في ظلِّ تعهّد الحكومة اللبنانية "علناً" بإجراء الانتخابات النيابية بموعدها في مايو/ أيار 2022 بدأت تتسرّب معلومات عن محاولةٍ لـ"إقصاء" المغتربين الذين يعوَّل عليهم في لعب دورٍ أساسي لإحداث التغيير المنشود باعتبارهم الأكثر قدرة على التحرّر من هيمنة الأحزاب.
التسريبات جاءت عبر وسائل إعلام محلية ومصادر متابعة للملف، وأشارت إلى أن ورشة عمل اللجنة المعنية بالملف الانتخابي، تقوم حاليًا بدراسة إمكانية إلغاء انتخابات المغتربين مع الإبقاء على القانون الانتخابي الحالي. ونقل هذه المعلومات أيضًا النائب اللبناني السابق سامي الجميل، محذرًا من "المسّ بحق المغتربين بالتصويت".
لا تجرأوا على المس بحق المغتربين بالتصويت في الخارج. هم ثروة #لبنان وأصواتهم حرة بعيدة عن زبائنيتكم وترهيبكم.
— Samy Gemayel (@samygemayel) September 23, 2021
أي قرار لإقصائهم هو قرار انقلابي على ديمقراطية #الانتخابات سنعتبره بمثابة إلغاءها وسنواجهه على هذا الأساس. https://t.co/cBDy4hmCvj
ولقي هذا التوجّه من قبل لجنة الانتخابات ردة فعل غاضبة مما اعتبر محاولة من قبل المنظومة السياسية التقليدية والحكومة، التي ترفع شعار "الإنقاذ"، للانقلاب على الديمقراطية واستبعاد المغتربين. ويتجاوز عدد المغتربين المليون مرشح، وسط توقعات بمشاركة كثيفة لهم في الاستحقاق المنتظر يوم 8 مايو/ أيار 2022 بعكس انتخابات عام 2018.
ونبّه المستشار القانوني في منظمة "كلنا إرادة"، علي مراد، من خطورة إلغاء تنظيم اقتراع غير المقيمين أو المغتربين اللبنانيين ما من شأنه أن يحرم مليون مواطن بالحدِّ الأدنى من حقهم في الاقتراع بالخارج وهو ما يوازي ثلث إجمالي الناخبين. وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ذلك لن يترك أمامهم من خيار سوى السفر إلى لبنان للاقتراع أو عدم المشاركة في العملية، لافتاً في المقابل إلى أن هذه الخطوة تحتاج إلى تعديل للقانون الانتخابي.
وكانت الأحزاب التقليدية تستغل مسألة عدم قدرة المغترب على الاقتراع في مكان إقامته بالخارج وإلزامية حضوره إلى لبنان لممارسة حقه، بحيث كانت تؤمن له تذاكر السفر مع إقامة في الفنادق بأحيانٍ كثيرة ومخصصات عدّة للتأثير عليه وكسب صوته الانتخابي.
ولفت مراد إلى أنه في انتخابات 2018 سجّل حوالي 80 ألف مغترب وانتخب منهم 40 ألفا ويعتبر الرقم 80 ألفا قليلا علماً أن بعض المغتربين، خصوصاً المقيمين في دول الخليج، اقترعوا في لبنان.
وأردف "هذه الأرقام مرجحة جداً للارتفاع وسيكون لهؤلاء قدرة كبيرة على التأثير بنتائج الانتخابات وإحداث الخروقات المطلوبة لأسباب كثيرة منها أن الناس التغييريين لم يكونوا منظمين في الانتخابات الماضية كحال الأحزاب ولكن بعد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 شهدنا غليانا في الاغتراب لا مثيل له في تاريخ لبنان وأصبح المغترب مهتمّاً بشكل مباشر في السياسة اللبنانية سواء من خلال انضمامه إلى مجموعات مدنية أو تنظيم تظاهرات حيث مكان إقامته في الخارج عدا عن الخسائر الهائلة التي منيَ بها مباشرة نتيجة القيود التي وضعتها المصارف على أموال المودعين بالدولار الأميركي باعتبار أن المغترب يشكل مساحة واسعة من المودعين في لبنان".
وأشار مراد إلى أن "المغترب هو أكثر قدرة على تغيير موقفه إذا كان منحازًا سابقاً إلى حزب في السلطة لأنه غير مرتبط بالاستفادة المباشرة منهم ولا يعيش الضغوط الاقتصادية التي يعيشها اللبناني في بلاده ولديه القدرة على التحرر من هيمنة الأحزاب أو تأثيرها عليها".
من جهة ثانية، توقف المستشار القانوني في منظمة "كلنا إرادة" عند مسألة المقاعد الستة المخصصة في مجلس النواب لغير المقيمين والتي سوف تضاف إلى عدد مقاعد البرلمان لتصبح 134 مقعداً بدل 128 والتي يجرى الحديث فيها عن تقسيم بحسب الطوائف والمذاهب وهو ما أثار بلبلة في الساحة اللبنانية ورفضاً من قبل المجموعات المدنية.
وقال مراد إن "هذه المسألة ستخلق إرباكاً طائفياً بين المغتربين ولا سيما في ما خص تقسيم القارات على الطوائف أي مثلاً أفريقيا للشيعية أستراليا للمسيحيين الموارنة وغير ذلك، كما أن المغترب لا تعنيه المقاعد الستّة المخصصة لتمثيله بل يهتم أكثر بأن تكون علاقته مباشرة بدائرته الانتخابية وقدرته على التأثير في الانتخابات ككلّ، ويريد أن يتساوى مع اللبناني المقيم بهذا الحق، وبرأيي يجب إلغاؤها ولكن تحتاج أيضاً لتعديل في القانون".
ولفت مراد إلى أن هذا الموضوع لم يأخذ حقه في النقاش عند إقرار القانون الانتخابي وكان التركيز على تقسيم الدوائر والنظام الانتخابي، كما أن مسألة المقاعد الست لم تطبق عام 2017 بل أدخلها القانون حيز التنفيذ في انتخابات 2022 ليُصار عام 2026 إلى احتساب هذه المقاعد الستة من ضمن عدد النواب الـ128 مع إلغاء 6 مقاعد من الداخل.
ومن المتوقع أن تجرى الانتخابات عام 2022 وفق القانون النافذ حالياً والذي أجريت على أساسه انتخابات عام 2018 والذي اعتمد النسبية للمرّة الأولى بعدما كان لبنان يعتمد النظام الأكثري منذ تأسيسه. ومُنح المغتربون من خلاله حق الاقتراع في الخارج في سابقة من نوعها، كما أنه يقسم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية مع صوتٍ تفضيلي واحد.
واستعرض رئيس الجمهورية ميشال عون الخميس مع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي التحضيرات الجارية لإتمام العملية الانتخابية في وقتها وسط أجواء مستقرة أمنياً.
وفي معرض رده حول ما إذا كان هناك من تعديل للموعد المقترح لإجراء الانتخابات وسط كلام عن إجرائها في شهر مارس/آذار، أوضح وزير الداخلية أنه "إذا كانت ستجرى الانتخابات في مارس، فيجب حصول تعديل قانوني لأن هذا الموضوع يتعلق بالمهل، ولا مانع لدي في إجرائها وفق القانون، في الموعد الذي يتم تحديده".
وعن حصة المغتربين في الاقتراع لنواب الاغتراب، قال "هناك لجنة، وفق القانون، مشكلة من وزارتي الداخلية والخارجية لبحث الموضوع إذا كان المقصود عن النواب الست الإضافيين، فنحن نسير بالمسألة وفق ما ينص عليه القانون لجهة تنفيذ هذا الأمر في الانتخابات المقبلة، وأي تدخل تشريعي آخر يعود إلى مجلس النواب".