طفت أخيراً على السطح، الخلافات التي تعصف بحركة "أحرار الشام" الإسلامية، التي بدأت رحلة تراجع كبير منذ اغتيال الصف الأول من قادتها في عام 2014 بتفجير (في ريف إدلب) ما يزال الغموض يكتنفه.
نزع الشرعية من قيادة "أحرار الشام"
وأعلنت، أول من أمس الثلاثاء، ألوية: "لواء الإيمان" (محافظة حماة)، و"لواء الخطاب" (سهل الغاب)، وقوات النخبة في "لواء العاديات" (سهل الغاب)، و"لواء الشام" (دمشق)، و"كتيبة الحمزة" (إدلب)، "نزع الشرعية" من قيادة الحركة التي وصفتها بـ"الانقلابية"، وعزل عامر الشيخ من موقعه كقائد عام للحركة واختيار يوسف الحموي (أبو سلیمان) قائداً جديداً، وفق بيان أصدرته تلك الألوية المنضوية ضمن الحركة.
ودعت الألوية الموقّعة على البيان "بقية تشكيلات الحركة إلى الالتحاق بها، لإعادة الحركة إلى مسارها القويم، والحفاظ على نهجها السليم، لتكون سهماً في كنانة الثورة السورية المباركة"، بحسب البيان.
أعلنت 6 ألوية في الحركة نزع الشرعية من قيادة الحركة التي وصفتها بالانقلابية
والانقسام الحالي ليس الأول الذي يسود "أحرار الشام"، حيث كانت شهدت مطلع العام الماضي خلافات واسعة أدت إلى استبعاد عدد من قيادييها عن الواجهة بعد ظهور تيارين في الحركة: الأول يميل إلى التماهي مع "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً)، والثاني يرفض التبعية للهيئة، ويتمسك بمبادئ وأهداف الثورة السورية.
وحُسم الخلاف في حينه لصالح التيار الذي يؤيد تقارباً كبيراً مع "هيئة تحرير الشام"، يقوده حسن صوفان الذي كان تولى قيادة الحركة في عام 2017 بعد خروجه من سجن صيدنايا بعد اعتقال لأكثر من 12 عاماً. وعُيّن في حينه (2021) عامر الشيخ، المقرب من صوفان، قائداً للحركة وعُزل جابر علي باشا من القيادة، وهو ما أسّس لكل الخلافات اللاحقة والتي تهدد هذه الحركة بالتفكك والتلاشي.
ويأتي الانقسام الجديد في حركة "أحرار الشام"، بعد نحو شهر من استغلال "هيئة تحرير الشام" لخلافات بين فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري للتقدم باتجاه منطقة عفرين (ريف حلب الشمالي الغربي)، حيث تلقّت كما يبدو مساندة وتسهيلات من بعض الأجنحة في "أحرار الشام" في منطقة جندريس في ريف عفرين.
وذكرت مصادر مقربة من الحركة، لـ"العربي الجديد"، أن "الألوية التي نزعت الشرعية عن قيادة الحركة، ترفض أي تقارب مع هيئة تحرير الشام"، مشيرة إلى أن هذه الألوية "تنتشر في منطقتي غصن الزيتون (عفرين وريفها)، و "درع الفرات" (ريف حلب الشمالي)، في حين أن عامر الشيخ ومن معه، موجودون ضمن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في شمال غربي سورية".
انقسامات وخلافات وتيارات
وحول طبيعة هذا الصراع، بيّن الباحث السياسي وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "مستمر داخل حركة أحرار الشام ما بين تيار يريد التعامل مع هيئة تحرير الشام بحكم الأمر الواقع، ومن دون الدخول في شراكة معها، في مقابل تيار آخر يرى أن الشراكة في الجانب العسكري لا بد منها".
وأوضح علوان أن "الخلاف بدأ مطلع عام 2021 مع قيام التيار الثاني بـ"انقلاب"، وفق توصيف التيار الأول، تسلّم على أثره مجلس قيادة جديد محسوب على حسن صوفان، وهو مقرب بشكل كبير من هيئة تحرير الشام". وتابع: "حُيّد القادة الرافضون للتماهي مع الهيئة بشكل كامل بعد ذلك من القيادة الجديدة".
وبيّن علوان أن ألوية عدة "علّقت عضويتها في الحركة على خلفية الهجوم الذي شنّته هيئة تحرير الشام على عفرين في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما دفع تيار صوفان إلى فصل أعضاء من مجلس قيادة الحركة منذ نحو أسبوع، فقرّر القياديون المناوئون اختيار قيادة جديدة بديلة، منفصلة تماماً عن التيار المقرب من هيئة تحرير الشام".
ونشأت حركة "أحرار الشام" الإسلامية أواخر عام 2011، بعد اندماج أربعة فصائل، هي: جماعة "الطليعة الإسلامية"، حركة "الفجر الإسلامية"، "كتائب الإيمان المقاتلة"، إضافة إلى "أحرار الشام".
وظلّت الحركة لأكثر من عامين من أهم فصائل المعارضة التي واجهت قوات النظام السوري في الكثير من المواقع، وكانت في مقدمة الفصائل التي سيطرت على محافظة الرقة مطلع عام 2013.
وانتشرت الحركة في كل المناطق التي كانت تخرج عن سيطرة النظام، حيث كانت هذه الحركة تحمل خطاباً معتدلاً بعيداً عن الغلو، ما أكسبها ثقة الشارع السوري المعارض آنذاك. ولكن الحركة تعرضت لـ"نكسة كبرى" في سبتمبر/أيلول 2014، حين قُتل قائدها وأحد أبرز مؤسسيها، وهو حسان عبود وشقيقاه، مع أكثر من 45 قيادياً آخرين، في تفجير استهدفهم عندما كانوا في اجتماع لمجلس شورى الحركة في بلدة رام حمدان، بريف إدلب شمالي غربي سورية. ولا يزال التفجير يلفّه الغموض، حيث لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه.
تلقّت "تحرير الشام" في هجومها على عفرين مساندة وتسهيلات من بعض الأجنحة في "أحرار الشام"
تراجع دور الحركة بعد التفجير لتبدأ الانقسامات تظهر بين وقت وآخر في صفوف الحركة التي دخلت في صدامات عسكرية دامية مع "هيئة تحرير الشام" عامي 2017 و2019 انتهت بسيطرة الأخيرة على جلّ الشمال الغربي من سورية، وخروج "أحرار الشام" من معادلة القوة في المنطقة.
وفي هذا السياق، بيّن الباحث السياسي المواكب لمشهد الفصائل ذات الطابع الإسلامي في سورية، أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أغلب فصائل المعارضة السورية فيها خلافات، لكن وجود قيادات ذات حضور، كان يبقي هذه الخلافات داخل البيت الواحد، وهذا كان ينطبق على حركة أحرار الشام".
وأوضح القربي أن الخلافات داخل "أحرار الشام" هي "خلافات أيدولوجية"، مضيفاً أن "هناك تيارات مع المشروع الوطني السوري، وأخرى مع المشاريع العابرة للحدود والاقتراب مع فصائل تتبنى الغلو في نشاطها مثل جبهة النصرة".
"الجبهة الشامية" استقطبت بعض التيارات في الحركة
وشرح الباحث أن "الخلافات في داخل أحرار الشام بدأت تطفو على السطح بسبب مقتل أبرز القياديين في التفجير الشهير، وهناك قسم من الحركة انضم خلال السنوات الماضية إلى هيئة تحرير الشام". كما أوضح أن نزاعاً على الشرعية "نشب داخل القياديين في الحركة إلى أن حُسم لصالح تيار حسن صوفان، الذي استطاع تعيين قيادة جديدة للحركة بمساعدة من هيئة تحرير الشام مطلع العام الماضي". ولفت القربي إلى أن "الجبهة الشامية (فصيل معارض في شمال حلب) استقطبت بعض التيارات في الحركة".
وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "الخلاف الحالي في أحرار الشام جوهره النزاع على الشرعية والنفوذ"، مضيفاً أن "بعض الألوية في الحركة تحاول نزع الشرعية عن جناح حسن صوفان وتحويلها إلى الجناح القريب من الجبهة الشامية". ورأى أنه "لا يمكن عزل ما يجري في حركة أحرار الشام عن العلاقة المتشنجة حالياً بين فصيل الجبهة الشامية (أكبر مكونات "الفيلق الثالث" التابع لـ"الجيش الوطني السوري"، وكانت انفصلت عنها حركة أحرار الشام)، من جهة، وبين هيئة تحرير الشام من جهة أخرى، على خلفية ما جرى في منطقة عفرين شمال غربي حلب، الشهر الماضي".