تدخل أزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة شهرها الثالث منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية في 30 نوفمبر/ تشرين الماضي، إذ تحوّل ملف تأليفها إلى مسرح لـ"لاءات سياسية" ترفعها الأطراف الرئيسية في الأزمة.
وبينما يصرّ التيار الصدري على تشكيل حكومة أغلبية، رافضاً إشراك رئيس الوزراء الأسبق، زعيم حزب الدعوة نوري المالكي فيها، تخوض قوى "الإطار التنسيقي" معركة جديدة متمسكة بعدم إقصاء المالكي.
لكن حظوظ "الإطار" في تحقيق ما يريده لا تبدو مرتفعة، في ظل تضارب المعلومات بشأن مصير الوساطة التي قادها أمس الإثنين كل من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني، إلى جانب زعيم تحالف "السيادة" خميس الخنجر، مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من خلال الاجتماع به في النجف أمس بهدف الوصول إلى "الحد الأدنى المقبول للخروج من الأزمة".
ويضاف إلى ذلك أن قوى "الإطار التنسيقي" لم تحقق أي انتصار أو نقطة لصالحها في المعارك السابقة التي خاضتها ضد التيار الصدري منذ إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
خسائر "الإطار التنسيقي" منذ الانتخابات العراقية
ومنذ صدور النتائج الأولية للانتخابات، رفضت هذه القوى الاعتراف بها، واستمرت على موقفها حتى بعد إعلان النتائج النهائية، وذهبت إلى حد اتهام مفوضية الانتخابات والهيئة القضائية المعنية بمعالجة ملف الطعون بعدم التعاطي مع الطعون بجدية.
وترافق ذلك تحركات احتجاجية لأنصار "الإطار التنسيقي" في محيط المنطقة الخضراء.
وعقب رفض المحكمة الاتحادية في 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي الطعن الذي تقدم به "الإطار"، مقرةً بشرعية الانتخابات ومثبتة نتائجها، دعا "الإطار" في اليوم التالي (28 ديسمبر) أنصاره من المتظاهرين والمعتصمين لإنهاء حراكهم والانسحاب من أمام بوابات المنطقة الخضراء المحصنة، التي تضم البعثات الدبلوماسية الغربية ومقرات الحكومة، وذلك بعد أكثر من شهرين على تنظيم احتجاجات واسعة ضد ما اعتبروه "تلاعباً بنتائج الانتخابات".
لم تحقق قوى "الإطار التنسيقي" أي انتصار لصالحها في المعارك السابقة التي خاضتها ضد التيار الصدري منذ إجراء الانتخابات التشريعية
يومها، كشف مصدر سياسي مطلع لـ"العربي الجديد"، أن "إنهاء الحراك كان من أبرز مطالب مقتدى الصدر لإكمال حواراته وتفاوضه مع قوى "الإطار التنسيقي" بشأن الحكومة".
ومع تعثر المفاوضات التي كانت مستمرة بين الطرفين، عقدت الجلسة الأولى للبرلمان في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، وتم خلالها انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، بناء على تفاهمات جرت بين "الكتلة الصدرية" التابعة للتيار الصدري، و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" برئاسة مسعود البارزاني، وتحالف "تقدم" الذي يترأسه محمد الحلبوسي، وتحالف "عزم" برئاسة خميس الخنجر، وبمقاطعة من "الإطار التنسيقي".
حاول "الإطار" تعطيل عمل المجلس عبر الطعن في صحة الجلسة الأولى للبرلمان. لكن المحكمة الاتحادية رفضت في 25 يناير الماضي الطعن، مؤكدة شرعية الجلسة وما ترتب عنها.
وبذلك، تلقّى "الإطار" ثاني ضربة سياسية قبل أن يركز جهوده على معركة تشكيل الحكومة، التي تستمر المبادرات والوساطات بشأنها في محاولة لضمان مشاركة "الإطار"، من دون أن يكون واضحاً حجم التنازلات التي سيكون كل طرف مستعداً لتقديمها في ظل "اللاءات" والخطوط الحمراء المرفوعة.
مقتدى الصدر مصرّ على حكومة أغلبية
وفي هذا السياق، لم يفض الاجتماع المغلق الذي شهدته مدينة النجف جنوبي العراق، أمس الاثنين، بين الصدر والحلبوسي والبارزاني والخنجر، إلى أي تغييرات جذرية في موقف الصدر من مشروع حكومة الأغلبية الوطنية، أو بموقفه من إشراك المالكي في المشهد الحكومي المقبل.
هذا الاجتماع جاء بعد زيارة زعيم "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني إلى مدينة أربيل برفقة السفير الإيراني الأسبق في العراق حسن دنائي فر، ولقائهما مسعود البارزاني في اجتماع سبقه لقاء مماثل للوسيطين الإيرانيين مع قيادات عربية سنّية في بغداد.
وسعى المسؤولان الإيرانيان لدفع القوى السياسية السنّية والكردية لعدم الاصطفاف مع الصدر ضد الطرف الآخر المتمثل بقوى "الإطار التنسيقي"، التي تضم قوى وأحزابا حليفة لإيران، أبرزها "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وتحالف "الفتح" الذي يضم أجنحة سياسية لفصائل مسلحة، إضافة إلى تحالف "قوى الدولة" بزعامة كل من حيدر العبادي وعمار الحكيم.
تحركات قاآني التي تدخل أسبوعها الثاني في العراق، لم تسفر عن أي نتائج ملموسة في مهمة ثني الصدر عن مشروع حكومة الأغلبية أو العدول عن شرط إقصاء المالكي من المشهد الحكومي المقبل، على الرغم من المبادرة التي تقدّم بها الوفد السياسي السنّي والكردي إلى النجف أمس الاثنين.
ويتبنّى الإيرانيون في حراكهم الحالي داخل العراق، دعم مطلب قوى "الإطار التنسيقي"، في تشكيل حكومة توافقية تشارك بها كل القوى الفائزة بالانتخابات، عكس ما يُصر عليه الصدر.
أما القوى السياسية السنّية والكردية فما زالت تتمسك بتحالفها الجديد مع الصدر، الذي كرر تأكيده عقب انتهاء الاجتماع معها أمس، على حكومة أغلبية وطنية، مطالباً عبر "تويتر" بـ"وقف الإرهاب والعنف ضد الشعب والشركاء"، في تأكيد آخر على ضغوط يواجهها شركاؤه السياسيون السنّة والأكراد في هذا السياق.
ورحب الصدر بما وصفه بالمعارضة الوطنية، في إشارة إلى سيناريو ذهاب قوى "الإطار التنسيقي" إلى المعارضة داخل البرلمان.
كرر الصدر تأكيده على حكومة أغلبية وطنية، مطالباً بوقف الإرهاب والعنف ضد الشعب والشركاء
كما كتب خميس الخنجر عبر "تويتر" عصر أمس أن "هدفنا واضح في بناء حكومة أغلبية وطنية قادرة على إدارة الدولة وخدمة الشعب". وتابع أن اللقاء أمس "خطوة في طريق استقرار العراق ودفع الفتنة وتغليب لغة الحوار، مع التأكيد على تماسك تحالفاتنا واختياراتنا الوطنية".
وقبل ذلك، قال الحلبوسي، عبر "تويتر" مع وصوله إلى النجف، إنهم حضروا إلى النجف لمباحثات تشكيل حكومة وطنية خالصة، معتبراً أن "زمن التدخلات الخارجية في تشكيل الحكومات قد ولّى".
وفي السياق، أكدت معلومات متطابقة من مصادر سياسية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن المبادرة الجديدة التي تقدم بها زعيم الحزب الديمقراطي مسعود البارزاني عقب لقائه قاآني، كانت ضمن تفاهم مع الأخير على بنودها، في محاولة للخروج بتسوية وصفها أحد السياسيين العراقيين المطلعين على المباحثات بأنها "الحد الأدنى المقبول للخروج من الأزمة".
والأهم فيها هو التأكيد على أحقية التيار الصدري في تشكيل الحكومة المقبلة، بصفته المتصدر للانتخابات.
لكن مع ذلك لم تخرج هذه المبادرة بنتائج جديدة. وأكد عضو بارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوة الكردية والسنّية في تقديم المبادرة للصدر كانت تهدف بالأساس إلى إثبات حسن نوايا أمام اتهامات قاآني بأنهم طرف رئيسي في المشكلة الحالية عبر تقوية طرف سياسي شيعي على آخر".
وأضاف أن الاجتماع الرباعي الذي استمر أقل من ساعتين في النجف، انتهى بترحيب الصدر بكل أطراف "الإطار التنسيقي" باستثناء تحالف المالكي، وهو ليس أمراً جديداً. كما جرى التأكيد على اختيار هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية، وفق عضو الحزب.
وتحدث عن طرح الصدر ذهاب تحالف "دولة القانون" بزعامة المالكي ومعه تحالف "العزم" بزعامة مثنى السامرائي، وهو تحالف سياسي عن العرب السنّة وله 8 مقاعد برلمانية، إضافة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني (17 مقعداً) إلى المعارضة، وبذلك تكون معارضة من كل الأطياف.
إصرار على إبعاد نوري المالكي
من جهته، كشف سياسي آخر في بغداد لـ"العربي الجديد" عن أن الوفد السياسي السنّي والكردي المشترك يجري اتصالات لعقد اجتماع مع قوى "الإطار التنسيقي" في بغداد لبحث الأزمة أيضاً ونقل موقف الصدر النهائي، ومحاولة إقناع هذه القوى بخلق تقارب جديد بين الطرفين، قبل موعد جلسة البرلمان المخصصة للتصويت على رئيس الجمهورية الأسبوع المقبل.
وأكد أن حلحلة الأزمة ستتوقف على رد "الإطار" على موقف الصدر، وهو ما يمكن أن يتضح خلال الساعات المقبلة.
القيادي في التيار الصدري رياض المسعودي، قال لـ"العربي الجديد"، رداً على سؤال عما إذا كان هناك تغيير بالمواقف بعد اجتماع النجف: "لا تراجع. مشروع تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية مستمر، وهو الحل الوحيد لإنقاذ العراق مما يمر به من أزمات على مختلفة الأصعدة، والأغلبية البرلمانية جاهزة لتمرير مشروع الحكومة الأغلبية في القريب العاجل".
من جهته، تحدث عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الاجتماع الرباعي في النجف جاء بطلب إيراني من قاآني لتوسط مسعود البارزاني لحل الخلافات الشيعية ــ الشيعية، خصوصاً أن البارزاني كان له دور كبير في حل الخلافات داخل البيت السياسي السنّي، الذي أصبح الآن موحداً وقوياً".
وأضاف أن الصدر "لم يتجاوب، وأكد استمراره في مشروع حكومة الأغلبية من خلال مشاركة أجزاء من الإطار التنسيقي وليس كلهم، ونحن (الحزب الديمقراطي الكردستاني) ملتزمون بالاتفاق مع الصدر".
ورفض الحديث عن وجود ضغوط إيرانية على القوى الكردية، قائلاً "نعمل منذ البداية على ضم أجزاء من الإطار التنسيقي معنا في حكومة الأغلبية".
في المقابل، قال القيادي في "الإطار التنسيقي" عائد الهلالي، لـ"العربي الجديد"، إن "الصدر رفض مبادرة القوى الكردية والسنّية، وما زال مصراً على إبعاد المالكي من المشاركة في الحكومة الجديدة، مقابل القبول بمشاركة باقي قوى الإطار في حكومة الأغلبية".
وأضاف الهلالي أن "الإطار التنسيقي لن يتخلى عن أي من أطرافه السياسية من أجل المشاركة في الحكومة، وهناك قرار اتُخذ لا رجعه فيه بذلك".
الإطار التنسيقي لن يتخلى عن أي من أطرافه السياسية من أجل المشاركة في الحكومة
وكشف عن أن "الساعات المقبلة سوف تشهد اجتماعات جديدة تجمع قادة الإطار مع القوى السنّية والكردية، وحتى مع التيار الصدري، من أجل حسم ملف الحكومة بشكل نهائي قبل موعد جلسة البرلمان، وبعدها سيكون هناك قرار للإطار بالمشاركة أو المعارضة، وهذا الأمر متوقف على حوارات الساعات المقبلة".