04 ديسمبر 2022
في تذكّر عبد المنعم أبو الفتوح
محمد ثابت
على الرغم من كراهية عبد الفتاح السيسي له، بل ورغبته في التخلص منه؛ وأيضًا كراهية بعضٍ في جماعة الإخوان المسلمين له، بل شماتتهم به، سيبقى أمثال النبيل عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية والمرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية، إحدى العلامات الفارقة المُضيئة في تاريخ المصريين. والرجل في سجن كان مُفترضاً انتهاؤه قبل 18 من فبراير/ شباط الماضي؛ فقانون الحبس الاحتياطي الظالم الذي وضعه السيسي وأعوانه يُقرُّ بألّا تزيد مدته عن سنتين؛ وهو ما تم مع أبو الفتوح، غير أن العسكر الحاكمين في مصر وقائدهم يثبتون ألا قانون لديهم، فتم تدوير اعتقاله بتلفيق قضية جديدة له برقم 1671 للعام الماضي، بدعوى توليه قيادة جماعة إرهابية، وارتكاب جريمة من جرائم التمويل وغيرها.
رفض السيسي إذًا الإفراج عن الرجل، على الرغم من أمراضه، وتعرّضه لأزماتٍ قلبية شديدة كادتْ تُودي بحياته، خصوصًا مع منع إدارة السجن الدواء عنه، مع عمره المُقاربُ 69 عامًا. وموقف عبد المنعم أبو الفتوح من كل هذا الحقد والحسد والغَلِّ ما يزال آية من نبل ورقي، يُضافُان إلى مواقفه منذ كان طالبًا في كلية الطب، ورئيسًا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، ووقف أمام الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1977، وعمره 26 عامًا، مُطالبًا بعدم تعيين المُنافقين، مرورًا بتوليه منصب الأمين العام للأطباء العرب، ودوره البارز في مناصرة غزة وأهلها، وخصوصًا في محنها. نقل عنه المحامي والسياسي خالد علي الشهر الماضي (فبراير/ شباط) رفضه التحقيق الأخير معه، أو مجرّد الرد على الأسئلة في القضية الجديدة قائلًا: "السبب هو الظلم والتلفيق، وأنا لا أريد شيئًا، ولا أشكو أحدًا لأحدٍ، وإنما أشكو إلى الله وفقط".
فإذا كان الانقلابيون من قليلي العقل والفهم يتعمّدون إهانة عبد المنعم أبو الفتوح؛ فماذا عن
الإخوان الذين قضى جانبًا كبيرًا من عمره بينهم، وكان عضوًا في مكتب الإرشاد، أعلى هيئة لديهم، حتى فصله منه في مايو/ أيار 2011؟ وإنْ قرر مجلس الشورى العام للجماعة فصله في الشهر التالي؛ وكان السبب الرئيسي ترشّحه للرئاسة؛ وبعد أقل من ستة أشهر أعلنت الجماعة ترشحها للرئاسة في الأول من إبريل/ نيسان 2012؛ ولم يُعيدوا أبا الفتوح للجماعة ولم يعتذروا منه؛ ولو أن "الإخوان" تمهلوا حينها لقدّموه وتركوه ظاهريًا، ولناصروه بقوتهم لأجل مصر ومسيرة الثورة ودماء شهدائها وضحايا عصر حسني مبارك وحكم العسكريين. لاحقًا نال أبو الفتوح قرابة أربعة ملايين صوت في انتخابات 2012 الرئاسية، بما يساوي أكثر من سدس الأصوات الصحيحة أمام 13 مُرشحًا، على الرغم من عدم دعم المؤسسة العسكرية له أو الجماعة؛ وخرج من الجولة الأولى، والرجل بشر، مهما كان فاضلًا وبرأي بشار بن برد: ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها؟/ كفى المرء نبلاً أن تُعدَ معايبه.
خرج عبد المنعم أبو الفتوح مع الخارجين في مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، لكنه رفض الاشتراك في انقلاب 3 يوليو، لتتم له خسارة جبهة الإنقاذ التي كانت تناصر الانقلاب أملًا في تسلم السلطة، وأيضًا الإخوان المسلمين؛ وأخيرًا خسر العسكريين الذين قال قائدهم السيسي عنه في تسريبات حواره (وقت كان فريقًا أول لم يتول الرئاسة بعد) مع الصحافي ياسر رزق في 2013 إن أبو الفتوح "شاذ فكريًا"، إذ لم يره إلا من "الإخوان"، وإن فصلوه وخالفهم؛ بل أسقطوه من قبل مُتعمدينَ في الانتخابات الرئاسية على حساب أنفسهم، قبل أن يكون على حسابه.
بعد هذا كله، وعلى الرغم من تقدّم عمره، لم يأخذ الرجل استراحة محارب، ولم ينسحب من
الميدان مؤثرًا السلامة، ولكنه خرج من مصر إلى المؤتمر في لندن، تركه العسكر يخرج، والتقى غير فضائية في أكثر من حوار في فبراير/ شباط 2018، مؤثرًا قول كلمة الحق؛ ومُعلنًا في شجاعة واستبسال: "نعم هذه السنوات بآثارها ستمر، وستبقى مصر وجيشها العظيم، ليست المشكلة في الأولى ولا في الجيش، إنما في السيسي، وإنني أدعوه إلى التنحّي عن الحكم بعد أن أثبت فشله، وأقول للجميع إن ذلك ممكن، وأطالب جميع الشباب والمسجونين والمُطاردين، وجميع من يعانون ألا ييأسوا فإن الفرج قريب".
يصبّ ما يحدث، في النهاية، في صالح تغيير السيسي، وإمكانية تخلي مُناصريه الداخليين عنه، وهذا ما يخشاه تمامًا، ويُحاذر أن يظل شخص معلوم في مصر يذكره؛ فما بالنا لو كان رمزًا أعتذر عن الترشح أمام السيسي في انتخابات 2018 الرئاسية في الحوار ليقينه بتزويرها؟ أما قرب نهاية الحوار، ولما سأله المُذيع: هل ستعود إلى مصر بعد هذه الكلمات؟ أجاب الرجل من دون تمهل أو تفكير: "نعم.. فشرف لي أن أكون في أحد سجونها في طرة من أن أكون في قصر خارجها"؛ وكأنه يقرأ في كتاب الغيب.
أفلا يستحق عبد المنعم أبو الفتوح أن يتذكره شرفاء مصر، ويذكّروا بقضيته، وما يتعرّض له من ظلم شديد؟
فإذا كان الانقلابيون من قليلي العقل والفهم يتعمّدون إهانة عبد المنعم أبو الفتوح؛ فماذا عن
خرج عبد المنعم أبو الفتوح مع الخارجين في مظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، لكنه رفض الاشتراك في انقلاب 3 يوليو، لتتم له خسارة جبهة الإنقاذ التي كانت تناصر الانقلاب أملًا في تسلم السلطة، وأيضًا الإخوان المسلمين؛ وأخيرًا خسر العسكريين الذين قال قائدهم السيسي عنه في تسريبات حواره (وقت كان فريقًا أول لم يتول الرئاسة بعد) مع الصحافي ياسر رزق في 2013 إن أبو الفتوح "شاذ فكريًا"، إذ لم يره إلا من "الإخوان"، وإن فصلوه وخالفهم؛ بل أسقطوه من قبل مُتعمدينَ في الانتخابات الرئاسية على حساب أنفسهم، قبل أن يكون على حسابه.
بعد هذا كله، وعلى الرغم من تقدّم عمره، لم يأخذ الرجل استراحة محارب، ولم ينسحب من
يصبّ ما يحدث، في النهاية، في صالح تغيير السيسي، وإمكانية تخلي مُناصريه الداخليين عنه، وهذا ما يخشاه تمامًا، ويُحاذر أن يظل شخص معلوم في مصر يذكره؛ فما بالنا لو كان رمزًا أعتذر عن الترشح أمام السيسي في انتخابات 2018 الرئاسية في الحوار ليقينه بتزويرها؟ أما قرب نهاية الحوار، ولما سأله المُذيع: هل ستعود إلى مصر بعد هذه الكلمات؟ أجاب الرجل من دون تمهل أو تفكير: "نعم.. فشرف لي أن أكون في أحد سجونها في طرة من أن أكون في قصر خارجها"؛ وكأنه يقرأ في كتاب الغيب.
أفلا يستحق عبد المنعم أبو الفتوح أن يتذكره شرفاء مصر، ويذكّروا بقضيته، وما يتعرّض له من ظلم شديد؟
مقالات أخرى
31 أكتوبر 2022
09 سبتمبر 2022
10 يوليو 2022