أرمن لبنان متأهبون للقتال في كاراباخ... "أرض الأجداد تنادي"

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
07 أكتوبر 2020
لبنان.jpg
+ الخط -

"أرض جدودي عم تناديني"، بهذه الكلمات، أعلن الناشط السياسي في التيار الوطني الحرّ (يتزعمه النائب جبران باسيل) أنّه غادر لبنان إلى أرمينيا، للوقوف إلى جانب أهله وناسه في أرتساخ، في خطوةٍ فردية معنوية غير حزبية أو عسكرية قام بها.

كما أكد أنطوان سيدريان، اللبناني من أصل أرمني، في مقطعٍ مصوَّر، ظهر فيه وهو يرتدي البزة العسكرية، أنّ "الشعب الأرمني وبكل الشتات وراء الجيش، واستلمنا البزات للقتال، فهناك قسم ذهبَ للمشاركة في القتال، وآخرون ينتظرون دورهم"، علماً أن أنطوان غادر لبنان قبل أكثر من عشرة أشهر.

في هذا السياق، يقول الأمين العام لحزب الطاشناق في لبنان، النائب آغوب بقرادونيان، لـ"العربي الجديد"،  إنّ "الأرمن يعتبرون أنّهم يتعرّضون لحرب إبادة جديدة، دفعتهم للدفاع عن وطنهم الأم، وجعل أنفسهم عناصر في الجيش الأرميني، والقرار لم يُتّخذ من الناحية العاطفية فقط، بل بالوعي الكامل، إذ إنّ هناك استنفاراً كاملاً لدعم الشعب والقضية". 

وأضاف "التطوّع ليس مباشراً أو منظماً بهدف جلب المقاتلين، لمقاومة الاعتداءات على أرمينيا وأرتساخ، ولا دعوات في هذا الإطار، ولا سيما من الأحزاب الأرمنية في لبنان" لافتاً إلى أن "الجيش النظامي لا يحتاج إلى متطوعين بالعديد والعتاد، وهو على أتمّ الاستعداد لخوض المعركة".

ويؤكد بقرادونيان أنّ الدعم اليوم يرتكز على العامل المعنوي والسياسي والإعلامي، في ظلّ غياب الدعم المالي، نظراً للأوضاع الاقتصادية الكارثية التي نعيشها في لبنان، ومع ذلك نحن، نتفهّم اندفاعة الشباب، الذين يذهبون من تلقاء أنفسهم، فهم "أحفاد الإبادة"، ومن حق الشعب تقرير مصيره، واليوم، كلّ أرمني في أرمينيا، بقلبه وممارسته، يعتبر أنه ركن من أركان الدفاع، فهذه هي المقاومة الشعبية التي تربّينا عليها".

من جهة ثانية، يقول، الأمين العام لحزب الطاشناق إن هناك لبنانيين من أصل أرمني غادروا إلى أرمينيا، قبل اندلاع الحرب، وذلك نظراً لتردّي الأوضاع الاقتصادية، ولا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس/ آب الماضي.

أرمن لبنان (حسين بيضون/العربي الجديد)

وتشير مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الأرقام الصادرة عن الخارجية الأرمينية بشأن دخول حوالي 800 لبناني من أصل أرمني للاستقرار في يريفان، نتيجة الأزمة الاقتصادية، وانفجار المرفأ، غير دقيقة، فهي تضعهم بصفة المستقرّين أو المهاجرين، علماً أنّ قسماً كبيراً عاد إلى لبنان، وهذا ما أكّده النائب بقرادونيان.

وشدد بقرادونيان على أنّ "للبنانيين الأرمن ممتلكات ومصالح تجارية وخاصة في يريفان، ومنهم من يذهب لتمضية فصل الصيف فقط، ومن ثم يعودون عند انتهاء الموسم، وهناك من يسافر بشكل دوري لمتابعة أعماله، وغيرها من الأسباب، إذ إنّ الهجرة بمعنى ترك لبنان نهائياً وإقفال مصالحهم هنا لم تتخطَّ مئتين إلى 250 شخصاً.

وأشار، في الوقت ذاته، إلى أنّه، بحسب تقديراتنا والأرقام المسجلة في مطرانية الأرمن أو دوائر الطائفة، وتبعاً للزيجات المختلطة، فإن هناك من 120 إلى 135 ألف أرمني في لبنان، ومن المعروف أنّ الأرمن ممثلون في الدولة اللبنانية بوزراء ونواب ولهم قاعدة شعبية كبيرة.

ويقول مصدرٌ مطلعٌ لـ"العربي الجديد"، إنّه "تم رصد مساعدات كثيرة من لبنان إلى أرمينيا، عبر مواطنين غادروا مع بدء المعارك، غالبيتها غذائية، ومنهم من أرسل مولدات لتوليد الكهرباء، وأدوية، وأموالاً لعائلاته".

وقام "العربي الجديد" بجولةٍ في منطقة برج حمود، (قضاء المتن)، التي تعدّ بمثابة معقل الأرمن في لبنان، الذين بدأوا بالوصول إليها في عام 1924، وسكنوا في الحيّ المعروف بـ "التيرو" حيث أنشئت أول مدرسة أرمينية، وأول كنيسة وبقيَ على مدى 40 عاماً ملجأ للطبقة الفقيرة من العائلات الأرمنية، قبل أن ينتشروا في الأحياء ويقيموا المراكز التجارية والصناعية والثقافية والتربوية والفنية في الشوارع وأشهرها "شارع أراكس"، و"أرمينيا"، و"مرعش".

وأطلق اللبنانيون الأرمن على  معظم أسماء مراكزهم ومحلاتهم بنفس تسمية بلدتهم أو مدنهم الأم قبل التهجير، طبقاً للتعريف التاريخي الذي تعتمده بلدية برج حمود، إلى جانب المطبخ الأرمني الشهير، عبر المطاعم والمقاهي المنتشرة، ومنها سناك صغير يحمل اسم "قره باخ" تعبيراً عن حرب التحرير. 

وهناك، حيث الأعلام الأرمينية ترفرف من على شرفات المنازل والمحال التجارية، يترقب اللبنانيون من أصل أرمني الأوضاع، ويتابعون أخبار الاشتباكات المسلحة الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان، عبر شاشات التلفزة، وداخل محال الحلاقة، والسوبر ماركت، والمقاهي، والمحال، بحالة من الاستنفار، والتأهب والقلق، ويقولون، بإصرارٍ وفخر، "سنشارك في الحرب عندما تنادي أرمينيا أبناءها".

أرمن لبنان (حسين بيضون/العربي الجديد)

الغراند ماستر غارو كبابجيان، الذي يصف نفسه بأنّه الممثل الدائم لـ"أرتساخ" لدى لبنان والشرق الأوسط في المهمّات الخاصة (مع العلم أنه لا يوجد أي اعترافٍ دولي بما يُسمَّى جمهورية أرتساخ المعلنة ذاتياً) يقول لـ"العربي الجديد" إن "السلطات الأرمينية أعلنت يوم وقوع الانفجار في مرفأ بيروت عن تقديم مساعدات للبنان أتت أيضاً من أرتساخ، وساهمت شخصياً بإيصالها إلى لبنان، كذلك، دعا رئيس جمهورية ناغورني قره باخ أرتساخ، أرايك هاروتيونيان، من يرغب من العائلات اللبنانية من أصل أرمني بالعودة إلى أرمينيا والعمل فيها".

وأضاف "هناك من غادر نتيجة ما يحصل في لبنان، وهذا الأمر ينطبق على اللبنانيين أنفسهم الذين تركوا البلاد قبل فترة قصيرة، وسافروا إلى دول عربية وأوروبية وأجنبية"، لافتاً إلى أن بعض اللبنانيين الأرمن ذهبوا  للقتال أو الانضمام إلى الجيش الأرميني، أقلّه بمهمة أو تكليف رسمي من جانبنا". 

وتابع "من الطبيعي أن يذهب متطوعون للدفاع عن أرضهم وشعبهم، سواء للالتحاق بالجبهة، أو بفرق الإغاثة، والأرمن يقفون مع بعضهم بعشرة ملايين من الشتات، في كل أنحاء العالم، لأنّ الخسارة تعني تعرّضهم لإبادة جديدة.

جاك غزاريان، وهو لبناني من أصل أرمني، وصاحب مطعم وفرن "غزار" الذي يحمل اسم جدّه ويلقَّب بـ"بيّ الفقير"، في منطقة برج حمود، يقف إلى جانب لوحة رسمها أولاده الثلاثة، علّقت على الجدار، تجسّد تمثال "tatik – papik"، بالأرمينية، أي الجدة والجد، الذي يُعدّ رمز أرتساخ.

ويقول غزاريان لـ"العربي الجديد": "نحن شعبٌ لا يحبّ الدم، ولكن لن نقبل أن يلحق أحدٌ الأذى بنا، وللأسف، فإنّ التاريخ يعيد نفسه، مع فارق بسيط هو الإضاءة الإعلامية على الحرب المندلعة"، لافتاً إلى أنّ الأرمن يفضّلون تسمية أرتساخ، لا قره باغ، باعتبار أنّ أصل الكلمة أرمني، وهي مؤلفة من جزأين، "آر" نسبةً إلى "آرا" إله الشمس عند الأرمن القدماء، و"تساخ" يعني "كرمة" أو "غابة"، أما الأذر فيطلقون عليها اسم "يوخاري قره باغ"، أو "قره باغ" التي تعني الحديقة السوداء.

ويضيف، "باتت لدينا القوّة بفعل وحدة الشعب الأرميني، إذ إنّه في كلّ دول العالم يهرب المواطنون مع بدءِ المعارك والحروب، بعكس الأرمن الذين يعودون إلى أرض أجدادهم، للوقوف دفاعاً عن وطنهم، ونحن اليوم نشعر بحزنٍ كبيرٍ، وحالتنا النفسية مدمَّرة، وأنا شخصياً مستعدّ وعائلتي للذهاب إلى أرمينيا، للمحافظة على بلدنا، عندما تدعو الحاجة، فمن حقّنا العيش بسلام مثل غيرنا، علماً أنني أعشق برج حمود بكلّ صعوباتها وأزماتها وحالاتها، وفي كلّ مرّة أغادر لبنان، أعود إليه، وأنا أشعر بالفخر".

أما بيتر ختشاريان، فيقول، لـ"العربي الجديد" إنّ اللبنانيين الأرمن يتعاطفون مع أرضهم وأهلهم، فهذا بلدهم الأم، ونحاول المساعدة قدر المستطاع كلّ بحسب إمكاناته، مشيراً إلى أنه ليس بالضرورة أن يقف الجميع على الجبهة للقتال، لكن كل الأرمن في أنحاء العالم متأهبون للمساعدة سواء بالسلاح، أو المال، أو الطبابة، أو الطعام، وحتى معنوياً من خلال مبادرات ثقافية أو فنية.

ويضيف "أنّ اللبنانيين من أصل أرمني، الذين غادروا في الفترة الأخيرة لبنان، ذهبوا قبل اندلاع المعركة، ومن ضمنهم ابني الذي سافر إلى يريفان بحثاً عن عمل، وذلك قبل أسبوع من بدء الاشتباكات".

وفيما يخص مسألة مشاركة لبنانيين أرمن في المعارك من الناحية القانونية، ما إذا كانت شرعية أو مخالفة، يقول المحامي الدكتور في القانون الدولي، أنطوان صفير، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأساس في القضية تعريف الشخص الذي يقاتل في الخارج، هل هو يحمل هوية البلد أو جنسيته، فإذا كان على سبيل المثال لبنانياً ويحمل جنسية أخرى، وشارك في نزاع مسلح يدور في لبنان، فإنه لن يكون هناك أي مشكلة، لافتاً إلى أنّ من حق الدول أن تحتج لدى السلطات اللبنانية في حال تضرّر مصالحها من جراء النزاع.

ويوضح "لا يمكن لأذربيجان مثلاً الاعتراض على مشاركة لبنانيين في المعارك الدائرة، إذا ما تبين أنها تستعين بمقاتلين أجانب من دول أخرى". 

ذات صلة

الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
المساهمون