استمع إلى الملخص
- تسعى الصين لتعزيز دورها الدولي من خلال دعم دول الجنوب العالمي، وتقليل نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في صنع القرار الدولي.
- تواجه الصين تحديات في تسويق وثيقتها، حيث تحتاج إلى طمأنة العالم بشأن نواياها السلمية وإقناع الدول الأخرى بأهمية تعزيز تمثيل الدول النامية.
أثار دعم الصين اللفظي لدول الجنوب العالمي في الأمم المتحدة تساؤلات حول دوافع بكين والأهداف الكامنة التي تقف وراء هذا التوجه. وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي، قد قدم وثيقة من خمس نقاط في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، شدّدت على ضرورة إعطاء الدول النامية صوتاً وتمثيلاً أكبر في المؤسسات والهيئات الدولية. وقال وانغ، إن جميع الدول، بغض النظر عن حجمها وقوتها، أعضاء متساوون في المجتمع الدولي، وينبغي التعامل مع الشؤون الدولية من خلال التشاور. كما دعا إلى حماية مصالح الدول النامية، ولفت إلى أن جميع الدول بحاجة إلى تقاسم فرص التنمية والدفع نحو العولمة الشاملة.
ودعت الوثيقة الصينية المجتمع الدولي إلى معالجة التحديات التي تواجه الاقتصادات الناشئة، وشدّدت على ضرورة إعطاء الدول النامية صوتاً وتمثيلاً أكبر، بما في ذلك إحداث تغييرات في الأمم المتحدة، وهو ما حثّت عليه بكين منذ فترة طويلة. وجاء في الوثيقة أن الصين تدعو إلى عالم متعدد الأقطاب متساوٍ ومنظّم، وعولمة اقتصادية مفيدة وشاملة للجميع، وأنها تؤمن بالمساواة بين البلدان الكبيرة والصغيرة، وتعارض الهيمنة وسياسات القوة. كما وصفت الوثيقة الصين بأنها عضو في الجنوب العالمي تقف دائماً إلى جانب جميع دول الجنوب في السرّاء والضراء.
الصين تدعو إلى عالم متعدد الأقطاب متساوٍ ومنظم، وعولمة اقتصادية مفيدة وشاملة للجميع
من جهتها، أبرزت وسائل إعلام صينية اهتمام بكين بالجنوب العالمي، وقالت إن البلدان النامية لا تحظى بتمثيل كافٍ، ولا تتمتع بالقدر اللازم من القدرة على التعبير عن رأيها. وبالتالي تريد الصين أن تكون صوت الجنوب العالمي، وهذا جزء من هدفها في السعي إلى دور عالمي أكبر وسط محاولات عزلها عن المجتمع الدولي، وتقديم نفسها لاعباً مهماً في النظام العالمي القائم على التعددية. ولكن الصين تساءلت في الوقت نفسه إن كان العالم مستعداً للتغيير.
دوافع الصين
في تعليقه على اهتمام بكين بدول الجنوب والدوافع التي تقف وراء ذلك، قال أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية، جيانغ لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الصين أوضحت دعمها للدول النامية في ورقة موقف أصدرتها خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة، وهو تجمع لكبار القادة من جميع أنحاء العالم، ما يعكس أهمية الأمر بالنسبة إلى بكين. وأضاف: لا شك في أن هناك رسالة في تركيز الصين على دول الجنوب، إذ تتطلع إلى الحصول على مزيد من الدعم من العالم النامي في الوقت الذي تواجه فيه تحديات على جميع الجبهات، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني والسياسي. وبالتالي تمثل هذه الدول رافعة قوية لبكين، لأن دخولها وانخراطها في الهيئات والمؤسسات الفاعلة سيعزّزان الأصوات الدولية الرافضة للهيمنة الغربية على صنع القرار والعقوبات الجائرة والتوجه المتهور نحو عالم أحادي القطبية.
ولفت إلى أنه بموجب الوثيقة الصينية، فإن جميع الدول، بغض النظر عن حجمها وقوتها، يجب أن تتاح لها الفرصة للمشاركة في صنع القرار والتمتع بحقوقها المشروعة ولعب أدوارها على قدم المساواة في المشهد الدولي والمساهمة في بناء تعددية قطبية. وأشار إلى أنه لو تحقق ذلك سيشكل تياراً معاكساً للسياسات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، وسيضعف من نفوذ واشنطن وتأثيرها على حلفائها من الدول الصغيرة التابعة.
جسر نحو الهيمنة
في المقابل، رأى الباحث في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث (مقره هونغ كونغ) لي يانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن دعوة الصين إلى تغيير سياسات الأمم المتحدة لإعطاء دول الجنوب مساحة تمثيل، هو انعكاس لتطلعات بكين للعب دور دولي أكبر في إطار المنافسة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وصراع الهيمنة والنفوذ بين أكبر قوتين في العالم. وقال إن الأمر لا يعدو كونه جسراً نحو الهيمنة على غرار الولايات المتحدة التي تستغل نفوذها العسكري لفرض سيطرتها على الدول الضعيفة، في حين أن الصين باعتبارها أكبر الدول النامية، أيضاً تستغل حاجة الدول الفقيرة لتتحدث بصوتها في مقابل إعانات وحوافز ومشاريع اقتصادية كبيرة تعزز من فرص الهيمنة والسيطرة الصينية، تماماً مثلما يحدث في بعض الدول الأفريقية واللاتينية وبعض الدول الجزرية في جنوب شرق آسيا.
لي يانغ: من الضمانات التي يجب أن تقدمها الصين، عدم استغلال الدول النامية وإغراقها في فخّ الديون
ولفت لي يانغ إلى أن هناك العديد من التحديات التي تواجه الصين في سعيها إلى تسويق وثيقتها الداعية إلى تعزيز دور دول الجنوب العالمي، من بينها: طمأنة العالم بشأن صعودها، وإذا ما كان هذا الصعود يحمل توجهات سلمية ونوايا حقيقية للتنمية بعيداً عن الرغبة في الهيمنة، وكذلك إقناع دول الجنوب نفسها بدور الصين دولةً تقود المجتمعات النامية، لأن هذه الدول لديها مواقف متباينة، وهي بطبيعة الحال منقسمة بين القوتين الكبريين (واشنطن وبكين)، حيث تخضع كل دولة لأجندة خاصة بما يتناسب مع تطلعاتها واحتياجاتها ومصالحها الاستراتيجية. وأضاف: على ضوء ذلك ينبغي لبكين تقديم بديل فعّال لتحقيق أهداف تحظى بدعم الدول النامية، يشمل ضمانات بعدم استغلال حاجة هذه الدول وإغراقها في فخّ الديون كما حدث في تجارب سابقة. أيضاً أشار إلى صعوبة تغيير سياسات الأمم المتحدة المتعلقة بتمثيل الدول في مؤسساتها، لأن الصين مجرد دولة من خمسة أعضاء دائمين لا يمكنها فرض رؤيتها على الآخرين، وتحتاج إلى إقناع بقية الدول بأهمية هذه الخطوة، الأمر الذي يبدو مستحيلاً، بحسب قوله.
يشار إلى أن الصين سعت خلال السنوات الأخيرة الماضية، إلى تصوير نفسها باعتبارها بطلة وزعيمة للعالم النامي، متحدية بذلك النظام الذي يقوده الغرب. كما انضمت إلى مجموعة من الأصوات العالمية التي تدعو إلى التغيير في المؤسسات مثل الأمم المتحدة لإعطاء الدول النامية صوتاً أكبر.