دخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أمس السبت، أسبوعها الثالث من دون أن تبرز أي ملامح للحسم. وكانت المواجهات بين الطرفين بدأت في 15 إبريل/نيسان الحالي، في أحد معسكرات "الدعم السريع" في منطقة سوبا قرب المدينة الرياضية. وبعد دقائق امتدت لتشمل عدداً من الجبهات في الخرطوم، بينها مقر قيادة الجيش ومطار الخرطوم والقصر الرئاسي، وغالبية وحدات ومعسكرات الجانبين. وتوسعت الاشتباكات، في الأيام التالية إلى أكثر من 7 مدن سودانية، مع تركزها في مدن إقليم دارفور، وشمال كردفان.
وتقاسم الطرفان طوال 15 يوماً، السيطرة على المواقع. واستطاع الجيش أن يحكم سيطرته على مقر قيادته، الذي شهد في الأيام الأولى اشتباكات عنيفة بعد أن استولت قوات الدعم السريع على جزء منه، قبل أن تتراجع، لتواصل قصفه من مسافات بعيدة، خصوصاً من حي بري شرق الخرطوم.
شكّل سلاح الطيران عامل ترجيح للجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع
في المقابل، سيطرت قوات الدعم السريع، منذ الأيام الأولى لاندلاع الاشتباكات، بالكامل على القصر الرئاسي. وقد ساعدها في ذلك تمركزها فيه قبل 4 سنوات عقب سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير. واستهدف الطيران الحربي للجيش، خلال الأسبوعين الماضيين، القصر، من دون أي تقدم على الأرض للسيطرة عليه.
مناطق انتشار "الدعم السريع"
وبعيداً عن القصر الرئاسي تنتشر قوات الدعم السريع بصورة أكثر من خصمها في مناطق بالخرطوم، حيث أقامت عدداً من نقاط الارتكاز في الطرقات. كما أنها احتفظت بالسيطرة على معسكرها في سوبا جنوبي العاصمة، رغم تكرار الاشتباكات بالقرب منه وفي شارع الهوا القريب ومستشفى الراقي.
كما أنها تنتشر في كل مناطق جنوب الخرطوم حتى معبر الباقير على الحدود بين العاصمة وولاية الجزيرة. ووسعت أمس الأول الجمعة، من مساحة انتشارها في ولاية الجزيرة، حيث استقر جزء من قواتها داخل مدينة جياد الصناعية، وهي إحدى أفرع هيئة التصنيع الحربي التابعة للقوات المسلحة، فيما كانت تدور باتجاه مدينة جبل أولياء أشرس المعارك، في محاولة من الجيش لاستعادة السيطرة على قاعدة جبل أولياء الجوية.
مناطق سيطرة الجيش
وفي أم درمان، بسط الجيش في الأيام الأولى من المواجهات، سيطرته على كامل شمال المدينة، بعد أن دمر قاعدة عسكرية في منطقة كرري، التي تعد واحدة من كبريات قواعد قوات الدعم السريع، ما أدى إلى مقتل وإصابة أعداد، لم يتم حصرها، من عناصر "الدعم السريع".
ولا يستثنى من سيطرة الجيش على المدينة إلا مقر الهيئة الحكومية للإذاعة والتلفزيون وسط أم درمان، حيث ذادت عنها قوات من الدعم السريع، كانت تتمركز فيها أيضاً منذ سقوط نظام البشير.
وفي جنوب أم درمان، يواصل الجيش فرض سيطرته على مقري السلاح الطبي وسلاح المهندسين، فيما تدور مناوشات قرب الأخير، حيث تحاول قوات الدعم السريع السيطرة عليه.
في المقابل، تنتشر "الدعم السريع" على الأرض في مناطق جنوب وغرب المدينة، في محاولة منها لضمان عبور الإمدادات القتالية. وتعد مدينة الخرطوم بحري، التي تشكل الضلع الثاني للعاصمة، الأكثر تضرراً من جميع النواحي، حيث انقطع الإمداد المائي عن السكان وكذلك التيار الكهربائي، وتم حرق ونهب واحد من أكبر أسواق المدينة.
وتأثرت منازل المدنيين في أحياء حلة حمد والختمية والأملاك وغيرها بالاشتباكات، التي اتسعت لتشمل أحياء أبعد شمالي المدينة مثل شمبات والحلفايا والكدرو وصولاً إلى منطقة الجيلي حيث المصفاة الرئيسة للنفط. وتختلف روايات الجيش وقوات الدعم السريع حول من يسيطر على المنطقة.
معارك خارج الخرطوم
خارج الخرطوم، اشتدت المعارك في الجنينة مركز ولاية غرب دارفور، والفاشر مركز ولاية شمال دارفور، والأبيض وود بندة في شمال كردفان، ونيالا جنوبي دارفور، وزالنجي.
وسلمت قوات الدعم السريع أسلحتها في مدن أخرى مثل بورتسودان وكسلا والقضارف، فيما دارت معارك كر وفر عنيفة في مروي شمال السودان، وتحديداً في القاعدة الجوية بالمدينة. وفي حين عاد الهدوء ليخيم على كل تلك المناطق، فإن النزاع في الجنينة تحول إلى اشتباكات بين القبائل العربية وقبيلة المساليت، ما أدى إلى مقتل نحو 100 شخص، وإصابة المئات، وتدمير عدد من المؤسسات، ونزوح الآلاف إلى تشاد المجاورة.
وخلال الأسبوعين الماضيين، شكل سلاح الطيران عامل ترجيح للجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع، التي تحاول صده عبر المضادات الأرضية، متحدثة أكثر من مرة عن إسقاطها لطائرات.
في المقابل، شكلت القوة العددية لقوات الدعم السريع عامل ترجيح، حيث يقدر عدد عناصرها في ميدان القتال بنحو 60 ألف مقاتل. ويراهن الجيش على توقف إمداد تلك القوة بالمؤن الغذائية والعتاد الحربي، ما يسهل عليه كسب المعركة، بينما تقول "الدعم السريع" إن لديها ما يكفي من الاحتياطيات للمعركة.
وتم خلال 15 يوماً، الإعلان عن هدن لمدة 8 أيام، برعاية سعودية أميركية تارة، والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" تارة أخرى. لكن لم يحدث أي التزام بأي منها، عدا أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء الماضية، حيث استطاعت العديد من الدول إجلاء رعاياها من الخرطوم عبر طائرات عسكرية من منطقة وادي سيدنا العسكرية شمال أم درمان، وسط تبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بخرق الهدن.
نبيل عبد الله: الجيش هزم المتمردين وشتتهم، ولم يتبق منهم سوى جيوب محدودة
وليس هناك إحصاء رسمي لعدد المدنيين ضحايا الحرب، والذين تقدرهم اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء بأكثر من 411 قتيلاً، بينهم أكثر من 50 طفلاً، وإصابة أكثر من ألفين، فيما لم يعلن الجيش أو الدعم السريع عن عدد ضحاياهم بعد.
وأدت المعارك إلى توقف غالبية مستشفيات الخرطوم عن تقديم خدماتها، فيما انعدمت كثير من السلع أو غلا سعرها. كما نزح من العاصمة مئات الآلاف من المدنيين الذين فروا إلى الولايات القريبة، مثل الجزيرة وسنار ونهر النيل والمالية، فيما اختار الآلاف الفرار إلى مصر وإثيوبيا وتشاد.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الجيش وقوات الدعم السريع يزعمان السيطرة على الجزء الأكبر من الخرطوم. وكان قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان أعلن، في تصريح أخيراً، أن الجيش يسيطر ليس على العاصمة فقط بل كل التراب السوداني، عدا بعض الجيوب، فيما أكدت "الدعم السريع" سيطرتها على 90 في المائة من كامل ولاية الخرطوم، وأن جميع المنافذ المؤدية إلى داخل الولاية مؤمنة تماماً بواسطتها.
إجهاض مخطط المتمردين للسيطرة على الحكم
وقال الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن المعركة بالنسبة للجيش حسمت منذ اليوم الأول، وأجهض هدفها الخاص بمخطط القوات المتمردة للسيطرة على السلطة بغطاء سياسي، وربما غطاء ودعم إقليمي.
وبيّن أن الجيش صدّ، خلال الأسبوعين الماضيين، "كل هجمات المتمردين على المواقع الاستراتيجية والقيادات العسكرية، وهزمهم في كل قواعدهم وشتتهم، ولم يتبق منهم والحرب، تدخل أسبوعها الثالث، سوى جيوب محدودة". وأشار إلى أن بقية ولايات السودان تشهد استقراراً تاماً مع سيطرة الجيش عليها، معتبراً أن ما يحدث في ولاية غرب دارفور عبارة عن صراع قبلي، لا يبعد عن تأثير القوات المتمردة على النسيج الاجتماعي.
ورفض عبد الله تحديد موعد قاطع لنهاية الحرب، مؤكداً قدرة الجيش على إكمال ما تبقى من المعركة، "لكن عما قريب سينتهي كل شيء ويحتفل الشعب بيوم النصر، ويُسدل الستار على انتهاء فصول أسوأ حقبة عاشتها البلاد".
وأضاف أن "الجيش يعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتتمكن الشرطة وبقية أجهزة الدولة من استئناف عملها وعودة الحياة لطبيعتها بأسرع وقت ممكن".
وحول استعداد الجيش للجلوس للتفاوض لإنهاء الحرب وإيجاد حل سياسي، أكد عبد الله أن الموقف الواضح والصريح للقوات المسلحة السودانية، أن ما حدث منذ 15 إبريل شأن عسكري خالص بتمرد قوات الدعم السريع التي كانت جزءا من المنظومة العسكرية والأمنية، ولا مجال فيه للتفاوض على الإطلاق ولا شأن له بالأمور السياسية.
من جهته، يقول اللواء المتقاعد إسماعيل عيساوي إن ما يعلنه الجيش من انتصارات لا مكان له على الأرض، ويوجد فقط على شاشات التلفزة والبيانات. وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن قوات الدعم السريع تسيطر على معظم المواقع الاستراتيجية، بما فيها كل المعابر في الخرطوم، عدا انتشارها الواسع في العاصمة.
وأضاف أن الجيش ليست لديه قوة برية كافية، ويحاول تعويضها باستدعاء جنود من ولايات بعيدة، مثل ما حدث في اليومين الماضيين، من جنوب كردفان والنيل الأزرق وعطبرة. ونبه إلى أن قائد الجيش غير قادر حتى الآن على الخروج من مخبئه داخل القيادة العامة للقوات المسلحة.
واعتبر عيساوي أن الحرب لن تستمر أكثر من شهرين، وستكون نتائجها وخيمة على الجميع، وتحتاج إلى تدخل المجتمع الدولي للضغط على الطرفين لإيقافها، والضغط أكثر على البرهان للابتعاد عن فلول النظام البائد الذين يتمسكون باستمرار الحرب بعد أن أشعلوها في اليوم الأول.