قالت لجنة الأمن في ولاية الخرطوم، اليوم الأحد، إنّ نحو 58 من رجال الشرطة السودانية أصيبوا خلال التصدي لاحتجاجات أمس السبت. وهذا واحد من بيانات للشرطة السودانية وغيرها من الجهات الأمنية، كثيراً ما تثار التساؤلات عن مدى صدقيتها، لا سيما ما يتصل باتهام المتظاهرين بارتكاب أعمال عنف، والتي تلقى ردوداً من قبل لجان المقاومة والناشطين، تؤكد سلمية التظاهرات منذ انطلاقها عام 2018 ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وزعمت لجنة أمن الخرطوم، في بيان لها، أنّ "متفلّتين اندسّوا خلال الاحتجاجات"، معلنة أنها "رصدت عمليات تخريب لمقر للشرطة خاص بالفحص الآلي على السيارات، في منطقة شرق النيل، إضافة إلى تهشيم زجاج 4 سيارات تابعة للشرطة، وإتلاف لوحات إعلانية وإشارات مرورية"، مضيفة أنّ الشرطة "تعاملت بالحد الأدنى من القوة، واستخدمت الغاز المسيل للدموع للحد من تلك التجاوزات".
وهذه ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها السلطات الأمنية السودانية عن عمليات تخريب، فقد أعلنت من قبل عن إحراق متظاهرين قسما للشرطة في منطقة الصافية بالخرطوم بحري، وبسببه ألقت القبض على عدد من الثوار وتنوي تقديمهم للمحاكمة، من بينهم 4 قُصر.
وأضاف البيان، أنّ الشرطة ألقت القبض، خلال "مليونية 25 ديسمبر"، أمس السبت، على 114 شخصاً، وبدأت إجراءاتها القانونية لمحاكمتهم.
وفي الوقت عينه، شدد البيان على "احترام الشرطة حق التعبير وحق المواطنين في التظاهر السلمي"، مؤكداً أنّ "تسليح الشرطة أثناء التظاهرات يقتصر فقط على أدوات فضّ الشغب، للتعامل مع التجاوزات لتأمين المواطنين"، في إشارة إلى نفي تورط الشرطة في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، والذي أدى من قبل إلى مقتل أكثر من 45 متظاهراً وجرح المئات.
في مقابل ذلك، أعلنت لجنة الأطباء المركزية السودانية، في بيان لها، اليوم الأحد، أنّ 187 من المشاركين في "مليونية 25 ديسمبر"، أمس السبت، أصيبوا خلال فض قوات الانقلاب موكبا وسط الخرطوم، مشيرة إلى أنّ من بين الإصابات، 3 بالرصاص الحي.
وكان مئات الآلاف من السودانيين، قد خرجوا في عدد من المدن السودانية، في "مليونية 25 ديسمبر"، في إطار حملة التصعيد ضد الانقلاب العسكري الذي نفّذه قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتسوية بينه وبين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتمكّنت مواكب وسط الخرطوم من الوصول إلى محيط القصر الرئاسي، قبل أن تغادر المكان طواعية، مشيرة إلى العودة مجدداً في "مليونية 30 ديسمبر"، الخميس المقبل.
وقال "محامو الطوارئ"، وهو جسم شكّله عدد من المحامين السودانيين، لتقديم المساعدات القانونية للموقوفين أثناء التظاهرات، في بيان له، إنّ "السلطات الانقلابية هي من يتحمّل مسؤولية العنف المفرط من قبل القوات الأمنية تجاه الثوار، ما أدى إلى وجود عدد من المصابين في مليونية 25 ديسمبر تتفاوت إصابتهم بدرجات مختلفة ما بين خطيرة ومتوسطة، وبعضهم احتاج إلى دخول عمليات جراحية مستعجلة"، لافتاً إلى "اعتقال عدد من الثوار، لا يقل عددهم عن 10، بينهم نساء وأطفال، تم الإفراج عن بعضهم بالضمان العادي".
يقول الخبير الشرطي عمر عثمان، إنّ "محاولات الجهات الأمنية، بناء صورة ذهنية عن عنف التظاهرات لن يكتب لها النجاح، خصوصاً في ظل المعايشة الواقعية للتظاهرات وسلميتها، وفي ظل وجود وسائط التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية التي تصور كل شيء في لحظته وتعكسه"، لافتاً إلى "وجود استخدام للحجارة تجاه القوات النظامية، وهو أمر غير مقبول ومرفوض من الجميع، لكنه يُفهم في سياق أنه ردة فعل طبيعية على الاستخدام المفرط للقوة ضد الثوار الذين يواجهون الرصاص والرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع".
وأوضح عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "طريقة إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع تحدث بطريقة أفقية غير صحيحة، وتسببت في إصابة الثوار بارتجاج المخ أو الشلل الكامل أو الشلل الجزئي، هذا غير تأثيراتها الخطيرة على العين"، وأكد أنّ "تقليل إصابات الشرطة مرتبط بطريقة تعاطيها مع التظاهرات السلمية".
ولفت إلى أنّ "بيانات الجهات الأمنية، ومن بينها بيان الشرطة السودانية، تحرص على رصد الإصابات وسط أفرادها، فيما تتجاهل الإصابات الأخرى التي تقع في أوساط الثوار، وهذا أمر يقدح في حيادية الشرطة المسؤولة عن سلامة الجميع، وليس أفرادها وحدهم".
ورأى عثمان أنّ "على الشرطة أن توضح للرأي العام حجم الإصابات الأخرى"، مشيراً إلى أنّ "غالبية البيانات الأمنية تصدر متأخرة جداً، بالتالي لا تجد الاهتمام الكافي وتواجه بموجة من الانتقادات، لا سيما حينما تنشرها على صفحاتها بوسائط التواصل الاجتماعي".