أعلن رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر أنّ 1429 شخصاً قدموا ملفات للترشح للانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وقال بوعسكر، في تصريحات للتلفزيون الرسمي، إنه "مع انتهاء آجال الترشح يوم الخميس قدم 1429 مترشحاً ملفاتهم إلى الهيئات الجهوية للانتخابات".
وأضاف أنّ "من بين هؤلاء كان عدد المترشحات 215 امرأة، بما يمثل 15% من إجمالي الترشحات".
وأشار إلى أنّ الإعلان عن المقبولين نهائياً للمنافسة الانتخابية سيكون، اليوم الأربعاء، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وكانت الهيئة قد أعلنت قبل ذلك تمديد فترة الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة 3 أيام لتنتهي الخميس بدلاً من الثلاثاء، لتمكين المترشحين من استكمال ملفاتهم، بحسب بيان للهيئة.
وبالتمعن في أسماء المترشحين من مختلف الجهات، يمكن استنتاج أن أغلبهم من خارج المنظومة الحزبية، باستثناء بعض النواب السابقين على قلتهم، أو شخصيات داعمة لمسار الرئيس التونسي قيس سعيّد، ممن يعرفون بالمنتمين للهيئات التفسيرية، مثل الشخصية المقربة منه أحمد شفتر، أو كذلك عميد المحامين السابق إبراهيم بودربالة.
وكانت النائبة السابقة أميرة شرف الدين قد أعلنت عبر صفحتها في "فيسبوك" ترشحها للانتخابات التشريعية المفروض عقدها عن دائرة ملولش سيدي علوان الشابة من ولاية المهدية، وسط تونس.
ونقلت تقارير إعلامية ترشح عدد من نواب سابقين عن كتلة حركة الشعب في البرلمان المنحل، على غرار رضا الدلاعي من ولاية باجة، وحاتم بوبكري من ولاية الكاف، وبدر الدين قمودي من ولاية سيدي بوزيد، وكمال الحبيب من ولاية قابس، إضافة إلى النائبة السابقة شادية حفصوني من جندوبة، والنائب السابق طارق البراهمي من ولاية قفصة.
وطبعاً لم يعلن عن ترشح قيادات الأحزاب المساندة لسعيّد، مثل زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب، أو عبيد البريكي الأمين العام لحزب تونس إلى الأمام، أو زهير حمدي الأمين العام لحزب التيار الشعبي، أو النائب السابق منحي الرحوي عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أو غيرهم، وهو ما طرح استفهامات حول هذا الغياب غير المبرر، خصوصاً أنهم من أشد المدافعين عن إجراءات سعيّد ومسار 25 يوليو/ تموز 2021.
ويتضح أن هذا البرلمان سيكون بلا سياسيين من الصف الحزبي الأول، خلافاً لما كان عليه الأمر في كل البرلمانات السابقة، وسيكون أيضاً برلماناً بلا معارضة، بالنظر إلى المقاطعة الشاملة لكل الأحزاب التونسية تقريباً، عدا المذكورة سابقاً.
ويعلّق رئيس المعهد العربي للديمقراطية، خالد شوكات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على ذلك بالقول، إنّ هذا البرلمان "سيكون برلماناً ضعيفاً من الناحية الدستورية التي حوّلته إلى مجرّد هيئة مصادقة، وسيكون شريكاً ثانوياً في السلطة التشريعية، لا يملك قدرة على مراقبة السلطة التنفيذية أو محاسبتها، فالبرلمان بالمعنى الحقيقي للكلمة، دوره تشريعي ورقابي ومحاسبي (...) ومن ناحية الموارد البشرية، فسيكون نتاجاً لمشروع (قتل السياسة) الذي شرع سعيّد في تنفيذه منذ الانقلاب على مسار الانتقال الديمقراطي، وهو ما جرى كذلك في دول أخرى مجاورة، حيث استهدُفت الديناميكية المجتمعية الطبيعية واستعيض عنها بآلية لا تفسح المجال إلا لمن لا سيرة له ولا طعم ولا رائحة".
ويعتبر المحلل السياسي قاسم الغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّه "على مستوى التسمية لا يجب أن نسميه مجلساً تشريعياً أصلاً، لأنه لا يملك أي صلاحيات تشريعية، فتسميته مجلس نواب الشعب ستكون مطابقة أو مناسبة أكثر، وسيكون برلماناً بلا سياسيين، لأن أغلب المترشحين أشخاص لا يمثلون حتى كامل جهاتهم، بل المعتمديات داخل هذه الجهات، وهم بلا صلاحيات تماماً".
ويضيف الغربي أنّ هؤلاء "سيشكلون نوعاً من الحزام البرلماني لمشروع رئيس الجمهورية"، مشدداً على أنّ "هذا البرلمان سيكون أيضاً برلماناً بلا معارضة، ويجمع فقط من يتبنون خط رئيس الجمهورية".
وتابع الغربي أنّ "هذا المشهد سيكون غير مسبوق في تاريخ تونس، فحتى في الستينيات والسبعينيات من حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة كانت هناك معارضة ولو من الداخل، وفي انتخابات سنة 1981 كانت هناك أيضاً أصوات معارضة وبوضوح عندما تمت أول انتخابات تعددية"، مبيناً أنّه "لأول مرة منذ الاستقلال، سنشهد توحداً في منظومة الحكم من حيث جانبها التمثيلي التنفيذي والتشريعي، وهذا غير مسبوق في تاريخ البلاد".
وأشار الغربي إلى أن هناك "حديثاً عن إمكانية تسرب بعض المترشحين غير المعروفين عن منظومة ما قبل 25 يوليو، أو حتى ما قبل 2011"، في إشارة إلى مترشحين منتسبين للإسلاميين أو الدستوريين، متسائلاً عن "الجدوى من ذلك إن ثبت فعلاً"، مؤكداً أنه سيكون "برلماناً بلا صلاحيات، وحتى الناجحون في الانتخابات فسيتقاضون رواتبهم الأصلية مع منحة، وبالتالي لا توجد أي مصلحة لا سياسية ولا مادية"، مبيناً أنه "برلمان شكلي إلى أبعد الحدود".
وبخصوص وضع المعارضة في المشهد السياسي، لفت الغربي إلى أنّ "الحديث عن الشارع السياسي المعارض يتركز على الحزبي، بينما لا نتحدث بالتركيز المطلوب عن الشارع الاجتماعي المعارض لمنظومة 25 يوليو ولما قبلها، وهو شارع غير مؤطر وحتى الاتحاد العام التونسي للشغل غير قادر على تأطيره، وقد بدأ يعبر عن نفسه بوضوح منذ أسابيع".
وتساءل الغربي "بعد الإجراءات التي ستتخذها الحكومة إثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، كيف ستكون التحركات في هذا الشارع وكيف سيكون موقفه من هذا المنعرج الاجتماعي الخطير؟".
واستدرك أنه على ما "يبدو أن هذا الشارع سيزيح الجميع، وسيحدث أزمة حقيقية في البلاد، وستكون أقوى من ثورة 17 و14، لأنها غير مؤطرة بالكامل هذه المرة، ففي السابق لعب الاتحاد دوراً سياسياً، ودوراً تأطيرياً، أما الآن فستكون هذه المعارضة الاجتماعية ضد كل المنظومات، وفي تلك الفترة، 2010 و2011، ورغم كل المآخذ كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي أفضل مما هو عليه الآن، ولذلك فإن الثورة القادمة ستكون أعنف وأخطر وضد الجميع".
ولاحظ الغربي أنّ "البرلمان القادم سيصبح نافذاً بداية من فبراير/ شباط من عام 2023، وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سيكون تقريباً في 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، يعني بعد شهرين تقريباً، بينما الدولة لا تمتلك حزاماً سياسياً يدافع عنها بخصوص هذه الإجراءات الموجعة، ويأتي كل هذا في شهري ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني، وهي أسوأ فترة معروفة سنوياً في تونس، يمكن أن تمر بها أي منظومة حكم".