عاد لبنان إلى ما قبل المربّع الأول حكومياً بعد رفض الرئيس المكلّف سعد الحريري، اليوم الاثنين، التشكيلة الوزارية التي قدّمها له الرئيس ميشال عون، واعتبارها كأنها لم تكن، مغادراً قصر بعبدا الجمهوري بعد اللقاء الثامن عشر بينهما، الذي دام حوالي نصف ساعة، من دون تحديد موعد الاجتماع الجديد، رافضاً في المقابل الاعتذار.
وعلى إثر ذلك، كشف الحريري أن الرئيس عون أرسل له، أمس الأحد، تشكيلة وزارية، تتضمّن ثلثاً معطلاً لفريقه السياسي، بـ18 وزيراً أو 20 وزيراً أو 22 وزيراً، وطلب منه أن يقترح أسماء للحقائب حسب التوزيعة الطائفية والحزبية التي سبق أن حضّرها هو، لكن جواب الحريري كان أن "الرئيس المكلف عمله ليس تعبئة أوراق وليس شغل رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة، حيث إن الدستور ينص بوضوح على أنّ الرئيس المكلف يشكل الحكومة ويضع الأسماء، على أن يناقش التشكيلة مع رئيس الجمهورية".
وأضاف الحريري "أبلغت الرئيس عون باعتبار رسالته كأنها لم تكن، وأعدتها اليه وأبلغته بأني سأحتفظ بنسخة منها للتاريخ، وقلت له أن تشكيلتي بين يديه منذ مئة يوم، وأنا جاهز لأي اقتراحات وتعديلات بالأسماء والحقائب، وسهّلت الحل لناحية وزارة الداخلية التي يصرّ عليها، لكن جوابه الواضح الثلث المعطل".
وكرّر الرئيس المكلّف أن "هدفه وضع حدّ للانهيار وتخفيف معاناة اللبنانيين، وطلب من الرئيس عون السماع لأوجاع الناس وإعطاء فرصة للبلد بحكومة اختصاصيين من دون تعطيل أو اعتبارات حزبية ضيقة".
تشكيلة الحريري
وانطلاقاً من قول الرئيس ميشال عون إنّ الحريري لم يقدّم له سوى خطوط عريضة حكومياً، وزّع الرئيس المكلف على الصحافيين في قصر بعبدا الجمهوري التشكيلة الوزارية التي قدّمها لرئيس الجمهورية في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 2020، والتي تتضمن كامل الأسماء وكيفية توزيع الحقائب الوزارية، تاركاً الحكم للرأي العام.
وسجّل تطوّران على الصعيد الحكومي منذ لقاء عون ــ الحريري في 18 مارس/آذار الجاري، الأول تمثّل بدعوة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله الحريري إلى تشكيل حكومة تكنو – سياسية، ناعياً حكومة الاختصاصيين قبل ولادتها، مؤكداً فشلها المسبق وعدم قدرتها على الصمود وتحمّل مسؤولية الأزمة. إضافة إلى زيارة رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط قصر بعبدا، يوم أول من أمس السبت، ودعوته إلى التسوية كحلّ للجمود الحكومي.
في السياق، جدّد المكتب السياسي لـ"حركة أمل" (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، بعد اجتماع عقده اليوم الاثنين، مطالبته الإسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين وفق ما تم التوافق عليه في المبادرة الفرنسية، بعيداً من منطق الأعداد والحصص المعطّلة، وتحوز ثقة المجلس النيابي وكتله، وتكون قادرة بسرعة على إطلاق ورشة الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، ولديها القدرة على إعادة ثقة اللبنانيين بوطنهم، وتعزيز علاقات لبنان الخارجية ومع المؤسسات الدولية.
وفي وقتٍ تطالب"حركة أمل" بحكومة اختصاصيين، إلا أنها تتمسّك بحقيبة وزارة المالية وتحصرها بالطائفة الشيعية، ودائماً ما تضعها خارج التداول، وهو ما شكل إحدى أبرز العقبات أمام تشكيل السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب حكومته، وهو ما يتسلّح به الأفرقاء السياسيون، ولا سيما "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل لفرض مطالبه الوزارية ووقوفه خلف مبدأ العدالة والتوازن بتوزيع الحقائب الوزارية.
وفي ظلّ عجز المعنيين عن تأليف حكومةٍ رغم الانهيار الشامل والتحذيرات الدولية، عادت اللهجة الفرنسية القاسية تجاه المسؤولين اللبنانيين، مع إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون الحاجة إلى تغيير التعامل مع لبنان، ومن ثم الضغط على القادة السياسيين بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في مسارٍ جديدٍ ولافتٍ، ستكون له تداعيات قانونية وسياسية كبيرة من بوابة العقوبات.
الرئاسة تنفي
بدورها، ردّت الرئاسة اللبنانية على كلام الحريري الذي "وصفته وأسلوبه بالمفاجئ شكلاً ومضموناً"، نافيةً ما ورد على لسان الرئيس المكلف من تمسّك الرئيس عون بالثلث المعطل، أو تدوينه أي أسماء في التشكيلة الوزارية.
وأوضحت أن "الرئيس عون أرسل إلى الحريري ورقة تنصّ على منهجية تشكيل الحكومة وتتضمّن 4 أعمدة يؤدي اتباعها إلى تشكيل حكومة بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، العمود الأول يتضمن الوزارات على أساس 18 أو 19 أو 20 وزيراً، الثاني، توزيع الوزارات على المذاهب عملاً بنصّ المادة 95 من الدستور، الثالث، مرجعية تسمية الوزير، بعدما أفصح الحريري أن ثمة من سمّى وزراءه على ما تظهره أصلاً التشكيلة التي أبرزها الرئيس المكلف".
أما العمود الرابع بحسب الرئاسة اللبنانية، فـ"يرتبط بالأسماء بعد إتمام الاتفاق على المذهب ومرجعية التسمية، ولم تأتِ على ذكر أي اسم، وبالتالي لا ثلث معطلا فيها، وهي فقط بمثابة آلية للتشكيل من باب التعاون بين الرئيسين معاً".
واعتبرت الرئاسة اللبنانية أنه "من المؤسف أن يصدر عن الرئيس المكلف، بانفعال، إعلان تشكيلة حكومية سبق أن عرضها هو في 9 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهي أصلاً لم تحظ بموافقة رئيس الجمهورية كي تكتمل عناصر التأليف الجوهرية، فضلاً عن أنها تخالف مبدأ الاختصاص بجمع حقائب لا علاقة لها ببعضها مثل دمج الخارجية بالزراعة، وهو ما يتعارض مع المبادرة الفرنسية".
وشددت على أن "الأزمة حكومية فلا يجوز تحويلها إلى أزمة حكم ونظام إلا إذا كانت هناك نية مسبقة بعدم تشكيل حكومة لأسباب غير معروفة، ولن نتكهن بشأنها".
ونشرت الرئاسة اللبنانية بدورها الورقة التي قدّمها الرئيس عون للحريري، والتي تؤكد من خلالها أنها لم تتضمّن أسماء وزارية، ما ينفي طلب رئيس الجمهورية أو تمسّكه بالثلث المعطّل.
الحريري أحبط انقلاباً
واكتفت مصادر "تيار المستقبل" برئاسة الحريري بالقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحريري أحبط اليوم انقلاباً كان يحضّر له، وهو لن يعتذر، أو يتراجع حالياً، لكنه سيقدم حتماً على خطوات، في القريب العاجل، تصاعدية.
في المقابل، قالت أوساط قصر بعبدا الجمهوري، لـ"العربي الجديد"، إن الحريري أتى إلى الاجتماع بروح المواجهة وليس التعاون، وكأنه حضّر سلفاً كلمته، ويبدو أن خطوة وليد جنبلاط كان وقعها قوياً عليه، وأشعرته بأنه محاصر، علماً أنّ الرئيس عون لا يريد محاصرته بل جلّ ما يطلبه التعاون معاً وليس الفرض المعتمد بأسلوب الحريري وحديثه المتكرر عن الثلث المعطّل، وهو ما لم يطلبه عون ولن يطلبه يوماً، لا بل يتمسك به الرئيس الحريري كذريعة لإبعاد مسؤولية التعطيل عنه.
ولفتت إلى أن تشكيلة الحريري التي كشفها للإعلام تظهر بوضوح أن لا عدالة في التوزيع، وهناك أسماء مقربة لأحزاب معيّنة، رغم أنه يرفع الصوت علناً بحكومة الاختصاصيين غير الحزبيين.
وعلى وقع معاودة سعر صرف الدولار الارتفاع في السوق السوداء وتجاوزه 13 ألف ليرة لبنانية، وفي ظلّ تعثّر مسار تشكيل الحكومة من جديد، بدأ قطع الطرقات في عددٍ من المناطق اللبنانية، ولا سيما شمالاً وفي بيروت.
العقوبات ستشتد
إلى ذلك، لفت الدكتور في القانون الدولي المحامي أنطوان صفير، لـ"العربي الجديد"، إلى أن مفعول العقوبات سيشتدّ جداً في حال انضمام الاتحاد الأوروبي إليها، باعتبار أن علاقة لبنان مع فرنسا أوسع بكثير من العلاقة مع الولايات المتحدة، إذ يتمتع بعض اللبنانيين، ولا سيما السياسيون وأهل المال، بالجنسية الفرنسية بالإضافة إلى فتحهم حسابات مصرفية هناك، وإقامة استثمارات وما إلى ذلك.
وأكد صفير أن الموضوع لم يعد مجرّد مزحة أو تنبيه كلامي، إذ بمجرد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شخصيات سياسية أو مصرفية أو عامة، فهذا يعني أن هؤلاء سيصبحون مطوّقين من جميع الجهات، وبين العقوبات الأميركية والدولار الاميركي والنظام المالي والمصرفي العالمي ومنطقة اليورو، مع ما يملكون من عقارات أو حسابات ستجمَّد، وربما تصل إلى سحب الجنسية منهم في إطار بعض القوانين التي تجيز ذلك.