لم تعد القوى المدنية والوطنية والحراكات الليبرالية العراقية تخفي توجهاتها من المشاركة في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) المقبلة، المقرر إجراؤها في العراق في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لا سيما الأحزاب التي قاطعت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مثل حزب البيت الوطني، والحزب الشيوعي.
وتُجري هذه القوى، منذ أيام، اجتماعات مكثفة مع كيانات أخرى ناشئة وأحزاب جديدة، مصحوبة بقادة الحركات الاحتجاجية والناشطين والفاعلين في قطاع المنظمات، للمشاركة في الانتخابات المرتقبة، تحت مظلة تحالف "قوى التغيير الديمقراطية".
ياسر السالم: الحزب الشيوعي يسعى لبناء تحالف سياسي بالدرجة الأساس ومن ثم انتخابي
هذا التحالف يأخذ الفعل المدني والتأسيس للدولة المدنية منهجاً، وفقاً لقادة هذا التحالف الجديد، الذي تشكّل في أكتوبر من العام الماضي، لـ"مواجهة منظومة المحاصصة والفساد"، وتم اعتباره امتداداً للسعي المدني باتجاه تنفيذ المطالب الشعبية، التي طرحتها الاحتجاجات العراقية، وفق معادلة سياسية تضم لوناً جديداً.
8 أطراف في "التغيير الديمقراطية"
وتضم "قوى التغيير الديمقراطية" 8 أطراف سياسية كبيرة، بينها الحزب الشيوعي، والبيت العراقي، وحزب الوعد العراقي، وحركة نازل آخذ حقي، وحركة تشرين، والتيار الاجتماعي، وحزب البيت الوطني.
وتوجد أحزاب وكيانات أخرى مدنية التوجه ضمن هذه القوى، مثل حركة واثقون، والحركة المدنية الوطنية، وغيرها، لكن لا تزال مواقفها متذبذبة من خيار المشاركة في الانتخابات من عدمها، فيما لجأت حركة وعي، التي تشكّلت قبل عامين، إلى التوجه نحو المعارضة بشكلٍ رسمي.
في السياق، قال عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي العراقي، ياسر السالم، لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب كان قد قاطع الانتخابات السابقة، لكنها لم تكن مقاطعة تامة، إنما كانت محددة وواضحة، وهي موجهة لانتخابات عام 2021 فقط".
وأضاف أن "الحزب بالنهاية يتبنى الديمقراطية كمنهج وممارسة، وهو يسعى إلى تعزيز الحياة الديمقراطية في العراق وحماية مسار التحول نحو الدولة المدنية الديمقراطية". وأشار إلى أن "الحزب الشيوعي يسعى لبناء تحالف سياسي بالدرجة الأساس، ومن ثم انتخابي، لتغيير الواقع السياسي في العراق والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد".
وأكد أن الحزب "يعمل حالياً مع القوى المدنية والديمقراطية التي لها تاريخ سابق من التحالفات مع الحزب، وكذلك مع القوى الناشئة والجديدة التي تؤمن بمشروع التغيير الديمقراطي، ولدينا حالياً تفاهمات جيدة تحت مظلة قوى التغيير الديمقراطية التي نسعى إلى أن تكون قريباً تحالفاً سياسياً وانتخابياً".
تهديد لقوى السلاح والفساد
وبشأن تهديدات قد تطاول القوى المدنية من قبل الجماعات المسلحة التي توالي بعض الأحزاب الدينية في البلاد، بيَّن السالم أن "قوى السلاح والفساد لن تسمح للقوى المدنية والديمقراطية وجميع القوى التي تختلف معها في النهج السياسي أن تتصدر المشهد، ولذلك هي تسعى بشتى الطرق والممارسات لإضعاف جبهة قوى التغيير الديمقراطية. ذلك أن هذه الجبهة، بما تحمله من حضور سياسي وبرنامج يناقض سياسات قوى السلطة، تمثل تهديداً حقيقياً لوجود قوى السلاح والفساد".
من جهته، بيَّن رئيس حراك البيت العراقي محي الأنصاري أن "فريقه يعمل منذ عامين على بناء نواة منظومة حزبية حقيقية تعمل لإعادة الثقة بالعمل السياسي الحزبي بشكل نوعي يخالف المنظومة الحزبية المشوهة".
موسى رحمة الله: السلاح السياسي يريد السيطرة على المدن والدوائر الانتخابية
وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "المشاركة في الانتخابات، والدخول إلى عمق العمل السياسي من بوابة تقديم الخدمات للمناطق العراقية في المحافظات التي نملك فيها مؤيدين هو ضمن أهدافنا، لكن هناك بعض الإشكاليات، منها ما يتعلق بقانون الانتخابات، وأخرى ترتبط بالثقة الشعبية في الفعل الانتخابي وما تفرزه هذه الممارسة".
عدم ثقة بالعمل الانتخابي
وأضاف الأنصاري أن "هناك عدم ثقة كبيرة من قبل العراقيين بالعمل الانتخابي، بالتالي لا بد من فتح هذا الملف، ومحاولة استعادة الثقة، بتأسيس شكل جديد من أشكال السياسة. وقد يكون هذا الأمر أهم حتى من مناقشة موضوع قانون الانتخابات"، معتبراً أن "الفواعل المدنية باتت جاهزة لخوض الانتخابات، وتحقيق نتائج مهمة".
أما رئيس حزب الوعد العراقي موسى رحمة الله فأشار إلى أن "الانتخابات محطّة مهمة من محطات التغيير الديمقراطي، ولذلك سنخوض الانتخابات المقبلة مهما كانت الظروف ولن يمنعنا أي مانع، ولا نفكر أن نكون خارج الآليات الديمقراطية لتحقيق التغيير".
وأكد رحمة الله، لـ"العربي الجديد"، أن "قوى التغيير الديمقراطية تعمل حالياً على مشروع سياسي كبير، وهو لا يرتبط بالنيات أو المشاعر، إنما بالتفكير الجاد لتحقيق الأهداف الحالية والمقبلة ضمن برامج سياسية واعدة، تمثل تطلعات الشباب والمدنيين والقوى الحية والإرادة الشعبية".
وبشأن توقعات قادة "قوى التغيير"، بيَّن أن "توقع النتائج المقبلة مرتبط بالعمل الذي نقوم به حالياً، الذي يحتاج إلى أشهر طويلة، ونحن نستعد ونتحدث مع القوى الوطنية والخبراء ومراكز الدراسات، والجميع يرغب في أن يكون له حضور جيد"، لافتاً إلى أن "ما يميز الانتخابات المقبلة، أنها ستكون انتخابات الجماهير المنظمة، بعد سنوات من الحراك المدني والاحتجاجي".
السلاح السياسي يستهدف المدنيين
وأشار رحمة الله إلى أن "السلاح السياسي الذي كان وما زال يستهدف المدنيين، يريد أن يفرض أمراً واقعاً، ويريد السيطرة على المدن والدوائر الانتخابية، لذلك على السلطات الأمنية أن تساهم في صناعة الأمن الانتخابي". وأوضح أن "المدنيين لديهم ملاحظات بشأن قانون الانتخابات الذي تناقشه القوى المتنفذة، وقد أبدينا ملاحظاتنا الفنية على القانون، ونسعى لتقديمها إلى المشرع العراقي (البرلمان)".
وتعليقاً على هذا الموضوع، رأى الباحث والمحلل السياسي أحمد الشريفي أن "المدنيين في العراق كانوا أمام فرصة تاريخية في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، لكن غالبية القوى المدنية رفضت المشاركة احتجاجاً على قتل النشطاء. لكن الفرصة تتكرر حالياً في الانتخابات المحلية، لا سيما مع تمسك قوى "الإطار التنسيقي" بالسلطة، وتزايد النقمة الشعبية ضد الوضع الحالي".
وأضاف الشريفي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المشاركة السياسية للمدنيين هي الأداة الأقوى التي يملكها الناشطون والمضحّون في الاحتجاجات الشعبية في سبيل تحقيق التغيير".
واعتبر الشريفي أن "مشكلة القوى المدنية العراقية منذ عام 2003 ولغاية الآن، هي تغليب المشكلات الشخصية على الأهداف المشكلة، وهذا يحدث في أغلب الأحيان، ويمكن اعتبار حركة امتداد، التي حصلت على نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنها تعرضت إلى انشقاقات أدت إلى تراجع تأثيرها، مثالاً على ذلك".
وأوضح أن "قوى التغيير الديمقراطية ستكون هدفاً للأحزاب التقليدية في سبيل إفشال هذا الكيان السياسي النوعي، لذلك أمام قادة هذه القوى تحدٍ إضافي، هو منع انهيار هذا التحالف ومنع محاولات اختراقه".