لم تتضح أي بوادر اتفاق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، لحسم الخلاف المتواصل بينهما على منصب رئاسة الجمهورية، والذي جرى العرف السياسي في البلاد على أن يكون من نصيب القوى السياسية الكردية، على الرغم من عقد أكثر من 5 لقاءات بينهما خلال الشهر الماضي.
هذا الأمر دفع قوى "الإطار التنسيقي"، التي تستعجل تشكيل الحكومة، إلى منح الحزبين مهلة أسبوع لحسم خلافهما، أو الذهاب إلى البرلمان وطرح التصويت على منصب رئاسة الجمهورية، والغلبة ستكون لصاحب الأعلى أصواتاً من المرشحين، الذين بلغ تعدادهم 33 مرشحاً، من بينهم مرشح "الديمقراطي الكردستاني" ريبر خالد أحمد، والرئيس الحالي برهم صالح الذي يصر "الاتحاد الوطني الكردستاني" على ترشيحه.
وتعثرت وساطات عدة للتوفيق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين للتوصل إلى "مرشح تسوية" للرئاسة من قبل أطراف داخلية وخارجية، منها محاولة قادها الشهر الماضي، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، لحسم الخلاف.
محمد الصيهود: الخلافات الكردية على منصب رئاسة الجمهورية باتت معرقلاً رئيساً في التوصل لحل سريع
إلا أن ملفات متداخلة بين الحزبين أسهمت في تعقيد المشهد، منها الانتخابات المحلية في إقليم كردستان، والخلاف على قانون الانتخابات، وملف منصب محافظ كركوك، ومناصب داخلية في حكومة الإقليم، أبرزها داخل وزارة البشمركة وموضع المخصصات المالية الممنوحة للسليمانية، وفقاً لمصادر سياسية داخل الإقليم.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الاتحاد الوطني الكردستاني يسعى للحصول على مكاسب سياسية ومالية في المفاوضات على منصب رئاسة الجمهورية من الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني.
الخلافات الكردية معرقل للتوصل إلى حل سريع
وفي هذا السياق، قال النائب البارز عن "الإطار التنسيقي"، محمد الصيهود، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات الكردية على منصب رئاسة الجمهورية باتت معرقلاً رئيساً في التوصل لحل سريع، إذ إن انتخاب رئيس الجمهورية شرط لتشكيل الحكومة وفقاً للدستور. ونسعى لحث الحزبين على الاتفاق على مرشح واحد منذ أيام، لكن لم يحصل حتى الآن أي تقدّم".
وكشف الصيهود أن "قوى الإطار التنسيقي منحت الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني مهلة أسبوع واحد (تنتهي مطلع الأسبوع المقبل) لحسم الخلاف حول مرشح رئاسة الجمهورية. وخلاف ذلك سوف يعقد مجلس النواب جلسته الخاصة بانتخاب الرئيس، ويبقى حسم هذا الأمر بتصويت النواب، كما حصل عام 2018".
وأكد أنه "لا يمكن تعطيل عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لمدة أطول، خصوصاً أن الإسراع في تشكيل الحكومة هو ما سينهي حالة الانسداد السياسي، وتحديد موعد جلسة البرلمان المقبلة متوقف على توصل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني لاتفاق بشأن مرشح واحد لرئاسة الجمهورية".
وشهدت الأشهر الماضية تمسّك الاتحاد الوطني الكردستاني بمرشحه برهم صالح، في مقابل تمسّك الحزب الديمقراطي الحاكم في أربيل بمرشحه ريبر أحمد خالد.
من جهته، قال القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني" غياث السروجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الخلاف ما زال قائماً على مرشح رئاسة الجمهورية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، على الرغم من استمرار الحوارات والتفاوض بين الطرفين، لكن من دون التوصل إلى أي نتائج لحسم هذا الملف حتى الساعة".
"الاتحاد الوطني" متمسك بصالح للرئاسة
وأكد السروجي أن "الاتحاد الوطني الكردستاني ما زال متمسكاً بمرشحه لرئاسة الجمهورية برهم صالح، وليس لديه أي مرشح آخر، وهو يرفض فكرة مرشح تسوية ويعمل على منح صالح ولاية ثانية خلال الفترة المقبلة".
واعتبر أن عدم التوصل إلى اتفاق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن مرشح رئاسة الجمهورية، سوف يدفع إلى تكرار سيناريو 2018 بذهاب الأكراد إلى البرلمان بأكثر من مرشح، وسيكون الحسم من خلال تصويت النواب على أي اسم يرونه اهلاً لهذه المسؤولية، وهذا الأمر وارد جداً، بسبب عدم التوصل إلى اتفاق بين الحزبين الكرديين.
في المقابل، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني محما خليل، إنه "لغاية الآن لا يوجد أي اتفاق مع الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن مرشح رئاسة الجمهورية، ونحن ما زلنا متمسكين بمرشحنا ريبر أحمد خالد، وليس لدينا أي مرشح بديل أو تسوية كما يشاع".
وأكد خليل، لـ"العربي الجديد"، أن "منصب رئاسة الجمهورية خلال المرحلة المقبلة هو من استحقاق الحزب الديمقراطي الكردستاني، كونه الكتلة الكردية الأكبر داخل مجلس النواب، وهو الكتلة الفائزة الثالثة على مستوى العراق، بعد الكتلة الصدرية وحزب تقدم. ولهذا فإن المنصب استحقاق لنا وفق مقاعدنا البرلمانية".
"الديمقراطي" يريد التوصل إلى اتفاق
وأضاف أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني يرفض ذهاب القوى الكردية بأكثر من مرشح لرئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب العراقي، فهو يريد التوصل إلى اتفاق للذهاب بمرشح واحد فقط. وأي جلسة تُعقد لانتخاب الرئيس من دون اتفاق كردي لن نشارك فيها. ولهذا الحوار متواصل ومستمر مع الاتحاد الوطني الكردستاني لحسم هذا الملف خلال الأيام المقبلة".
في المقابل، قال المحلل السياسي ماهر جودة، لـ"العربي الجديد"، إن "تأخير عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لا يتوقف على الخلاف الكردي - الكردي على رئاسة الجمهورية، بل المعرقل الأكبر هو الخلاف ما بين التيار الصدري والإطار التنسيقي على شكل الحكومة ومن يرأسها".
غياث السروجي: عدم التوصل لاتفاق مع الحزب الديمقراطي سيدفع إلى تكرار سيناريو 2018
وأضاف جودة أنه "حتى وإن اتفق الأكراد على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، لا يستطيع مجلس النواب المضي بعملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، إلا بعد موافقة التيار الصدري على هذه الخطوة، وأي حراك من دون موافقة الصدريين، سوف يشعل الشارع بالاحتجاجات الشعبية".
لا بوادر لتشكيل الحكومة قريباً
وبيّن المحلل السياسي أنه "حتى هذه الساعة لا توجد أي بوادر لتشكيل الحكومة خلال المرحلة المقبلة القريبة، خصوصاً مع رفض زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إجراء أي حوار مع القوى السياسية، وهذا هو ما يعرقل أي تحرك نحو تشكيل الحكومة".
ويتطلب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد حضور ثلثي عدد نواب البرلمان (220 من أصل 329)، وفقاً لما كانت قد قررته المحكمة الاتحادية العليا، وسط مخاوف من عدم تحقيق النصاب في حال فشلت القوى الكردية في التوصل إلى اتفاق على مرشح واحد يمثلها.
وتكمن أهمية اختيار رئيس جديد للبلاد في أن الدستور ألزم بأن يتولى الرئيس المنتخب داخل البرلمان، في الجلسة نفسها، تكليف مرشح "الكتلة الكبرى" بتشكيل الحكومة.
ولا يتمتع منصب رئاسة الجمهورية في العراق بأي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الذي أقرّ عام 2005 في استفتاء شعبي، عقب نحو عامين من الغزو الأميركي، إذ حصر الصلاحيات التنفيذية بشكل كامل في يد رئيس الحكومة، بينما مُنح رئيس الجمهورية مهامّ تشريفية، مثل توقيع المراسيم الجمهورية، وتقليد الأوسمة والأنواط، وتقديم مقترحات للقوانين والتشريعات، وتمثيل العراق في المحافل الدولية، فضلاً عن تكليف مرشح الكتلة الكبرى في البرلمان تشكيل الحكومة.