الرياضة وسيلة نضال وإثبات وجود

27 نوفمبر 2022
اللاعب الجزائري رياض محرز يرفع علم فلسطين (ديف تومسون/فرانس برس)
+ الخط -

إذا كان معنى الرياضة لدول العالم هو مسابقة فوز وخسارة وفن، فإن معناها لفلسطين أبعد من ذلك. الرياضة في فلسطين سياسة وثقافة وإثبات وجود. هذا البعد الفلسطيني للرياضة، جاء بفعل الاستعمار الصهيوني الإحلالي، الذي نُكبت به فلسطين أرضاً وشعباً، منذ أواسط القرن الماضي، وما زال مستمراً، إذ حُوربت فلسطين اسماً ورمزاً، وحاولت الآلة الإعلامية الغربية الداعمة للصهيونية واستمرار دولتها، تجهيل المجتمع الدولي حول حقيقة فلسطين وحضارة شعبها، إذ وفق الرؤية الغربية والصهيونية لا يمكن ذكر فلسطين إلا بديلاً لاسم مستعمريها الصهاينة، وذلك كان لفترة ما، وخاصة نصف القرن الماضي، أمراً غير مقبول.

ذكر فلسطين يعني البحث عن مكانها في الجغرافيا والتاريخ. هذا وحده يمثل بداية تعارف بين الجمهور الرياضي العالمي وقضية فلسطين. لذلك، عندما تشارك فلسطين في حدث رياضي، لا يكون هدف دولة فلسطين وممثليها الأسمى في الملاعب العالمية البحث عن الفوز فقط، بل المشاركة في حد ذاتها انتصار، مهما كانت نتيجة المباراة أو المنافسة التي يشارك فيها الفلسطينيون باسم بلادهم، بمثل ذلك يحدد المشرفون على الرياضة الفلسطينية أهدافهم.

منذ التسعينيات مع إنشاء وزارة الشباب والرياضة، اهتمت السلطة الفلسطينية الناشئة على أرض فلسطين بتطوير الرياضة، وسعت للانضمام إلى المنظمات الأولمبية الدولية، من أجل مشاركة فلسطين في كل المسابقات الممكنة عربياً وأقليمياً ودولياً.

أدوات النضال الفلسطيني متعددة، الرياضة إحدى أهم هذه الأدوات

توجت هذه الجهود عبر افتتاح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جوزيف بلاتر عام 2011، في ذكرى النكبة، بطولة فلسطين، اختتمت البطولة الكروية الودية فعالياتها بفوز فريق تشيفل الهنغاري على نادي الهلال المقدسي، في مباراة أقيمت على ملعب الشهيد فيصل الحسيني شماليّ القدس المحتلة. شارك في البطولة التي امتدت بين 15-23 مايو/ أيار ستة عشر منتخباً ونادياً عربياً وأجنبياً، من فلسطين والأردن وموريتانيا والجولان السوري المحتل وجنوب أفريقيا والسنغال والمجر وتشيلي، وذلك بحضور نحو 400 شخصية رياضية وإعلامية وسياسية عربية وأجنبية.

ليست الرياضة الفلسطينية هي التي تظهر وجه فلسطين في مواجهة حملات التغييب فقط، بل ساهم رياضيون عرب وعالميون في أدوارٍ هامة، في فضح ممارسات الاحتلال الصهيوني، من قمع وعنصرية وقتل وتدمير، أي في إظهار وجه الاحتلال البشع.

كان من أبرز من دعموا الحق الفلسطيني في هذا المجال اللاعب المصري محمد أبو تريكة، الذي كتب على قمصانه عبارات تدين حصار غزة، وكذلك اللاعب السنغالي، لاعب نادي بايرن ميونخ، ساديو ماني، ولاعب مانشستر سيتي الجزائري رياض محرز، ولاعب أرسنال المصري محمد النني، ولاعب مانشستر يونايتد الفرنسي بول بوغبا. ويعتبر نادي سلتيك الاسكتلندي من أبرز داعمي النضال الفلسطيني، إذ يستمر جمهوره، رغم العقوبات التي تفرضها الفيفا عليه، في الهتاف لفلسطين ورفع علمها في كل مباراة، كما تفعل جماهير نادي أسود الباسك الإسباني، كذلك رفعت بعض جماهير فريق باريس سان جرمان أعلام فلسطين في مواجهة الفريق الصهيوني مكابي حيفا.

هذه الظاهرة كانت قد تبنتها أو ربما ابتدعتها بعض فرق كرة القدم العربية، وخاصة الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم، الذي استمر لاعبوه برفع الأعلام الفلسطينية، بغرض تذكير العالم بفلسطين وقضيتها، ورداً على التطبيع العربي الصهيوني، أصبحت جماهير الأندية العربية مثل الوحدات الأردني، والرجاء البيضاوي المغربي، والترجي التونسي، والأهلي المصري، رديفاً آخر للنضال الرياضي السياسي الفلسطيني، فجماهير الأندية التونسية والجزائرية والمغربية ما فتئت تهتف لفلسطين في كل مباراة تقام في ملاعبها.

يرفض اللاعبون العرب اللعب في مواجهة الصهاينة، لذا يضطرون إلى الانسحاب في كرة القدم وألعاب القوى والشطرنج والملاكمة والمصارعة، مثل لاعب الجوجيتسو الكويتي عبد الله العنجري، الذي انسحب من بطولة العالم للفنون القتالية اليابانية المقامة في ولاية لوس أنجليس الأميركية، في عام 2019. أيضاً، في عام 2014 رفض لاعب المنتخب السعودي للجودو، عيسى المجرشي، منازلة لاعب صهيوني، معلناً انسحابه من بطولة العالم للجودو في وزن تحت 60 كلم، المقامة في روسيا.

لا تقتصر مواقف اللاعبين العرب على الانسحاب فقط، بل يبادرون إلى وسائل مختلفة، كما حدث أخيراً مع فريق مصر للكاراتيه تحت ١٥سنة، حين رفع اللاعبان الفائزان بالمركزين الأول والثاني علم فلسطين.

قبل انطلاق مونديال قطر وفي أثنائه، حمل المئات من الفلسطينيين والقطريين والسعوديين وغيرهم من العرب أعلام فلسطين وجابوا بها شوارع العاصمة القطرية الدوحة، كذلك أنشأوا تجمعات تغني لفلسطين وتذكر بقضيتها العادلة، وفي المباراة الافتتاحية بين قطر والإكوادور لوحظت أعلام فلسطين على المدرجات.

أدوات النضال الفلسطيني متعددة، الرياضة إحدى أهم هذه الأدوات التي يحسن الفلسطينيون وأشقاءهم العرب وأنصار فلسطين في العالم استخدامها، لفضح الاحتلال وتثبيت اسم فلسطين في ذاكرة العالم.

الشعب الفلسطيني شعب مبدع، في نضاله وفي صبره وثورته، مبدع بمثقفيه ومتعلميه، وفي اختراع الأدوات وتنويعها، الرياضة وسيلة راقية من الوسائل التي يستخدمها لحمل القضية إلى عقول الجماهير حول العالم، نضال صعب على حلفاء الصهيونية قمعه، كما قمعت عبر القوانين الجائرة "حركة مقاطعة إسرائيل BDS"، فحين تُمنَع فلسطين وعلَمها من الظهور، يُسمَح لأوكرانيا وأعلامها بالظهور في الملاعب وعلى القمصان وشارات اللاعبين. ازدواجية معايير يصطدم فيها الفلسطينيون، لكنها لم تعُق الفلسطيني وأصدقاءه وحلفاءه من المحاولات، وقد نجحوا في أحيان كثيرة، وسيكون النجاح أكبر في المستقبل.

المساهمون