أعوام مرّت من دون أن تتمكن الأجسام التشريعية في ليبيا من إنجاز إطار دستوري لإجراء انتخابات في البلاد، سواء كانت برلمانية أو رئاسية، لكن تلك الأجسام لديها إمكانية للتقارب والتوافق لحسم ملفات أخرى لا تقلّ صعوبة، كملف المناصب السياسية أو السلطة التنفيذية.
مرّت خمس سنوات على انتهاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور من تسليم مسوّدة الدستور الدائم إلى مجلس النواب، من دون أن يتمكن الأخير من طرحه للاستفتاء عليه. ولتجاوز هذه العقبة، شكّلت الأمم المتحدة مساراً دستورياً لخلق قاعدة دستورية مؤقتة تُجرى على أساسها الانتخابات، ويؤجل النظر في مسوّدة الدستور إلى حين، لكنها فشلت منتصف العام الماضي. ثم شكّل مجلسا النواب والدولة لجنة دستورية مشتركة، عقدت جولات عدة في القاهرة منتصف العام الحالي وفشلت هي الأخرى.
على مدار تلك الجهود لخلق إطار دستوري للانتخابات، كانت الأسباب تدور حول خلافات غير ظاهرة بين الأطراف، يتعلق بعضها ببنود لإقصاء خصوم، كما في قوانين الانتخابات التي أصدرها مجلس النواب بشكل أحادي.
لكن فشل مفاوضات اللجنة الدستورية المشتركة في القاهرة، كشف عن الأسباب الحقيقية للخلافات، وإن كانت معروفة من قبل لكنها كانت مكتومة، وتتعلق بشروط الترشح الخاصة بالعسكريين ومزدوجي الجنسية. فقد تم الاتفاق على كلّ بنود القاعدة الدستورية باستثناء ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، ما يعني أن الأزمة الدستورية في البلاد كانت طيلة السنوات الماضية تتمحور حول اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأن من يقف وراء الأزمة إجمالاً وتفصيلاً، هو الشخصية العسكرية المختلف حولها، المرفوضة من قِبل أطراف، ومقبولة من أطراف أخرى.
في آخر مستجدات الأزمة، صرّح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أخيراً في القاهرة، بأن توافقاً قريباً سيحدث قبل نهاية العام الحالي. ويتعلق ذلك بتقاربه مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، بشأن المناصب السياسية والسلطة التنفيذية، لكنه عقّب بأن المسار الدستوري لا يزال شائكاً، وأن القاعدة الدستورية سيتم تداولها أيضاً في لقاءات مرتقبة مع المشري، من دون أن يشير إلى حسمها.
غنيّ عن البيان أن مختلف الأطراف لا ترغب في إجراء انتخابات يمكن أن تقصيها من المشهد، فجميعها لا يمكنها ضمان مرورها إلى المرحلة السياسية المقبلة عبر الانتخابات، وبالتالي فعدم الاتفاق على إطار دستوري للانتخابات يخدم مصالح السياسيين الحاليين في البقاء أطول مدة في المشهد. وتوافقهم ممكن إذا اتفقت مصالحهم، كما يحدث الآن في ملف المناصب السياسية، والاتفاق ممكن أيضاً في ملف السلطة التنفيذية. لكن الإطار الدستوري، سواء كان قاعدة مؤقتة أو دستوراً دائماً، لن يتم بوجود حفتر كما أثبتت المراحل السابقة. فإلى متى سيستمر رهن مصير بلاد بأكملها بمصير رجل بات الجميع يعلم أنه مجرم حرب، خصوصاً بعدما انكشف أن البنود الوحيدة المعرقلة لإنجاز القاعدة الدستورية تتعلق به؟