على الجيش السوري، وهو الأمر الذي يعمل الروس على مراعاته، لأنّهم حريصون على عدم الوصول إلى نقطة تحوّل Tipping Point، تؤدي إلى انفجار صراع إقليمي في الجنوب، بين إيران وإسرائيل، يفتح الباب على سيناريوهاتٍ تتجاوز المعادلة السورية، وتقضي على "الإنجازات" التي يرى الروس أنّها تحققت من خلال سيطرة النظام على مناطق عديدة في سورية.
هذه "الشروط الإقليمية" التي تراعي فقط مصالح الأطراف الدولية والإقليمية، والرسالة الأميركية إلى أهل درعا، تأكيدٌ على مسألةٍ باتت واقعياً في حكم المسلّمات، لكنّها لم تتشكّل بصورتها الحقيقية بعد، وتتمثّل في أنّه لا أحد يكترث بأهل درعا، والسوريين عموماً، وأنّ ما يهتم الجميع من أجله فقط اليوم (أميركا، الغرب، الأردن، إسرائيل) هي فقط المصالح الدولية والإقليمية.
ليس تحقيق الشروط الأميركية الأردنية الإقليمية مسألةً صعبة شكلياً على الروس، فيمكن أن يفرضوا على "المليشيات الطائفية" (المقصود غالباً حزب الله وفصائل محدّدة) عدم الاقتراب من مناطق الحدود، لكن في الوقت نفسه من السذاجة المفرطة أن يُظن أنّ ذلك سيحجّم النفوذ الإيراني عملياً ومنطقياً، لأنّه (النفوذ الإيراني) تجاوز مرحلة المليشيات التابعة مباشرةً لطهران، أولاً، وثانياً إذا وافقت طهران على الابتعاد، المباشر، عن الجنوب، فهي موجودةٌ في قلب المعادلة السورية العسكرية والسياسية والأمنية.
الإصرار الأردني، مثلاً، على وجود الجيش السوري في الجنوب أقرب إلى البعد الشكلي والرسمي منه، كي لا يضطرّ الأردن لأن يتعامل رسمياً مع حزب الله، أو مليشياتٍ تضع علماً إيرانياً على الحدود الأردنية، لكنّ المسؤولين الأردنيين يدركون تماماً أنّ المسألة أعمق من مسألة وجود عناصر حزب الله أو الحرس الثوري على نقاط التفتيش الحدودية.
يبقى الهاجس الأردني الأكبر الذي يتمثّل في حال انفجر الصراع المسلّح، ولم تنجح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية باستباق الآلات العسكرية، كيف يمكن التعامل مع عشرات وربما مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين حتماً سيلجأون إلى الحدود الأردنية هرباً من الجحيم، وهو سيناريو بدأ بآلافٍ أخذوا يتدفقون حالياً على الحدود؟
رسمياً، أبلغ الأردن الأميركيين والأوروبيين والمجتمع الدولي بأنه لن يسمح بأي حال بأي موجة لجوء إلى أراضيه، وأنه سيغلق الحدود ويدافع عن مصالحه، إذ تحمّل ما يكفي من الأعباء الاقتصادية والإنسانية؟
لكن هل ذلك ممكن فعلاً؟ لا أظن، بالقانون الدولي وبمنطق الإنسانية والأخلاق، يملك الأردن الذي رسم مشهداً حضارياً هائلاً، خلال الأعوام الماضية، أن يغلق الحدود في وجه نساء وأطفال عرايا هاربين من القصف. يمكن أن يضمن تأسيس مخيماتٍ في الأراضي الحدودية السورية مع الروس، خارج نطاق العمل المسلّح. ولكن إذا استمرت الأزمة العسكرية، فإنّ الضغط سيزيد، وسيتم تصدير الأزمة إلى الأردن، وهذا سيناريو كان "مطبخ القرار" يتجنبّه، أو يستبعده، في الأعوام الماضية، بالرهان على "الضمانات الروسية" التي تبخّرت اليوم، مع مشاركة موسكو في الحملة العسكرية الحالية في درعا.
الرهانات الأردنية اليوم على المحكّ في درعا، بعدما تبيّن أنّ استدامة الوضع الحالي غير ممكنة، وبالتالي طوّرت الدبلوماسية الأردنية مفهوم "سيناريو المصالحات" بديلا عن الوضع الراهن، وهو يقوم على عودة "الدولة السورية" إلى الجنوب، وفتح معبر نصيب، وعودة متدرّجة للجنوب الغربي إلى الدولة، بإشرافٍ دولي روسي، وهو مخططٌ أطلق عليه تقريرٌ لمجموعة الأزمات الدولية أخيرا مصطلح "العودة الرقيقة".
في الأثناء، تمّ تسريب رسالة من الخارجية الأميركية إلى المعارضة السورية المسلّحة في درعا، تخبرهم بلغة صريحة، بأنّهم خارج "التغطية الأميركية"، وأنّ أي رهاناتٍ على تدخل عسكري أميركي خاطئة، وعليهم أن يعلموا بأنّهم وحدهم، عليهم أن يقرّروا مصيرهم ومصير عائلاتهم.
أردنيّاً وأميركياً وإسرائيلياً (مصالح الأطراف الإقليمية والدولية)، هنالك شروط مرتبطة بإيران بدرجة رئيسة، تتمثّل بعدم اقترابها من الحدود الدولية، وإخراج المليشيات الطائفية التابعة لها، والاقتصار على الجيش السوري، وهو الأمر الذي يعمل الروس على مراعاته، لأنّهم حريصون على عدم الوصول إلى نقطة تحوّل Tipping Point، تؤدي إلى انفجار صراع إقليمي في الجنوب، بين إيران وإسرائيل، يفتح الباب على سيناريوهاتٍ تتجاوز المعادلة السورية، وتقضي على "الإنجازات" التي يرى الروس أنّها تحققت من خلال سيطرة النظام على مناطق عديدة في سورية.
هذه "الشروط الإقليمية" التي تراعي فقط مصالح الأطراف الدولية والإقليمية، والرسالة الأميركية إلى أهل درعا، تأكيدٌ على مسألةٍ باتت واقعياً في حكم المسلّمات، لكنّها لم تتشكّل بصورتها الحقيقية بعد، وتتمثّل في أنّه لا أحد يكترث بأهل درعا، والسوريين عموماً، وأنّ ما يهتم الجميع من أجله فقط اليوم (أميركا، الغرب، الأردن، إسرائيل) هي فقط المصالح الدولية والإقليمية.
ليس تحقيق الشروط الأميركية الأردنية الإقليمية مسألةً صعبة شكلياً على الروس، فيمكن أن يفرضوا على "المليشيات الطائفية" (المقصود غالباً حزب الله وفصائل محدّدة) عدم الاقتراب من مناطق الحدود، لكن في الوقت نفسه من السذاجة المفرطة أن يُظن أنّ ذلك سيحجّم النفوذ الإيراني عملياً ومنطقياً، لأنّه (النفوذ الإيراني) تجاوز مرحلة المليشيات التابعة مباشرةً لطهران، أولاً، وثانياً إذا وافقت طهران على الابتعاد، المباشر، عن الجنوب، فهي موجودةٌ في قلب المعادلة السورية العسكرية والسياسية والأمنية.
الإصرار الأردني، مثلاً، على وجود الجيش السوري في الجنوب أقرب إلى البعد الشكلي والرسمي منه، كي لا يضطرّ الأردن لأن يتعامل رسمياً مع حزب الله، أو مليشياتٍ تضع علماً إيرانياً على الحدود الأردنية، لكنّ المسؤولين الأردنيين يدركون تماماً أنّ المسألة أعمق من مسألة وجود عناصر حزب الله أو الحرس الثوري على نقاط التفتيش الحدودية.
يبقى الهاجس الأردني الأكبر الذي يتمثّل في حال انفجر الصراع المسلّح، ولم تنجح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية باستباق الآلات العسكرية، كيف يمكن التعامل مع عشرات وربما مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين حتماً سيلجأون إلى الحدود الأردنية هرباً من الجحيم، وهو سيناريو بدأ بآلافٍ أخذوا يتدفقون حالياً على الحدود؟
رسمياً، أبلغ الأردن الأميركيين والأوروبيين والمجتمع الدولي بأنه لن يسمح بأي حال بأي موجة لجوء إلى أراضيه، وأنه سيغلق الحدود ويدافع عن مصالحه، إذ تحمّل ما يكفي من الأعباء الاقتصادية والإنسانية؟
لكن هل ذلك ممكن فعلاً؟ لا أظن، بالقانون الدولي وبمنطق الإنسانية والأخلاق، يملك الأردن الذي رسم مشهداً حضارياً هائلاً، خلال الأعوام الماضية، أن يغلق الحدود في وجه نساء وأطفال عرايا هاربين من القصف. يمكن أن يضمن تأسيس مخيماتٍ في الأراضي الحدودية السورية مع الروس، خارج نطاق العمل المسلّح. ولكن إذا استمرت الأزمة العسكرية، فإنّ الضغط سيزيد، وسيتم تصدير الأزمة إلى الأردن، وهذا سيناريو كان "مطبخ القرار" يتجنبّه، أو يستبعده، في الأعوام الماضية، بالرهان على "الضمانات الروسية" التي تبخّرت اليوم، مع مشاركة موسكو في الحملة العسكرية الحالية في درعا.