الحرب على "داعش"... لإطاحة الأسد؟

12 سبتمبر 2014
انتقادات أوباما بسبب استعماله عبارات بوش (سول لوب/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
حمل خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي وجّهه الى مواطنيه عشية ذكرى الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، عبارات واضحة تتعلق بنظام الرئيس السوري، بشار الأسد. وإذا ربطت بمواقف جديدة صادرة عن السعودية، وبالآلية الهزيلة المطروحة في الخطاب لاستئصال "سرطان" تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، فإن هذا الخطاب، مع هذه العناصر، يمكن أن يقود إلى استنتاج، أن توسيع الضربات الجوية على "داعش" ليس سوى خطة لإطاحة نظام الأسد في دمشق، أكثر مما هو استراتيجية عملية للقضاء التام على "داعش". ومن المعروف أن الضربات الجوية لا يمكن أن تقضي نهائياً على أي تنظيم، ولكنها قادرة على تدمير أي نظام. وعندما يتحدث الرئيس الأميركي عن أن "النظام الذي أرهب شعبه وفقد شرعيته"، ويقصد بذلك نظام الأسد، لا يمكن أن يستعيد هذه الشرعية أبداً، فهذه العبارات تبدو أشبه بقرار اتُخذ لإطاحة هذا الرئيس أو ذاك النظام. وعندما يُوسَم رئيس النظام بأنه "يمارس الإرهاب ضد شعبه"، فليس لهذا الاتهام من تبعات سوى شن الحرب عليه مثلما تُشن على بقية المدرجين في لوائح الإرهاب بالمفهوم الأميركي.

لكن الدلالات اللفظية لا تكفي للجزم بأن الهدف هو إطاحة الأسد فعلاً لولا أنها تزامنت مع تطورات أخرى واتصالات سعودية أميركية مثيرة للتساؤل. ففي وقت متزامن تقريباً تم الإعلان في واشنطن عن طلبات تقدم بها البيت الأبيض الى الكونغرس للموافقة على تدريب عناصر المعارضة السورية المعتدلة لمحاربة "داعش"، وانتشرت أنباء في الرياض عن أن السعودية أبدت استعدادها لاستضافة مراكز تدريب للمعارضة السورية "المعتدلة" في الأراضي السعودية. ولا يقتصر الظن أن "المعارضة السورية المعتدلة" التي ستكون غالبيتها من السنّة طبعاً، سترسل المتدربين الى قتال "داعش" وحده، وهو تنظيم سنّي بلا عنوان، بل قد يتم تجنيد هؤلاء لخوض معركة أخرى لاحقاً لإطاحة النظام الذي أصبح رئيسه عبئاً ثقيلاً على كثير من الأطراف.

ومن اللافت كذلك أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وجد نفسه مضطراً ليخطب ود السعودية عبر التواجد في أراضيها في يوم ذكرى الحادي عشر من سبتمبر، الذكرى التي يقول الأميركيون بأن 15 انتحارياً سعوديّاً شاركوا في تنفيذها، على الرغم من انتقادات أقارب الضحايا له، وهجوم المواقع الإخبارية عليه بسبب "عدم مراعاته شعور أسر الضحايا". ولو لم يكن بحاجة الى الموقف السعودي المساند للتحالف الدولي ضد "داعش"، لما قبل بذلك.

أما القيادة السعودية من جهتها، فهي التزمت الصمت بداية تجاه التوجّه الأميركي لإنشاء تحالف دولي ضد "داعش"، ولكن الصمت تحوّل فجأة إلى حماسة. ونشر كاتبان سعوديان مقالاً مشتركاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية قالا فيه: إن أحداً لا يستطيع الإجهاز على "داعش" سوى السعودية التي تمكنت من إنهاء خطر "القاعدة" داخل أراضيها على الأقل.

وبعد ذلك تستضيف السعودية اجتماعات عربية أميركية في جدة لمناقشة خطر "داعش"، ومساندة التحالف الذي ستكون السعودية جزءاً أساسيّاً فيه. لكن خبر الموافقة السعودية على استضافة معسكرات تدريب المعارضة السورية، أدى إلى تعزيز الشكوك بوجود تفاهمات أو اتفاقات سعودية أميركية، وافقت بموجبها الرياض على الانخراط في الجهد الساعي الى كبح جماح "داعش"، مقابل موافقة الولايات المتحدة على الإجهاز على نظام الأسد، ولو عن طريق الخطأ بضربات جوية قاتلة لرأس النظام، أو تسليح "الجيش الحر" و"المعارضة المعتدلة" بما يكفي لأداء المهمة. وليس من المتوقع أن تدافع "داعش" عن الأسد في هذه الحالة بل إن إزاحة الرئيس السوري ستكون الغاية منها تسهيل وتسريع القضاء على "داعش".

لكن خطاب الرئيس الأميركي تضمّن عبارات ألقت ظلالاً من الشك على جدية أوباما في إنهاء "داعش" في نهاية المطاف، ومنها استشهاده بالتجربة التي وصفها بالناجحة في حرب بلاده على "القاعدة" وأخواتها في اليمن والصومال.

ففي عام 2002، بدأت الحرب التي يتحدث عنها أوباما بإسقاط أول صاروخ من طائرة من دون طيار على سيارة قائد تنظيم "القاعدة" في اليمن، أبو علي الحارثي، ما أدى الى مقتله مع خمسة آخرين في صحراء مأرب. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقف الضربات ونجحت في قتل العديد من عناصر "القاعدة" فضلاً عن الكثير الكثير من المدنيين اليمنيين، ولكنها لم تنجح في القضاء على التنظيم الإرهابي.

وبعد مرور 12 عاماً على الحرب الدائرة في اليمن، فإن الضربات الأميركية الجوية والصاروخية، التي تشارك فيها أحياناً قذائف موجّهة من سفن حربية طافية على مياه خليج عدن، أو طائرات مقاتلة تنطلق من حاملات طائرات في بحر العرب، لا يمكن إلا وصفها بالفاشلة، ولم يكن من المناسب أن يستشهد بها الرئيس الأميركي لتطمين شعبه بأنه بهذه الطريقة يمكن أن يقضي على "داعش" الذي يقول عنه أوباما ذاته بأنه أشد خطورة من "القاعدة".

ومن الرصد الأولي لسخرية المعلّقين الجمهوريين على خطاب أوباما، وبينهم أعضاء في مجلس الشيوخ، يمكن القول، إن الرئيس الأميركي لم ينجح في خطابه بإقناع المؤيدين للحرب أو المعارضين لها، بسلامة موقفه، إذ أنه اضطر في خطابه الى استعمال عبارات الرئيس السابق، جورج بوش، الشهيرة أن أميركا ذهبت الى الإرهابيين لقتالهم على أراضيهم بدلاً من الانتظار حتى يقوموا هم بنقل المعركة إلى الأراضي الأميركية مثلما فعلوا في 11 سبتمبر.

ومشكلة أوباما في سياسته الخارجية والداخلية أنه يحاول إرضاء الأطراف، لكنه يخسر تأييد كل الأطراف الفاعلة.