الرئيس الجزائري يعد بانتخابات نزيهة والحراك يواصل مظاهرات الجمعة... تجاهل متبادل
تجددت مظاهرات الحراك الشعبي في الجزائر في رابع جمعة على التوالي منذ عودة المظاهرات في نهاية فبراير/ شباط الماضي، جددت فيها مكونات الحراك رفضها إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل، قبل تحقيق جملة مطالب سياسية، في الوقت الذي أكد فيه الرئيس عبد المجيد تبون تعهده بإجراء انتخابات نزيهة تقطع مع كل ممارسات التزوير والتلاعب التي كانت تتم في السابق.
وشارك الآلاف من المتظاهرين اليوم في العاصمة ومدن جزائرية في مظاهرات الجمعة 109 للحراك، ووصل المتظاهرون من الأحياء الشعبية كباب الواد وبلكور والضواحي على وسط العاصمة الجزائرية، ورفعت في المظاهرات لافتات تطالب مجدداً بتحقيق الحريات والديمقراطية واستقلالية العدالة، وبرزت في مظاهرات الجمعة لافتات وشعارات تؤكد وحدة الحراك وتوجهه نحو مطالبه المركزية، دون تمكين ما يعتبره المتظاهرون محاولة السلطة اللعب على وتر الانقسامات الأيديولوجية داخل الحراك لتقسيمه، خاصة في الفترة الأخيرة التي برزت فيها محاولة تغذية التجاذبات بين الإسلاميين والعلمانيين في الحراك.
ورد المتظاهرون على تعليمات وجهها أمس وزير العدل إلى النواب العامين في المحاكم تقضي بعدم فتح تحقيقات ضد المسؤولين والموظفين العموميين، قبل أخذ الموافقة من وزارة العدل، ووصف ناشطون في الحراك ذلك بـ"الحماية والتوظيف السياسي والانتقائي للقضاء"، وسمعت هتافات تطالب برحيل وزير العدل بلقاسم زغماتي على أساس ذلك. وعلى الرغم من الانتشار الأمني الكبير لقوات الشرطة في الساحات والشوارع الرئيسة في العاصمة الجزائرية، فإن قوات الأمن ظلت تراقب المظاهرات دون تسجيل أي احتكاك مع المتظاهرين، وهو نهج جديد تتبعه السلطات وقوات الأمن الجزائرية منذ عودة المظاهرات في 22 فبراير الماضي، إذ باتت السلطات تسمح للحراك بالتظاهر في العاصمة يوم الجمعة والحراك الطلابي يوم الثلاثاء.
وبخلاف الجمعات الماضية، نجح الحراك في تنظيم مسيرات في مدن وهران غربي الجزائر، وعنابة وقسنطينة وبرج بوعريريج شرقي الجزائر، فيما خرجت مظاهرات صاخبة في مدن وولايات منطقة القبائل، كتيزي وزو وبجاية والبويرة قرب العاصمة الجزائرية، بينما لم تسمح السلطات للمتظاهرين بالسير في مدن غربي ووسط البلاد، حيث اعتقلت قوات الشرطة واعتدت بالقوة على الناشطين في مدن تيارت والبليدة والمدية، كما اعتقلت عددا من الناشطين مباشرة بعد خروجهم من المسجد في ولاية الوادي جنوبي الجزائر، ما يطرح تساؤلات حول سماح السلطات بالتظاهر في ولايات ومنعه في ولايات أخرى.
وتجاهلت مظاهرات الحراك الشعبي خطوات السلطة المتوجهة نحو تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة في 12 يونيو المقبل، ورفعت المظاهرات اليوم شعارات "لا انتخابات مع العصابات"، وشعار "الحريات قبل الانتخابات"، في ما يعني أن مكونات الحراك لم تعدل من موقفها بشأن الانتخابات المقبلة، على الرغم الاندفاع الذي تبديه أحزاب سياسية ومستقلون نحو المشاركة ودفع قوائم مرشحيها في الانتخابات المقبلة.
وقال الناشط والكاتب علي لخضاري، الذي يشارك أسبوعيا في المظاهرات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الشعب ومكونات الحراك تطالب بمسار تغيير كامل وليس الانتخابات فقط، الانتخابات لا تأتي بالتغيير عندما تجرى في نفس الظروف التي جرى فيها 16 استحقاقا انتخابيا منذ 1995 في الجزائر، وفي ظل نفس منظومة الحكم على الرغم من تغير الأشخاص"، مشيرا إلى أن " مكونات الحراك تقدر أنه لا يمكن الذهاب إلى انتخابات ما دام حق التنظم وتأسيس الأحزاب معطلاً، حيث لم ترفض السلطات اعتماد عدد كبير من الأحزاب الجديدة توجد ملفاتها لدى وزارة الداخلية، كما أن الحريات مضيق عليها".
ويشير هذا المشهد بمجمل تفاصيله إلى أن الحراك الشعبي مصرّ على عدم الالتفات إلى الخطوات السياسية التي تقترحها السلطة وتعهداتها بشأن إنجاز تغيير سياسي حقيقي يمر -حسبها- عبر إنجاز انتخابات برلمانية مبكرة، تعهد الرئيس تبون مجددا اليوم بأن تكون بالغة النزاهة والشفافية، وبتوفير كل الضمانات المطلوبة بشأن ذلك. وفي السياق قال تبون في رسالة وجهها بمناسبة ذكرى عيد النصر (19 مارس/ آذار 1962) إنه "على يقين بأن الشعب الجزائري، لا سيما الشباب الذي زرع بوعيه في الحراك المبارك أمل الجزائر الجديدة، سيتجند لبناء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات التي تبنى بإرادة الشعب من خلال الاختيار الديمقراطي الحر وعبر التنافس الشريف في الأفكار خلال موعد 12 يونيو الذي تمت إحاطته بكافة ضمانات النزاهة" مضيفا "إننا مدعوون اليوم وبمشاركة الطبقة السياسية والمجتمع المدني والتنظيمات والنقابات والنخب لإحداث القطيعة الجذرية مع ممارسات الخزي والوبال".
وحث الرئيس تبون مجموع القوى السياسية والمدنية والشعب الجزائري" للمضي بعزم وحزم في محاربة الفساد وكشف نوايا ومساعي المفسدين وبقاياهم الباحثين على فرص زرع الشكوك وإثارة النعرات والفتن"، وقال "تعلمون أني اتخذت قرارات تندرج في سياق تهيئة الظروف للتغيير المنشود الذي يتطلع إليه شعبنا الأبي وخاصة الشباب المدعو للانخراط في مسار بناء مؤسسات جديدة تحظى بالصدق والمصداقية"، مشيرا إلى أن "تلك القرارات منسجمة تماما مع التعهدات التي التزمت بها وشرعت في تجسيدها منذ الأيام الأولى على كل المستويات".