في الزمن السياسي تقع الجزائر في منتصف الطريق، بين مخرج إلى الانتقال الديمقراطي ومحاذير الدخول في نفق يعيد منظومة الحكم التي لا تزال لديها القدرة على المناورة لإعادة إنتاج أدوات السطوة والسيطرة.
النقاش السياسي الجاري الآن مرتكز على جدوى إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة وغاياتها، وما إذا كانت هي الحل الوحيد للأزمة السياسية المستمرة تزامناً مع استمرار الحراك الشعبي. وإزاء هذا النقاش تنقسم المواقف في ثلاثة اتجاهات؛ اتجاه الموالاة العمياء الذي يدعم أي خيار تتخذه السلطة، واتجاه ثانٍ يعترض على إجراء الانتخابات ويُصعّد لتعطيلها سياسياً وإضعاف المشاركة الشعبية فيها. كذلك يبرز اتجاه ثالث لا يرى أفقاً غير الانتخابات، لكنه لا يثق في الوقت نفسه بوعود الرئيس وضمانات السلطة.
في الواقع السياسي، الانتخابات هي عنصر واحد من مجموعة عناصر تمثل أدوات الانتقالية الديمقراطية، وآلية من مجموعة آليات أخرى. نظرياً هي الحل في الغالب، لكنها ليست كذلك في كل الأحوال (الجزائر نظمت منذ التعددية السياسية 16 استحقاقاً انتخابياً بدون إنهاء الأزمة). ومثلما للديمقراطية اشتراطاتها واستحقاقاتها لتكون منتجة للقيم والقيمة، مثلما للانتخابات شروطها لتكون منتجة لمؤسسات نيابية حقيقية، تَعبُر بالبلد من المأزق والأزمة.
يُمكن طرح سؤال موضوعي، هل هذه المتطلبات متوفرة في الوقت الحالي في الجزائر لإجراء الانتخابات؟ السلطة تقول نعم والساحة جاهزة لذلك. ثمة سلطة مستقلة تشرف على كامل المسار الانتخابي بما يستبعد الجهاز الأمني والإداري عن أي تدخل، وثمة قانون انتخابي جديد، ضمن محددات جديدة تستبعد المال الفاسد. ويضع القانون كل الأحزاب السياسية على قدم المساواة (جمع لائحة اكتتاب وطنية تشمل 25 ألف توقيع لقبول قوائم الأحزاب) ووجدت آليات الرقابة الكاملة على الاقتراع.
يقود ذلك إلى التساؤل عمّا إذا كانت هذه الضمانات كافية لإجراء انتخابات نزيهة، تضمن حق مجموع المشاركين فيها. علّة الانتخابات في الجزائر لم تكن مطلقاً في القانون الانتخابي والضمانات السياسية المعلنة من رئيس أو وزير. في كل المراحل السالفة كانت السلطة تُدخل تحسينات على القانون الانتخابي ويعلن الرؤساء عن أقصى الضمانات، لكن النتائج تأتي مغايرة والتلاعب بالانتخابات يحدث على مرأى العين (مدير المخابرات الداخلية السابق واسيني بوعزة في السجن وهو متهم بالتلاعب بانتخابات 2019).
الانتخابات ليست يوم الاقتراع فحسب، بهذه الصورة تصبح مجرد حلحلة لقدر يغلي وعملية ميكانيكية وبلا معنى. الانتخابات هي مسار كامل يمتد إلى المناخ السياسي الصحي الذي تجري فيه، من حيث وجود تفاهمات سياسية مشتركة. الشفافية الحقيقية للانتخابات تجد أجوبة عنها في مدى توفر حق التنظّم وإنشاء الأحزاب للمشاركة السياسية، وفي حرية التعبير التي تسمح لكل تيار سياسي بطرح أفكاره بمسؤولية، وفي حرية الصحافة التي توفر نفس المساحة لمجموع المكونات لعرض مشروعها السياسي بدون تضييق أو توجيه، وفي حق التظاهر الذي يتيح لكل كتلة شعبية طرح مطالبها بكل حرية، وفي تكافؤ الفرص من حيث حرية النشاط والإمكانات المادية والإحاطة الإعلامية، وفي حياد مؤسسات الدولة عن كل دعم جهة على حساب أخرى، زفي كف يد البوليس السياسي عن التلاعب وتوظيف المجتمع المدني.
ثمة سؤال يسبق كل ذلك ويخضع للتقدير السياسي، هل السلطة السياسية الحاكمة، والجيش المؤثر الفعلي في القرار، مستعدان فعلياً لتسليم السلطة النيابية بدون قولبة وهندسة مسبقة لتوليفة البرلمان المقبل والحكومة التي تليه... الإجابة واضحة في المشهد الجزائري.